23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

الإسلاميون وريث غير شرعي للأنظمة الشمولية

الإسلاميون وريث غير شرعي للأنظمة الشمولية

ناضل الإسلاميون ضد الأنظمة الدكتاتورية بضراوة، وسيسوا مفاهيم الدين الإسلامي كأبسط أفكار متوفرة لدى الشارع الإسلامي لتحشيد القوى البشرية والسياسية تحت قيادة عقائدية تكافئ عناصر التيارات الإسلامية بالنصر او الشهادة !! في العقود الثلاث الماضية تراجعت التيارات اليسارية والليبرالية لصالح التيارات الإسلامية المتصاعدة، وانتهجت الأخيرة مبادئ العنف والتصدي تحت مسمى الجهاد ووصل الحال لكسب دول ورجال دين مسيسين قادرين على اصدار الفتاوى بما فيها توفير الإباحية الجنسية في المعارك الدائرة. لكن تلك التيارات سقطت بأكثر من فخ أهمها الانشطار على نفسها بملف الطائفية والمذهبية الإسلامية وفتح جبهات سنية شيعية وتخندق إقليمي طائفي قاد شعوب دول المنطقة للاقتتال الداخلي، وايضاً سلوكها المتشدد والعنيف في تطبيق افكارها في مناطق نفوذها.  وهنا سقطت التيارات الإسلامية في اول منعطف بعد ان خطفت ثورات الشعوب الفقيرة المظلومة وامتطت على سدة الحكم في أكثر من بلد عربي لتطرح نفسها وريث غير شرعي وفاشل للأنظمة البائدة. ولكن من الغرابة ان يتبادر الى اذهاننا سؤال وسط هذا التسلسل التاريخي وهو: كيف حصلت التيارات الإسلامية على الدعم الغربي وبعض دول المنطقة!!؟  للإجابة على هذا السؤال نحتاج ان نقف على بعض الحقائق.
 إقامة الدول المدنية في الشرق العربي لم يكن سمة من سمات المرحلة المسموح بها بعد.  دول التحكم بالقرار العالمي ومساعِداتها في القرار الإقليمي مازالت تدرس خططها لاستيعاب وتوجيه ثورات الشعوب المظلومة. المرحلة الحالية تشهد نهاية النظم الشمولية الدكتاتورية كما نعلم، هذه النظم خدمت الغرب وحافظت على امن إسرائيل عن طريق تركيع شعوبها للقرارات الغربية والإسرائيلية.  ولكن، في قناعة دول القرار الشعوب في الشرق الأوسط مازالت غير مؤهلة لإقامة الدولة المدنية المعتمِدة في قوامها على الديمقراطية، التبادل السلمي، واستخدام الثروات الوطنية من اجل إعادة البناء واللحاق بالركب العالمي للحضارة.   دول الشرق الأوسط لم تكن متشابهة مع دول اسيا مثل سنغافورة، ماليزيا، اندونيسيا وغيرها التي سُمح لها بإقامة ديمقراطياتها وبناء اوطانها على الرغم من ضعف إمكانيات تلك الدول بالنسبة الى الدول العربية، دول الشرق الأوسط لها سقف محدد من قبل الغرب وإسرائيل في تطور مراحلها الديمقراطية وهو امر معروف لدى الشعب العربي وحتى القيادات العربية التي شاركت بشكل كبير بتحديد سقف التطور في المنطقة وكلنا يتذكر ماذا فعل القذافي وصدام حسين وحسني مبارك طيلة عقود من التخلف والاضطهاد.  المطلوب ان تبقى هذه الدول في مستواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي اقل من مستوى دولة إسرائيل في المنطقة، ويبقى العرب تحت نظرية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عبارة عن راس وخيمة وسوق.
   سقوط الدكتاتوريات القسري تحت تأثير شعوب المنطقة اثار قلق الكثيرين اقليمياً ودولياً، فذا كان الامر متوقعاً بعد إزالة نظام صدام حسين بالقوة لكن ليس بهذه الكيفية وهذه السرعة بحيث الخطط الغربية لم تكن جاهزة للتعامل مع التغيير ولم يكن امامهم الا التيارات الإسلامية المشكوك بنزاهتها الوطنية وهو المطلوب غربياً واسرائيلياً. كان التعويل الغربي في الغالب على التيارات الإسلامية السياسية لطرحها كبديل للأنظمة الشمولية، تلك الأنظمة التي أحرقت مرحلتها شعوب المنطقة بما أطلق عليها بثورات الربيع العربي التي حاولت انتزاع الأوطان من فكوك الدكتاتوريين الجشعة واعادتها الى الشعوب المضطَهدَة وإقامة حكومة عدالة اجتماعية.   طموح الشعب العربي وشعوب الشرق الأوسط الاخرى كان واضحاً اثناء ثورات التغيير، وهو ردم الهوة الكبيرة التي خلقتها دكتاتوريات المنطقة منذ ستينات القرن الماضي واسترجاع الشعوب حرياتها المدنية المُصادرة ووضع حد للتردي وتبديد الثروات الوطنية وحصرها بيد اشخاص معينين من حاشية الرئيس. لكن ذلك غير مسموح لحد الان غربياً واسرائيلياً وبشكل جزئي اقليمياً.  هذه الصورة كانت واضحة لدى الدوائر الغربية التي وضعت اهداف استراتيجية لاستيعاب رياح التغيير وتوجيه البوصلة باتجاه امن إسرائيل والمصالح الغربية،  ابتداء من التغيير في الدولة الأخطر وهي العراق الى محاولة إعادة الاخونجية الى السلطة في مصر.
