23 ديسمبر، 2024 9:08 ص

الإسلاميون والعلمانيون : محاولة لفض الإشتباك

الإسلاميون والعلمانيون : محاولة لفض الإشتباك

خصمان لدودان، نشب بينهما صراع دامٍ إمتد لعقود،أزهقت فيه نفوس وأهدرت ثروات وتصحرت عقول وضاعت أجيال ومُحيت أوطان، كلاهما يحاول شيطنة الآخر متكأ على طفولة عقلية تمهيدا لمحوه للتفرد بالنفوذ والسلطة من أجل تطبيق إيديولوجيته ، ومما زاد المشهد السياسي مأساوية إدعاء العساكر المستبدين الذين جاؤوا بعد الحرب العالمية الثانية أنهم الممثل الوحيد للعلمانية يتبعهم قطاع عريض يلتهم  مخلفات موائد الغرب الفكرية ومخرجاته الثقافية ، ويريد استيراد العلمانية ويفرضها على البيئة الإسلامية.
أما الإسلاميون فكانو منقادين لسذاجة سياسية منشأها الجمود الفكري والتمترس خلف النصوص في غياب منظومة فكرية تواءم بين الوحي والعقل والواقع فضلا عن عدم إتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة السياسية وزجهم في السجون وتعرضهم للمحن المتوالية مما أنتج فكر(الأزمة) الذي أدام زخم القطيعة، فأكتملت موانع اللقاء لتضم:
–   التركة التاريخية الثقيلة الدامية.
– الصورة الذهنية الكالحة التي يختزنها كلا عن الآخر.
– الجمود الفكري وغياب المراجعة.
– الإستبداد وغياب التنسيق والحوار والتكامل.
وبعد خمسون عجاف بدأت تُسمع أصوات تدعو الى تجسير الهوة بين الإسلاميين والعلمانيين،في محاولة لإنهاء حقبة إدعاء الطهرانية وإحتكار الحقيقة من كلا الطرفين ، مع أنه لا تزال هناك أصوات إسلامية تكفّر الديمقراطية وأخرى تعدّها بدعة، لكن المؤكد هو أنّ الطيف الأوسع من الإسلاميّين مقتنع بالديمقراطية، مع ملاحظة أن ثمة تعصبا وشذوذا فى الساحة الإسلامية ولكن ليس كل الإسلاميين خرافيين أو متطرفين ، ومما يسر في هذا الجانب  أن التيار الإسلامي تتزايد قناعته ببناء دولة مدنية تستمدّ شرعيّتها من الشعب الذي تستحقّ كلّ مكوّناته حقوقا متساوية كما عليها واجبات متساوية.
 ومن جانب آخر  لايخفى أن العلمانيين أيضا ينساقون وراء التعصب فيطفو التحامل في أحاديثهم في أغلب المناسبات . الأمر الذى يؤدى إلى تلغيم الجسور الموصلة مع الإسلاميين فى وقت أصبح الإتفاق على المشتركات ضرورة وطنية.
ثم جاء الدكتور عبد الوهاب المسيري المفكر الفذ وكتب (العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية) فبدأ الحديث عن أن العلمانية علمانيات موزعة بين متشددة شاملة ومعتدلة جزئية ، الأولى ملحدة تعادي الدين وتحاول إقصاؤه تمهيدا لمحوه والثانية الجزئية ماهي إلا أدوات إجرائية لتيسير إدارة الاختلاف وتخليص السياسة من تسلط رجال الدين سلميا بما يحقق التعايش ويثريه كجزء من تقسيم العمل بين الديني والمدني.
تُعرّف العلمانية بأنها (الحرية الدينية ومدنية السلطة والسماح بالتعددية) على الرغم من أن العلمانية صارت مصطلحا فضفاضا يحتمل تأويلات عدة، فالعلمانية الفرنسية مخاصمة للدين، والإنجليزية متصالحة معه حيث الملكة هى رأس الكنيسة هناك، بالتالى فإن المصطلح يحتمل نفيا للدين وإنكارا له، كما أنه يحتمل تصالحا مع الدين واعترافا به.
