يكثر الحديث هذه الايام عن الحاجة الى تغيير شكل العلاقة بين إقليم كوردستان ودولة العراق وذلك بسبب كثرة الخلافات والشد والجذب في جميع المشتركات التى تصل في اكثر الاحيان الى صيغ التهديد بقطع الموازنة عن الاقليم وقد تصل الى استعراض القوة والتهديد بإستخدامها احياناً ضد الاقليم كما حصل في أكثر من مرة ، والإقليم الذي هو شريك في توفير مفردات الموازنة الاتحادية التى تعتمد في مجملها ان لم نقل كلها على النفط المصدر سواء من حقول الجنوب او حقول الاقليم. ووقوف الحكومة المركزية بالضد من قيام الاقليم بتصدير نفطه مباشرة الى الاسواق العالمية التى تفتح فاها لابتلاع اية كمية ومن اية جهة كانت، وعدم اجراء التعداد العام في العراق والذي تماطل فيه الحكومة المركزية الذي لو اجري لحلت الكثيرمن النقاط الخلافية الحادة بين الجانبين ومن ابرزها نسبة حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ، ولعُرفت و توضحت الكثافة السكانية في كل محافظة ونسبة كل مكون او طائفة او قومية او مذهب او ديانة ولتوضحت الكثير من الامور التى تغلفها الضبابية والكل يعرف الجهة التى تعطل اجرائه ولماذا؟ وتعمد الحكومة المركزية عدم تمرير قانون النفط والغاز القابع فى الادراج منذ اكثر من خمس سنوات ، وموضوع المادة الدستورية (١٤٠) التى تماطل الحكومة المركزية في تطبيقها وغيرها من مشاكل حدود المحافظات وقضية كركوك التى فُرغت تقريباً من سكانها الكورد خلال العهود السابقة والمناطق المستقطعة من محافظات الاقليم كالاقضية والنواحى والتى الحقتها الانظمة السابقة بالمحافظات ذات الكثافة السكانية العربية المجاورة لكوردستان لتغيير النسب السكانية فيها لاغراض سياسية بحتة معروفة لجميع العراقيين ، ولو وجدت نية صادقة وحقيقية من جميع اطراف العملية السياسية وبشكل خاص الحكومة المركزية لتم حل جميع الاشكالات المذكورة، ولما كان هناك حاجة لمثل هكذا حديث . ويطرح في هذه الايام كثيراً مصطلح الكونفدرالية من الكثير من الجهات ويصرح بها السياسون دون ان يكون واضحاً المعنى من الكونفدرالية المنشودة والمغزى من طرح هكذا افكار دون تبسيطها كمصطلح وتوضيحها كهدف للمرحلة اللاحقة من شكل العلاقة ، يتحدثون وكأن اقليم كوردستان قد اصبح دولة مستقلة ليست جزأً من دولة فيدرالية، ولان اقليم كوردستان لا يزال جزء من دولة العراق الاتحادية الفيدرالية عليه هناك مراحل يجب ان على الاقليم ان يقطعها وينجزها ليتمكن من الوصول الى الكونفدرالية المقصودة.
لنفهم اولاً معنى الكونفدرالية:
الكونفدرالية أو الكنفدرالية وبالإنجليزية Confederation تعني اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام بعد عقد معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي تهدف الدولة الكونفدرالية إلى تحقيقها، ويتمتع كل عضو فيها بشخصية مستقلة عن الأخرى، وتديرها هيئات مشتركة تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، وهذه الهيئة تسمى الجمعية العامة أو المؤتمر، وأعضاؤها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات بالإجماع، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.
وتتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الكونفدرالي باستقلالها التام، وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، وطبقت هذا النظام بعض البلاد على مر التاريخ منها:
1- الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي الذي أقيم في الولايات الشمالية الأميركية في عام 1771م وانتهى عام 1787م، وهذا الاتحاد هو الذي سبق الاتحاد الفدرالي الذي أقيم بين الولايات الأميركية والذي سميت بموجبه الولايات المتحدة الأميركية.
2- الاتحاد الاستقلالي السويسري الذي أقيم عام 1815م وانتهى عام 1848م، وهو تاريخ قيام الاتحاد الفدرالي السويسري الحالي.
3- الاتحاد الكونفدرالي الألماني الذي أقيم عام 1815م وانتهى عام 1866م وكان يضم النمسا، وقد حل محله الاتحاد الكونفدرالي لألمانيا الشمالية منفصلاً عن النمسا، وتم ضم بعض دول جنوب ألمانيا إلى الاتحاد، وتحول هذا الاتحاد عام 1871م إلى الإمبراطورية الألمانية.
