يعرف الكثير معنى كلمة ” الاستحمار ” وربما البعض القليل لا يعرف معناها ولكنهم قد يستخدموها في حياتهم اليومية عندما تصادفهم بعض الأحداث الداعية لاستخدامها ، فكلمة الاستحمار تعني الانتقاص أو الاستصغار لعقلية الإنسان ومعاملته على انه حمــــار !!!
ورغم أني لا أحبذ أن يقرن اسم الحمار ” بالاستحمار ” فهذا لأني أرى ذلك المخلوق البريء والمطيع الخدوم الذي طالما سخر ظهره لخدمة ونقل الملايين من البشرية على مر العصور أفضل بكثير من مئات السياسيين والجهات الدينية التي لم تفارق سياسة الاستحمار ،
ونظرا لتفشي تلك السياسة ” سياسة الاستحمار” سأكون مضطرا لاستخدام تلك التسمية لانتقاد الواقع الذي كان سببا لاستفحالها داخل أروقة الشارع العراقي وذلك لوجود رموز وجهات تطبعت على ممارسة تلك السياسة مع أبناء الشعب العراقي .
المشهد العراقي الديني والسياسي والاجتماعي حافل بالسياسة الاستحمارية التي تبنتها جهات دينية و ائتلافات سياسية تحت قبة البرلمان أو في مجالس المحافظات أو تلك التي في أروقة الحوزات ، فعندما تستعرض خطابات وقرارات بعض تلك الجهات تجدها وقد أجمعت على استحمار العقلية العراقية ، وحتى لا يتهمني البعض بعدم الواقعية سأستعرض نماذج عن بعض تلك القرارات والخطابات الصادرة عنهم والتعرف على مدى السياسة الاستحمارية التي ينتهجها أصحاب القرارات” رموزا دينية أو سياسية ” مع أبناء الشعب العراقي
فمن السياسة الاستحمارية انك تسمع عن عزم البرلمان العراقي لإقرار قانون التقاعد الجديد في موازنة العام 2012 وتهيئتهم لدراسة يشملوا من خلالها كافة العراقيين بالتقاعد فوق 30 سنة ، في الوقت نفسه يطل علينا وزير المالية رافع العيساوي ليؤكد انه لا زيادة على رواتب الموظفين أو المتقاعدين خلال موازنة العام 2012 ..!
وفي عالم التوظيف تستحمر الوزارات ومجالس المحافظات العاطلين عن العمل ، عندما يتم الإعلان عن إطلاق الدرجات الوظيفية وعندها تمطر عليهم معاملات العاطلين بالآلاف ، ولكن الحقيقة التي سيدركها هؤلاء العاطلين ان تلك الوظائف كانت مخصصة لأبناء وعوائل وأقرباء المسئولين والأحزاب ..!
المرجعية الدينية ومؤسساتها هي أيضا لم تفارق سياسة الاستحمار مع العقلية العراقية عندما تجدها تشرع وتفتي بانتخاب قوائم تكن لها بالولاء وهي اقرب ما تكون للفساد من غيرها ، لتنهال على المواطن الفتاوى من كل حدب وصوب ، في المسجد والشارع والبيت وحتى الدوائر والمؤسسات الحكومية وهي تحرم زوجاتهم وتبطل عباداتهم من صوم وصلاة فيما لو تخلفوا عن انتخاب من ألزمت المرجعية بانتخابهم ..!
ومن سياسة الاستحمار التي تتعرض لها العقلية العراقية التحشيد والتثقيف ضد الثورات الجماهيرية الرافضة لاستبداد جلادها ودكتاتوريته عندما تجد التثقيف المتمثل بالعمائم اللادينية الممتدة من طهران إلى النجف وهي تصور على ان الثورة السورية الشعبية ثورة ضد الدين و التشيع ؟! وكأن بشار المجرم هو رمزا من رموز الدين والتشيع الذي بموته أو عزله يموت الإسلام والتشيع برمته !
أم هل يوجد استحمار للعقلية العراقية المثقفة كاستحمار رئيس وحكومته وهم يصرفوا ملايين الدولارات على جلب الراقصات العاريات في عيد الصحافة العراقي كخطوة داعمة للصحافة والاعلام !
وهل يوجد استحمار كاستحمار حكومة بلغت ميزانية دولتها الأضخم والأكبر في تاريخ ميزانيات العراق ان لم تكن المنطقة وشعبها يقتات على المزابل والنفايات ؟!!!
الظاهر أن سياسة الاستحمار أخذت بالانتشار ، ولا نعلم أسباب هذا الانتشار ، هل هي في الإنسان العراقي نفسه الذي أصبح كثير الانقياد للآخرين لأسباب دينية وسياسية وحزبية ؟
أم أن المشكلة تكمن في حالة الحرمان التي يعاني منها الناس في ظل ضياع الحقوق الأساسية ، وضياع الهوية، فشكل لنا ذلك جيلا من السهل استحماره .
ختاما : آفة الاستحمار ظاهرة غير صحية تستلزم الكثير من الإرشاد والتوعية ، لأن الإنسان الذي يمكن بسهولة استحماره ، سيسهل انقياده وضياعه ، فيخسر بذلك كل حاضره ومستقبله ودينه ودنياه ….