 العلمانية  التي نعنيها هنا هي التي تعد الديمقراطية ركنها الركين بما تستصحبه من حرية وتعددية ومساواة بين جميع المواطنين، باختلاف مدارسهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية.
طريق البحث عن المساحة المشتركة بين الإسلاميين والعلمانيين يمكن أن يبدأ بحوار جاد بين إسلامي ذو عقل كبير مرن لاسيما وأن ساحة الفكر السياسى الإسلامى شهدت تطورا كبيرا ومثيرا خلال الثلاثين سنة الأخيرة، بمقتضاه احتلت الحرية والتعددية والمواطنة والمساواة وغير ذلك من المقاصد الشرعية مكانة متميزة فى دراسات واجتهادات الباحثين المسلمين، بل شمل ذلك التطور الموقف من الليبراليين والعلمانيين. بحيث أصبح أكثر تفهما وقبولا لأهل الاعتدال والعقلاء منهم.
وعلماني يدرك أن التشريع الإسلامي أهم وأثرى من أن تتخلى عنه المجتمعات الإسلامية، فهو جزء من معتقدها وتاريخها وذاتها وقياس تاريخنا التشريعي على تاريخ أوروبا التشريعي خطأ فادح، فعلى عقلاء العلمانيين أن يعبروا عن الاحترام لثقافة المجتمع وتقاليده الدينية.
لذا لابد من مراجعة الأفكار النمطية، والتخلص من الركود الثقافي وإيقاظ ملكة الإبداع لدى العقل الإسلامي / العلماني، إننا في حاجة الى إسلاميين جدد يستطيعون تقديم نموذج  فريد يتجاوز النموذج الغربي، وفي حاجة كذلك لعلمانيين جدد يتكاملون مع  الإسلاميين بما يحقق تنمية مرتجاة تجمع بين قيم الإسلام ومعطيات العصرعبر الإستفادة من  التجارب  الناجحة المعاصرة  التي أصبحت نماذج تحتذى تتطلع شعوبنا المغلوبة على أمرها ونخبنا  المستنيرة إلى أنموذج يجمع بين الفهم الحضاري للإسلام والحداثة.
فالمجال واسع والمشتركات كثيرة بين العلمانية الإجرائية وبين الإسلاميين ، ولاسيما إذا إتفق الطرفان على مدنية السلطة وعقلانيتها والتعددية الدينية والفكرية والسياسية وحقوق الأقليات والحريات العامة والخاصة وعلى الحرية في الاجتهاد في منطقة واسعة وكبيرة من مجالات الحياة.
النخب  من كلا الطرفين مدعوة أن تدير الحوار بالحسنى ،  لأن الجسر لايبنى إلا من ضفتين ،  لذا يتعين بدء الحوار بين  المعتدلين من الطرفين ، في محاولة نرجو أن يُكتب لها النجاح من أجل فض الإشتباك الذي طال لأن المستقبل سيُسلم قيادته للأمم التي تسهم في الإبداع والمراجعات الفكرية والإقناع والحوار وتقديم ما ينفع الناس، لأنها الأقدر في المحصلة على التغيير والعطاء.http://www.aljazeera.net/pointofview/pages/9d711571-a985-4d5f-9dee-9921067caff7
إضاءة: لما سئل غاندي عن سبب تعدد الأديان والله واحد، قال تصوروا أنه أعلى قمة لأعلى جبل والبشر يعيشون على السفح وهمهم الأوحد التوجه إليه. ثمة أكثر من طريق إلى القمة، من الجهة الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية، لكنه متجه دوما إلى فوق. الرائع في هذه الصورة أن كل الطرق متساوية لأنها تتجه لنفس الهدف وأنه بقدر ما يتعالى البشر بقدر ما يقتربون بعضهم من بعض.