تجربة “السلمية” في العراق تأسيس لثقافة سياسية جديدة لا تخص القادة والمفكرين السياسيين فحسب وهي جزء مهم جداً من ممارسات جماهيرية “شعبية” وتعبيراً عن معاناتها ولقد سبق للشعب العراقي أن مارس التظاهرات المعارضة منذ عام 1936م ولكنها في شكلها الحالي تريد أن تكون جزءاً من المنظومة الديمقراطية (تمارس عبر مناطق مختلفة من العالم وليست بدعة من بدع الإحتلال كما يريد البعض أن يصورها) كما إنها جزء مهم من الممارسات المدنية التي تساهم في تشكيل الرأي العام و إيجاد رأي عام موحد إزاء قضية عامة يمكن إعتماده في فهم توجهات المكونات والجماعات وتحديد رؤآهم الفكرية ومتطلباتهم الحياتية والسياسية ؛ وهي بكل تأكيد تعبيراً قانونياً إيجابياً لا يمكن إلا إحترامه
كل ذلك يستدعي التعامل مع الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات برؤيا حضارية والاستفادة منها بصفتها ناقلة ومحددة لمطاليب الناس ومعاناتهم ومؤشر حقيقي على مستوى أداء الدولة ومدى تقبل الناس لها ويمكن أن نحدد نقاط الإخفاق في تعامل الدولة مع حاجات المواطن .
وميزته الأساسية انه لا يمثل رأي فئة عشوائية صغيرة بل هو يمثل رأي غالبية المكون المعني ومن غير المفيد للدولة أن توحي للناس أو لنفسها أن المعتصمين لا يمثلون شيئاً وإنهم (فقاعة) لأن ذلك يعني ببساطة أنهم لن يستجيبوا لمطاليب المعتصمين وأن قرارهم هو المواجهة والتصدي لهم عبر وسائل الدولة الغبية (العصى) والإنهاء والسحق وتحشيد وتحريك (القطعات) على رأي قائد القوات البرية الذي قاد (معركة تحريرالحويجة) وأنهى الإعتصام خلال (نصف ساعة فقط !) ولعلها ستخلد تاريخه العسكري مع معالي وزير الدفاع ودولة القائد العام للقوات المسلحة وكل قادة خلية الازمة التي اجتمعت كما ذكر بيان لوزارة الدفاع العراقية يوم الاثنين ( قبل ساعة الصفر بساعات) أن الاجتماع الذي شهده الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية ومستشار الأمن الوطني ، ومدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة ، ورؤساء الأجهزة الاستخبارية ، والأمنية وقادة الأسلحة وهيئة الأركان العامة ، ناقش أيضا عدم السماح للعناصر المتطرفة بالتسلل إلى ساحات التظاهر التي تشهدها بعض المحافظات العراقية. وفعلاً نجحت خلية الأزمة بنفس نجاح شقيقتها خلية الأزمة السورية ! و تم إحتلال (ساحة) الإعتصام بوقت قياسي وإزيل (المخيم) وإشترك بهذه (المعركة) بقوات (متجحفلة) تتكون من (فرقة) من الجيش ومثلها من الشرطة الإتحادية ومثلها من قوات (سوات) وبمعونة فعالة من (طيران الجيش) التي تمكنت من تطويق (الساحة) من (المحاور الأربعة) وقطع طرق (الإنسحاب) وتمكنت من كسر (عصي) الطرف المعادي وسحقه عن بكرة إبيه وتم (إنهاء) الإعتصام !!
ولكن الدولة التي تسعى لتحقيق (السلم الإجتماعي) و تهتم (بالوحدة الوطنية) المتأتية من وحدة المكونات على أسس العدالة الإجتماعية والتوازن المجتمعي لابد أن تبحث عن جميع السبل التي تجعل المواطنين آمنين واثقين من إن السلطة في خدمتهم ولرعايتهم وكلما زادت ثقة الناس بالسلطة إزداد الآمن وعم الرخاء والعكس بالعكس تماماً .
وعلى الدولة أن لا يخدعها الشرطي بأن العلاج هو العصا وإنهم ممكن أن (ينهوا) هذه الإعتصامات ويطلق (الجنرالات) بكامل بزاتهم (القتالية) ونياشينهم و (أنواطهم) في كل محافظات الإعتصامات والتظاهرات والإحتجاجات يطلقون التهديد والوعيد ويزمجرون ويدقون طبول الحرب مستعرضين حنكتهم ومقدرتهم وعضلاتهم عبر المنصات (لمعالجة) هذه القضية وفق (عقليتهم الأمنية) بعد إجراءات سياسية (ساذجة) وإنهم لديهم من (القوة) والمقدرة و(الخبرة والكفاءة العسكرية) لمسح مخيمات الإعتصام والمعتصمين من على وجه الأرض بدقائق قليلة ! ولغرض منع المسلحين من العبور من منطقة إلى أخرى صدرت الأوامر لتدمير (جسر الخناجر) وحرمان الناس من خدماته !!
