أطلق مصطلح (العراق الجديد) على بلاد الرافدين بعد سقوط نظام الدكتاتورية البغيضة في هذا البلد الجريح في نيسان 2003، ولم يسلم هذا المصطلح من المعارضين الذين ينظرون بعين واحدة – وهذا من المسلمات شأنه شأن أي جديد- فلا يرون في هذا الجديد إلا هدما للأعراف وأستئصالا للحكم السياسي السابق.
تعرض العراق ومنذ عدة عصور لعدة انعطافات داخلية وخارجية احالته الى دمار وتخريب لما تبعه من غزوات حولته الى مدن خرائب وأشباح..لكنه سرعان ما يستعيد عافيته ورونقه وعنفوانه لينطلق من جديد في ممارسة دوره البناء في الحياة العراقية والإسلامية والعربية بواسطة شعبه المتماسك تماسك الفسيفساء وبتنوع الوانه وأطيافه. إن تنوع أعراق وألوان وأديان وأنتماءات سكان العراق والإنتماءات الإضافية الأخرى الأكثر شمولا وهي اجتماع اهلها بكل تلاوينهم المذهبية والقومية والدينية بمحبة ووئام ، تأكد ان الشعب العراقي جميعهم – إلا من شذ منهم عن هذه القاعدة – يستطيعون حمل الرسالة العراقية الجديدة وإغنائها بالدلالات المعبرة عن مضمونها الحضاري والانساني العريق وأعادة انطلاق العراق وبغداد عاصمته، بل وجهه وبوابته على الدنيا في كل عصر وحين. ذلك لان الجماهير العراقية هي صاحبة المشروع التغييري والمادة الاساسية في هذا التغيير الذي يهدف الى تحقيق أماني الشعب سواء على الصعد السياسية والاجتماعية والإقتصادية والخدمية،آخذا بنظر الاعتبار القيم والمبادئ والمثل الإنسانية المتجسدة في الإسلام الحقيقي التي تعطي لكل حق حقه، وتضع الموازين الصالحة والصحيحة لكل انسان. واستنادا لهذا كتب الدستور الجديد وثبت فيه حرية الأديان واعطى حرية الشعائر الدينية لكل أطياف الشعب، فأخذ الشيعة متنفسا لهم في ممارسة طقوسهم التي حاربها نظام صدام بشتى الوسائل دون جدوى.
يذكر التأريخ ما للشعائر الحسينية من اثرعظيم ومنطلق اساسي كبير في تحريك المواجهة بين ابناء الشعب وبين النظام الحاكم الظالم آنذاك بجبروته وطغيانه وإرهابه حيث السياسة البغيضة في محاربة الشيعة، وهذه السياسة أعادت نفسها من بعد إنبثاق العراق الجديد من قبل الصداميين ومن والاهم من التكفيريين فأصبحوا وجهان لعملة واحدة.
واننا اذا تحدثنا عن الشيعة لانبغي بذلك اثارة فتنة أو غرض آخر ولاننتقص ماطال ويطال الجهة الاخرى من ظلم .. إنما نتكلم عما حصل ويحصل للسواد الأعظم من الشعب العراقي الأصيل سواء في أسواقهم أو في مساجدهم أو ماحصل قريبا من قتل الجنود البواسل في ساحة المظاهرات في الحويجة . ونقول لأولئك القتلة الفاشلين ممن هم ظاهرين او متخفين ان عملياتكم التخريبية والتفخيخية لن تنال من عزم الشيعة وصمودهم مادامت الشعائر الحسينية تسري في دمائهم، وان التأريخ واضح أمام كل الارهابيين وإن عميت عليهم، وان الامس ليس ببعيد كيف واجه الحسينيون الرساليون كل عواصف الإرهاب الهوجاء التي واجهتهم.. وان المقطوع به هو فشل كل الاساليب الإرهابية والتشكيكية والتضليلية من النيل من صبر هذا الشعب ووعيه العميق بمصالحه المشروعة، فقد بدت ووضحت معادن الارهاب المدفوعة الثمن اكثر فأكثر ليس للشيعة فحسب، وإنما للآخرين الذين ظنوا يوما ما بمشروعية الأباطيل التي يرددها هؤلاء ويطلبوا لها بالإستمرار.
