يقوم بعض المقاتلين في الحروب والمعارك بتنفيذ مهمات من نوع خاص تتجسد في اختراق الخطوط المحصنة للعدو وتنفيذ أهداف محددة ، وفي هذا الاختراق يكون الاقتراب من العدو شديدا وربما لا تتجاوز المسافة المتر الواحد لكن العدو الذي حصن مناطقه لا ينتبه بسبب الحذر والتمويه وعدم إثارة الاهتمام من قبل المخترقين الذين ينجحون في العمل خلف خطوط الأعداء .
وفي العمل السياسي لا يختلف الوضع كثيراً ، فهذه ألمانيا التي كانت تتوق في القرن الثامن عشر إلى الاستقلال ، وتعمل بكل طاقاتها وتطور أساليب الحكم والإدارة وتبتكر طرق جديدة لإدارة الدولة كانت تصطدم دائماً بحاجز الأعداء الثلاثة الذين تقاسموا أراضيها واتفقوا على المحافظة على مصالحهم ومع كل الجهد المبذول .
وقتها أيقن الألمان أنهم لن يسمح لهم بالنهضة ، فكان التمويه للأعداء إلى أن استكمل البناء، ثم كان القرار الثاني في عدم الاستطاعة في القتال على أكثر من جبهتين فلا بد من اتخاذ أحد الأعداء الثلاث حليفاً فاختاروا محالفة النمسا وقتال القوتين الأكبر فرنسا وروسيا، وتم لهم ما أرادوا وحققوا النصر الذي أرادوه بعد ما يقارب الثمانين عاما من العمل والجهد الذي لم يخلوا من الخلاف الداخلي مع من الحرس القديم إن صح التعبير الذين تطبعوا على الأساليب التقليدية القديمة وحرموا أنفسهم من ثمرات الابتكار ولم يصبروا لجني ثمرات غرس بذل فيه الغالي والنفيس.
واليوم يواجه الإسلاميون خصوم لم يختاروهم بل أرادوا أن يسالموهم ويتعاونوا معهم لبناء أوطانهم ، لكن هيهات أن يسمح الخصوم بذلك بل نراهم يبذلون الغالي والنفيس لتحطيم من سجدت جبهته لله وامتلأ قلبه حبا لعباد الله.
والعمل الإسلامي اليوم يحتاج إلى جملة مسائل وفي مقدمتها استكمال بناء المؤسسة العاملة بقدر ما يستطيع والعمل وفق رؤية إستراتيجية تتجلى بالانطلاق في المجتمع وإزاحة النماذج المنحرفة والنماذج المشوهة للإسلام لكن ليس عبر الاصطدام معها في كل الحالات بل إيجاد آليات جديدة بناءة تتحرك في المجتمع وتزيل الأنماط المنحرفة ببدائل إيجابية تنفع الناس وتكسب قلوبهم وتظهر نوازع الخير بعد أن عمل الخصوم على طمس كل ما من شانه أن يرتقي بالناس إلى المستوى الذي يليق بهم.
وهذا الانطلاق والنجاح في المجتمع من شأنه أن ينبه الخصوم إلى ضعفهم إن آجلا أم عاجلا وهنا يحتاج الإسلاميون إلى المحافظة على نجاحاتهم وعدم الانجرار إلى صراعات جانبية تستفزهم وتسرب رصيد القوة الذي يمتلكوه .
ولعل الضابط لهذا الالتزام الفكر الاستراتيجي الحاكم للمؤسسة الذي يركز على الغايات بعيدة المدى ولا يهمل الأهداف القريبة والمكاسب الصغيرة الباعثة للثقة والمعززة للنجاح .
قوة الحركة الإسلامية تتجلى بالصمود والقدرة على الاستمرار مع كل الصدمات التي تتلقاها وهذه هي القوة الحقيقية الكامنة فيها لكنها تواجه تحديا صعبا وهو هذه المرة من الداخل وليس من الخارج ، فهذا التحدي يتجلى بالصف الداخلي والعناصر المتميزة فيه تحديدا ، فلا بد من التفريق بين الركائز والأدوات.
أما الركائز فهم من يستند عليهم العمل وهم من ينهض به ببذلهم وإخلاصهم وعطائهم والتزامهم وتجردهم وهم بحق ركائز النجاح في أي مؤسسة مهما كان نطاق عملها ، أما الأدوات فهم أشخاص آخرون يشابهون الركائز في ظواهرهم بل ربما يتفوقون عليهم عند من تخدعه الظواهر ولم يخبر الرجال ، لكنهم في دواخلهم يختلفون كثيراً عن الركائز فجدهم واجتهادهم محدود والمحرك لهم مصالحهم الداخلية ومنافعهم الخاصة مع إخلاص موجود في نفوسهم لكنه اضعف من تطلعاتهم وطموحاتهم المالكة لزمام عقولهم وقلوبهم ، فهم ضعاف وان بدا ظاهرهم قويا لذا كان الخطر كل الخطر في تحويلهم إلى ركائز قد تنهار مع أول إغراء أو تحدي .
وخلاصة القول إن الإسلاميين بحاجة إلى تقوية صفوفهم ومعرفة رجالهم والانطلاق في المجتمع والسير إلى الأهداف والغايات وسط الخصوم والأعداء مع تحاشي الاصطدام بهم قدر الإمكان والمحافظة على رصيد القوة وعدم إهداره واستنزافه فيما لا ينفع فإن تحقق هذا فالنصر والتمكين إن شاء الله على مرمى حجر وما ذلك على الله ببعيد .