حيث إن هذه العقلية المتخلفة ستدفع بالضرورة نحو حلول كارثية يمكن أن تؤدي إلى تقسيم العراق أو الدخول في حروب داخلية لا نهاية لها تزتنزف كل طاقات العراق كما تزتنزف دماء شبابه وتجر على العراق مأسي أكبر من مآسيه الحالية وتوقع العراق في عنف غير مبرر وغير مشروع أو تحت تبرير(الثائر والإنتقام ورد الفعل أو العنف الثوري أو الشرعية الثورية أو الدفاع عن النفس …) الحل هو بتحقيق العدالة وبالسماع الحقيقي والمنصف لمطاليب المتظاهرين ومناقشتها معهم وتنفيذ ما هو بمقدور الدولة تنفيذه و إقناعهم بما ليس في مستطاع الدولة أو خارج الشرعية ؛ أما الإكتفاء بالقول ( تنفيذ المطاليب المشروعة فقط) فهذا يعني للمتظاهرون (عدم تنفيذ مطاليبهم أو الإحتيال عليها) المعتصمون والمتظاهرون يمثلون مكون طائفي محدد من الشعب العراقي وهم المعنيون بتلك المطاليب والحقوق وعلى الدولة التعامل معهم مباشرة ولابد من تحقيق ما يقنع الطرفين وما خرجت كل تلك الحشود بطراً ولم يخرجهم حزب أو دولة (ويمكن في مرحلة اليأس أن يستعينوا بأكثر من ذلك إن لم يجدوا إذناً صاغية من الدولة ) . لا تخدعوا أنفسكم أو يخدعكم المبطلون والعملاء أو الجهلة أو تجار الحروب أو الطبقة الطفيلية الآولى المستفيدة من النظام العاجز المتعكس على البندقية والوهم أ، هولاء (فقاعة) يمكن إنهاؤها بل هو تمثيل لمعانات حقيقية لفئة من البشر لم تعد بإستطاعتها تحمل (البغي) والإستغلال التي تمارسه (أجهزة قمعية) تعتقل وتقتل و تفسد في الأرض ثم تتاجر بالضحايا تحت (مظلة قانونية) يقف المواطن البسيط عاجزاً مذلولاً أمامها بلا حول ولا قوة
ومن الجريمة الكبرى أن تسعى (السلطة) لتشتيت أي مكون آو تقسيمه أو تحجيمه أو إضعافه لأنه في النهاية لا يصب في مصلحة الدولة التي تهتم بالوحدة الوطنية التي هي أساس المواطنة وعماد (الوطن) وقوته ودعامة النظرية الأمنية
والإعتصامات والتظاهرات و الإحتجاجات والاستيبانات والاستطلاعات و تحديد اتجاهات الرأي العام من أهم واخطر الوسائل المعتمدة في الديمقراطيات المعاصرة التي يمكن اعتمادها في التطوير والتغير الاجتماعي والنمو الحضاري .
ومن الجريمة تكرار جريمة الحويجة
لذا لابد من أن تتغير ذهنية إدارة السلطة لابد لها من التحضر والإبتعاد عن الذهنية البوليسية والتعامل مع مثل هذه الظواهر الحضارية بما يوازيها وليس البحث عن النقائص والسعي بكل ما تمتلكه السلطة من أدوات وأجهزة وتسخير كل إمكانيات السلطة لتشويهها وتهميشها وإجتثاثها وإنهائها ومسحها …
كفوا عن مهاجمة التظاهرات واثارتها واعزلوا العسكر عن ساحاتها وابذلوا وسعكم في حمايتها وطمئنتها والسماع لها بكل حرص والمتظاهرون بحاجة إلى تطمين وسترون العجب إن سمعتموهم وإلا ستفشلون كما فشلتم في الحويجة وأرتكبتم جريمة إنسانية ولا يخدعنكم من يقول لكم غير ذلك وأمسحوا عن الإسلام الذي تدعون تمثيله عار ما إقترفتموه من جاهلية وحقد أعمى إنكم يا من مسكتم السلطة بأسم المذهب فسدتم و ظلمتم وقتلتم العزل المسالمين وإجهزتم على الأسرى توبوا إلى الله من ما إقترفتموه وعالجوا مأساتكم ونظفوا صفكم وإغسلوا أياديكم الملطخة أزيلوا العصبة عن عينكم والغشاوة عن عقولكم وتوقفوا عن الدوران في حلقة مفرغة دموية ظالمة متخلفة وإلا أرتقبوا الأيام وارتقبوا لعنة شهداء الحويجة ستشهدون صفحة جديدة من مآساة أسمها (لعنة الحويجة) تصبحكم بوصمة عار وتمسيكم بأخرى أو إدرأوها وطووا صفحتها بالعدالة وبالتسامح والمصالحة الحقيقة والحب (إن إستطعتم وكان ذلك في قاموسكم) !
الحضارة هي تخطيط وجمال وحب ورفاهية وآمن وفي العراق خلق الله الحضارة
[email protected]