23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

الإستفتاء وبغداد ومفارقاتها

الإستفتاء وبغداد ومفارقاتها

بعدما لمسنا إصرار الساسة في بغداد على الاستمرار في ممارسات تدل على أنهم ليسوا بحاجة إلينا كشركاء والى الدولة ككيان، وبعدما أدركنا خلو سلوكهم ورغباتهم ونواياهم من أي عزم على تنفيذ الدستور والمساهمة في بناء الديمقراطية والفدرالية، وعدم إهتمامهم بحقوق الإنسان العراقي بشكل عام والكوردستاني بشكل خاص. شارك الغلبية المطلقة من الكوردستانيين في كرنفال وثورة بنفسجية ليسجلوا في التاريخ الكوردستاني ملحمة جديدة لها طعم ومذاق تشبهان الى حد كبير طعم ومذاق ثورتي أيلول وكولان في 1961و 1976.

في ثورة أيلول قدم الشعب الكوردستاني التضحايات، وحقق الإنتصارات، وبعد جولات من التصدي والمجابهة والمفاوضات، وفترات تهدئة، وجراء مؤامرة دنيئة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، أصبنا بنكسة. أما كولان فقد توجت بإنتفاضة عارمة في آذار 1991، بعدها إنتخبنا برلمان كوردستان وشكلنا حكومة الإقليم.

وفي كرنفال الإستفتاء (الثورة البنفسجية)، في الخامس والعشرين من أيلول 2017، توجهنا نحو صناديق الإقتراع بفخر وشموخ لنقول ما نريد ولنقرر مصيرنا وفق طريقة ديمقراطية متناغمة مع الدستور العراقي والمواثيق والقرارات والمبادئ المثبتة في مواثيق الامم المتحدة، وجميع الأعراف والقوانين الدولية والسماوية التى تساوى بين البشر.

بالرغم من السنوات الطوال التي تقع بين 1961و2017، بقيت المفارقات المضحكة المبكية تلاحق حكام بغداد وبقيت العقليات كما هي، تنتقد سابقتها في البداية وتصفها بأوصاف عجيبة، وتقلدها بعد أشهر في التصرفات، وتمارس القلق والحرج في حسابات التوازن، وتبدأ بخطوات التراجع عن الإلتزام بالدستور والوعود، وتتمسك بالنظرة الإستعلائية الشوفينية والثقافة الإحادية ونمطية إتخاذ القرار. تجنح للمستحيل بدلاً من الممكن، ودون أن تتقن اللعبة السياسية تحاول ممارسة السلاح وكل وسائل الضغط والاستفزاز ضد الكورد وإستثمار التقاطعات والتضادات والمصالح الإستراتيجية للدول المحيطة بنا وتطويعها من أجل أن تبقى وأن تظهر أنها الأقوى والأكثر أهميةً.

خلال ثورتي أيلول وكولان قصفتنا بغداد بالقنابل والغازات السامة، ودفنت شبابنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا في مقابر جماعية، وأحرقت قرانا، ونفذت حملات الأنفال السيئة الصيت والترحيل القسري والتعريب. وبعد ثورة الإستفتاء، بغداد التي تريدنا أن نبقى معها، إستنسخت رسائل الكراهية القديمة وبعثتها لنا، وإستخدمت كل الأسلحة الحديثة ضدنا، وفرضت علينا حصاراً إقتصادياً. ولولا ضعفها ومشكلاتها الداخلية وتعقيدات الظروف الإقليمية والدولية لأعادت الأنفال والقصف الكيمياوي والمقابر الجماعية بشكل أبشع وأشرس .

خلال الثورات الثلاثة، رفضت بغداد مراجعة موقفها الاستراتيجي ولم تمنح نفسها فرصة اكتشاف الأخطاء التي ارتكبتها بحق الكورد أولاً، وبقية العراقيين ثانياً. ولجأت الى حسم الأمور الدستورية والسياسية بالوسائل العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وأغلقت السبل أمام الكورد وقيادته السياسية، ولم تبق أمامهم سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح .

اليوم ونحن نتجه نحو تشكيل حكومة جديدة في العراق، نتمنى أن لاتخطأ بحق الكورد والعراقيين، وأن لا تعيد أخطاء السابقات، وأن لاتعتقد أن الكوردستانيين سيتراجعون عن مطالبهم المصيرية وحقوقهم الدستورية، أو يرضخون الآن أو في المستقبل للضغوط أو للمطالب غير القانونية وغيرالدستورية، لأن ذلك الإعتقاد سذاجة وبلاهة.