ان الذين ترعرعوا في احضان الدكتاتورية المقيتة ولم يتعلموا منها سوى قتل الآخرين وتصفيتهم أو تشويه سمعتهم عبر اطلاق الأكاذيب والتهديدات من على فضائيات أو وسائل اعلام أخرى أومنصات ومنابرأعدت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- حسب إدعائهم – لم يتعضوا بوقائع التاريخ سواء القريبة منها أو البعيدة لأنهم يعيشون الأمية الدينية قبل الأمية السياسية والأمية الإعلامية في الفكر ويعيشون الهمجية التعسفية في السلوك، كما انهم غير قادرين على قراءة المتغيرات الجديدة بصورة واعية ومتفاعلة لأنهم يعيشون الوهم اكثر من الواقع لذا فأنهم يمتهنون الإجرام والتخفي أكثر من أحتكامهم للحوار والسلم والشفافية.
في سنوات التغيير والتحولات الكبرى على طريق بناء المجتمع الجديد، اكتسبنا مسألة ان يكون عصرنا عصرا فعالا لابد ان يكون بعيدا عن النظر من خلف النظارة السوداء وان يكون بعيدا عن المادية والمنازعات والحروب، والتوجه الى إرادة التغيير الفاعل التي يوجهها تحريك العقول النيرة وتحرير الإرادات والظهور الايجابي. والإرادة الشيعية في عراقنا الجديد هي جزء من نظام الكون، وحركتها ناموس من نواميسه لانها مبنية على اسس اسلامية مرتبطة بحركة رسالية حسينية والتي هي أمتداد للرسالة المحمدية ومسيرة مستمرة حتى ظهور الإمام الولي المنقذ “عج”، وهي لاتتأتى للكل إلا بأستخدام العقل الذي لابد ان نستخدمه كي نكسب تطورا واقعيا جديدا منطقيا حقيقيا يتناسب وهذا التغيير، وكي يخطط الجميع لمستقبل مشرق لايكتفي بالأمنيات والآمال وإنما بواقع يؤكد حقيقة التغيير المجدي الجديد. ولاشك في ان حمل هذه الحقيقة يحتاج الى طرق تفكير جديدة وأولويات تعتمد التركيز على العلم والعمل كمنطق لإعمار ذاتي يؤمن بواقع التحول الجديد لا كما يؤمن به الارهاب واعوانه.
إن استعراضا سريعا ومنصفا مختصرا لما حصل في العراق الجديد منذ سقوط الدكتاتورية والى الآن يؤشر بما لايقبل الشك على اساسيات شاخصة لا يمكن العثور على أمثالها حتى عند من تمرس بالديمقراطية والحرية منذ عقود. ان نتيجة التغيير الكبرى في العراق وبما امتازت به بما يمكن حصره في هذه السطور- وهي اكثروأكبرمما نقول- من محطات انتخابية وتعددية حزبية وكتابة دستور والإستفتاء عليه وحرية التوجهات الفكرية والحزبية والاجتماعية واعادة العراق الى المحفل الدولي ونجاح الإنتخابات وغير ذلك كثير، فعراق اليوم ليس عراق الأمس.. ليس عراق الصوت الواحد والقائد الاوحد والحزب الضرورة. هذه القفزات التطويرية المذهلة التي أذهلت العالم، لم تروق أولئك الذين ينتمون الى القاموس الصدامي والتكفيري خصوصا إذا ماتمت ملاحظة ذلك الى جانب حجم المحاربة والتعويق التي تقوم بها مختلف القوى المتضررة من نهوض العراق الجديد الذي يعد قفزة نوعية في المشهد السياسي العربي.
ان طبيعة التركيز على الصورة الجديدة في العراق الجديد إنسانيا وماديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا بعيدا عما يفكر به اؤلئك المخرصون والمتخفون، إنما تنطلق من منطلقات واختصاصات وأفكار رسالية محمدية حسينية مهدوية، لذا فإن المؤمنون بالتغيير الجذري والحقيقي يرسمون صورة للمستقبل القريب نتمكن من خلالها ان نتبين معالم الطريق الذي يجب اتباعه وكيفية مجابة التحديات المصيرية لبناء الإنسان الرسالي في العراق الجديد.