في شباط يناير من عام 2003 حضرت مؤتمر عن التغيير في العراق حضره عدد من شخصيات المعارضة العراقية آنذاك مع عدد من موظفي الدفاع والخارجية الأمريكية في واشنطن بينهم بول وولفتز الذي كان متحمساً جداً ضمن إدارة الرئيس بوش لدخول العراق. قال وولفتز في ذلك المؤتمر بدخولنا العراق ندخل شرق أوسط صغير ونفتح التغيير به لذلك سيكون لنا معارضين وحلفاء في المنطقة. وفي الأول من فبراير من عام 2004 قال وولفتز لصحيفة نيويورك تايمز الصادرة بنفس اليوم في غضون تبريره لدخول العراق وكان منصبه آنذاك نائباً لوزير الدفاع ” ان غزو العراق لم يكن بسبب البحث عن الأسلحة البيولوجية او النووية بل هناك اهداف أكبر من ذلك”، كان كبار موظفو وزارة الخارجية والدفاع يدركون تماماً صعوبة قيام الديموقراطية في العراق والمنطقة بهذه الطريقة، لكن كان من الممكن ان توفر الحرب على العراق تفكيك دول المنطقة بحيث يجب توجيهها باتجاه مصالح الولايات المتحدة وامن إسرائيل وحلفائها الاوربيين. الامريكان انسحبوا من العراق تاركين ما يسمى في الاجندة السياسية بالفوضى الموجهة والتي أبرز أهدافها: ابعاد الجنود الامريكان عن القتل، ترك العراق يتفكك والتلويح بمشروع التقسيم، مع الدعم الكامل للقوى الإسلامية في العراق لتحييد إيران وتخريب العراق بنفس الوقت لعدم تمتع التيارات والأحزاب السياسية الإسلامية بأية خبرة في إدارة الدولة بالإضافة الى العقد المذهبية الموجودة اصلاً في التوجه الاسلامي. وبهذا كانت النتائج كالتالي: عراق ضعيف، منح الإسلاميين قليلي الخبرة مقاليد الحكم، الحفاظ على امن الجنود الامريكان، وايضاً والاهم شطب العراق كدولة معادية لإسرائيل واشغالها بوضعها الداخلي.
عشر سنوات أظهرت نجاح تلك الخطة رغم فشل الإسلاميين العراقيين من كلا الطائفتين في إدارة الدولة والانشغال بالاستغراق بالخلافات المذهبية التي وصلت حد التكفير والقتل تلاشت وضاعت الدولة العراقية. بالإضافة الى ذلك ضياع المال العام وظهور ملفات فساد وسرقات خيالية مرعبة توارى ابطالها في بريطانيا وأميركا دون ملاحقة لا من الحكومة العراقية ولا من الحكومة الامريكية المفترض انها المؤسس لحكومة العراق الحالية.
الهدف الأبرز والذي يكشفه التقادم بالأحداث في سوريا ومصر والعراق هو:
أولا: تفكيك منظومة الدولة العربية. العراق، سوريا، مصر، وليبيا امثلة أكثر وضوحاً
ثانياً: تغذية الاجندات السياسية الطائفية
ثالثاً: دعم المنظمات والأحزاب الإسلامية السياسية للسيطرة على المدن العربية وإقامة اماراتها المتخلفة
رابعاً: دعم التيارات السياسية الإسلامية للسيطرة على الحكم وإدارة المجتمعات بطريقتها المتخلفة والخبرة المنقوصة، مثال على ذلك سيطرة حزب الدعوة في العراق ودعم الاخوان في مصر وإطلاق يد اردوغان في تركيا لأسلمة مؤسسات الدولة.
لكن كل تلك الخطط مرهونة بإرادة شعوب المنطقة ووعيها وقابليتها على قلب الخطط الموضوعة لتفكيك دول المنطقة. واخيراً قد تمكن الشعب المصري من  قلب الطاولة بوجه الإسلاميين في المنطقة العربية ككل والشرق الأوسط وأبرز زيفهم وتخلفهم وافلاسهم الوطني وعرى الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة. المطلوب عودة أخرى لتقوية مؤسسات الدولة ودعم الجيش والشرطة ونشر ثقافة القانون وتقوية التيار الليبرالي وتبني طموح الشعب العربي وشعوب الشرق الأوسط الأخرى في الحرية والتعايش السلمي والعدالة الاجتماعية من قبل قادة مخلصين ليبراليين والاعتماد على الكفاءات والامكانات الوطنية وعدم الانجرار وراء الخطط الغربية التي لا يهمها  سوى تفكيك دول الشرق الأوسط بكامله وتحويله الى امارات إسلامية متخلفة، فجميع دول الشرق موضوعة ضمن خارطة التفكك بما فيها أولئك الدول الداعمة الى التخندق الطائفي وما عليها الا المصالحة مع شعوبها ورفض الخطط والضغوطات الغربية على حكوماتها.