4- اتحاد الدول العربية الذي قام عام 1958م بين الجمهورية العربية المتحدة (التي كانت تضم مصر وسوريا) والمملكة المتوكلية اليمنية.
5- كونفدرالية الراين عام 1806م إلى 1813م التي لم يكن لها رئيس للدولة ولا حكومة.
6- مملكة أراغون (مملكة قديمة في شبه الجزيرة الأيبيرية ) 1137م إلى 1716م.
7- كونفدرالية صربيا والجبل الأسود ما بين 1992م إلى 2006م.
8-إيروكواس مجموعة من الأمريكيون القدماء، في منطقة البحيرات العظمى، اتحدوا في القرن 12 وأسسوا كنفدرالية.
وهناك اختلافات كثيرة وكبيرة وعميقة بين النظامين الفيدرالى والكونفدرالي سنحاول
اختصارها فى النقاط التالية:
وحيث ان الأصل في الكونفدرالية أنها اتحاد لدولتين أو أكثر منفصلة أصلاً عن بعضها وذات سيادة كاملة وتحضى بالاعتراف والقبول الدوليين قبل الاقدام على الاتحاد الكونفدرالي، ربطت بينها روابط، بخلاف الفيدرالية التي تعني الاتحاد بين أقاليم الدولة الواحدة، ويبدو الفرق بين الكونفدرالية والفدرالية واضحاً من خلال النقاط التالية.
1- لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي، أما أعضاء الدولة الفدرالية فلا يحق لهم ذلك، ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية (الحكومة المركزية).
2- لدول أعضاء الدولة الكونفدرالية حق إعلان الحرب، وليس بإمكان أعضاء الدولة الفدرالية ذلك.
3- الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية الواحدة حرب دولية, أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفدرالية هي حرب داخلية (إقليمية).
4- كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه هو وحده وليس بقية الأعضاء، والعكس صحيح في الدولة الفدرالية.
5- تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء، أما في الدولة الفدرالية فإن الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضاءها.
6- يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة، وأما أعضاء الدولة الفدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم. ولا يتم انسحابهاالا بموافقة البرلمان الاتحادي
وأحياناً الحكومة الاتحادية ايضاً.
7- مواطنو الدولة الفدرالية يتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفدرالية، عكس الدولة الكونفدرالية حيث تتعدد فيها الجنسيات بتعدد الدول، لعدم وجود الجنسية الاتحادية اصلاً.
8- في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول على عدد الدول المنضوية في هذا الاتحاد، أما الدولة الفدرالية فتتميز برئيس دولة واحدلها ورؤساء للاقاليم المكونة لهذه الدولة الفدرالية.
من كل هذا يتبين أن الفرق بين الكونفدرالية والفدرالية هو أن الفدرالية هي دولة موحدة ذات حكم لامركزي، أما الدول الكونفدرالية فهي اتحاد دول منفصلة تماماًعن بعضها.
وبعبارة اوضح ،الفدرالية هي اتحاد بين مقاطعات لتكوين كيان سياسي واحد ضمن دولة واحدة، مثال على ذلك: الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية و الإمارات العربية المتحدة أما الكونفدرالية فهي اتحاد بين مجموعة من الدول لتحقيق مصلحة اقتصادية أو سياسية، مثال على ذلك : الاتحاد الأوروبي ..
الاتحاد الكنفدرالي (أو الكونفدرالي) هو رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا وإلا أصبح شكلا آخرا يسمى بالفدرالية.
الكونفدرالية تحترم مبدأ السيادة الدولية لأعضائها وفي نظر القانون الدولي تتشكل عبر اتفاقية لا تعدل إلا بإجماع أعضائها.
وفي السياسة الحديثة، فالكونفدرالية هي اتحاد للدول ذات السيادة للعمل المشترك فيما يتعلق بالدول الأخرى. عادة ما تبدأ بمعاهدة ولكنها غالبا ما تلجأ في وقت لاحق لاعتماد دستور مشترك . و غالبا ما تنشأ الكونفدراليات للتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية والاقتصادية أو العملة المشتركة،
الكونفدرالية هي تعاهد بين دولتين او مجموعة دول مستقلة ، على تنسيق سياساتها الخارجية وعقد اتفاقيات ثنائية او جماعية حول العديد من المسائل الاقتصادية ذات الاهتمام في العلاقات بينها ، كالجمارك وتنقل الافراد والاستثمار وغيره ، بحيث تحتفظ كل دولة من هذه الدول بنظامها السياسي وخصوصياتها وبدستورها ، وتبقى متمتعة بشخصيتها الدولية كاملة ، وحقها الانفراد بعقد المعاهدات الدولية و بالتمثيل الدبلوماسي ان مفهوم الكونفدرالية مفهوم غير محدد المعالم كشكل من اشكال العلاقة بين الدول ، لكنه في النهاية يحافظ على الشروط التي ذكرناها سابقا ، وخاصة فيما يتعلق باحتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية كدولة مستقلة وبنظامها السياسي الكامل اذا ما تم التقيد باحكام هذا المفهوم كما تشرحها العلوم السياسية ، وهو مفهوم لايجبر من يريد التعاقد عليه ، اجراء استفتاء شعبي بشانه،لانه كما قلنا مجرد معاهدة تنسيق وتعاون بين دول.
من كلما تقدم يتضح لنا بأن شكل العلاقة الحالية بين إقليم كوردستان ودولة العراق التى هى على اساس النظام الفدرالى، وليتمكن الاقليم من التحول من إقليم فيدرالي ضمن دولة العراق الفدرالية الاتحادية كما مثبت ذلك في الدستور العراقي ، الى اتحاد كونفدرالي مع دولة العراق أي الى النظام الكونفيدرالي بين دولتين على الاقليم ان يمر بمرحلة اخرى قبل ذلك، وهى انفصاله عن العراق واعلان استقلاله كدولة مستقلة كاملة السيادة تتمتع بقبول وإعتراف إقليمي ودولي ، حينها يستطيع ان يتحد مع دولة العراق في إتحاد كونفيدرالى بين دولتين مستقلتين.
وبرأي الشخصي ان الانفصال وإعلان الاستقلال يحتاج الى ظروف ذاتية و داخلية واقليمية ودولية مهيئه ومشجعة لهذه الخطوة.
من ناحية الظروف الذاتية فإنها مهيأة وبشكل كبير ، الاقليم يتمتع بكافة مقومات الدولة من رئيس و برلمان وحكومة وعلاقات خارجية وقوات ومصادر تمويل والقبول الشعبى الواسع، والعقبة الوحيدة في هذا الشأن هي موضوع المناطق المستقطعة من كوردستان، واجد انه من الصعوبة بل من المستحيل موافقة الحكومة الاتحادية على الحاقها بالاقليم بسهولة، عليه للقيام بهذه الخطوة على الاقليم الاعتمادفي هذه المرحلة فقط على المحافظات المكونة له حالياً ويترك المناطق الكوردستانية التى هي خارج سيطرته للمحاكم الدولية،
اما الظروف العراقية الداخلية المتعلقة بالشأن العراقي البحت فالشواهد والتصريحات واختلاق الازمات مع الاقليم توحي ان حكومة بغداد هى من تدفع بهذا الاتجاه بدفع من مصالحها الخاصة وليقينها انها لا تستطيع تطويع الاقليم لذا فانها مهيأة لذلك ولكن على مساحة المحافظات المشكلة حالياً لاقليم كوردستان لا أكثر، في المرحلة الحالية على الاقل.
اما ما يتعلق بالظروف الاقليمية فانها غامضة ولا توحي بوجود قبول إقليمى لذلك عدى عن اخبار صحفية من هنا وهناك تفيد بوجود اتفاق بين قادة الاقليم وبعض القادة في تركيا لامكانية قبول الجانب التركي بذلك ولكن دون ان تصدر تصريحات جدية بهذا الخصوص.
اما موضوع القبول الدولى ، برأي اذا تهيأة الظروف الداخلية والاقليمية المشجعة لذلك فإن المجتمع الدولى لن يقف بالضد من تطلعات الشعوب خاصة اذا كانت لا تتعارض مع مصالحها الحيوية الجيو سياسية والاقتصادية ، ولا اظن ان خطوة من هذا النوع ستتضارب مع مصالحها،المهم لديهم تدفق النفط الذي هو عصب الحياة وعلى المدى الطويل، والمعروف ان ارض كوردستان تختزن عشرات المليارات من براميل النفط، كإحتياطي مؤكد.
من كل ما تقدم ، نستطيع القول ان على إقليم كوردستان العمل على تهيئة الظروف الداخلية والاقليمية لهذا الحدث الكبير طالما الظروف الذاتية موجودة على ارض الواقع.
وفي الختام اود طرح هذا السؤال على من ينادي بالكونفدرالية. اذا حصل الاقليم على الإستقلال واصبح دولة ذات سيادة كاملة ويستطيع ادارة شؤونه بنفسه لكونه يتمتع الان بكافة مقومات الدولة المستقلة. فَلِمَ ننادي بالكونفدرالية مع العراق أو مع غير العراق ؟ الاّ اذا كان ذلك شرطاً من شروط حكومة بغداد لتمهد الطريق لاستقلال الاقليم؟