23 ديسمبر، 2024 5:36 ص

الإرهاب … الحاق الأذى والضرر بالضرورات …

الإرهاب … الحاق الأذى والضرر بالضرورات …

لقد تعرضت إلى موضوع الإرهاب ، في الفصلين الثاني والخامس من كتابنا الموسوم ( الإجازات المرضية- دراسة تحليلية للنص القانوني والتطبيق العملي ) (1) ، مثبتا عدم الإتفاق دوليا على تحديد المقصود من معناه ، لغرض إتخاذ الإجراءات الكفيلة لمعالجته ، بإعتباره من أمراض العصر الحديث ، الذي أبتليت فيه الإنسانية ، وإنتقص من كرامتها بأبشع الصور والأساليب . وقد يكون ترك تفسيره على وفق نوايا مستخدميه أو المتصدين له ، السبب الرئيس في إستفحاله وتفشيه ، ومن ثم عدم التمكن من القضاء عليه ، لإختلاف التوجهات الفكرية والعقائدية ومنها الدينية على وجه الخصوص . وإذا كانت دول العالم المختلفة في ثقافاتها وحضاراتها وتأريخها ، غير متفقة على تحديد المقصود من معنى الإرهاب ، أو أن أغلبها ينتظر ما يملى عليها من معاني الكلمات ومفاهيمها بالقوة الغاشمة عسكريا أو إقتصصاديا ، لتحقيق غايات سياسية معلنة أو غير معلنة ، فإن من غير المقبول أن تبقى الدول العربية والإسلامية رهينة ضعفها الأبدي ، المتجسد في عدم إستخدام عناصر القوة التي تمتلكها في كل المجالات ، خاصة وأن الشريعة الإسلامية الحنيفية السمحاء ، قد أمرت بحفظ الضرورات الخمس للإنسان ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال ) ، وهذا الحفظ المصون بالحق والعدل والإنصاف ، مكفول بتطبيق قواعد تحريم الظلم ورد المظالم ، بإجراءات هيئات قضائية وأجهزة تنفيذية مختصة ومخولة ، مستقلة ونزيهة ، وسواء كان مصدر الإرهاب دولة أو مؤسسات ، منظومات أو تشكيلات ، أفراد أو جماعات .

وبالإستناد إلى ذلك كله ، يمكن تحديد المقصود بالإرهاب ، بالمعنى الذي يؤمن تحقيق الغاية والأهداف السامية ، بوسائل وأساليب نبيلة ، من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان ، من الهدر والضياع بباطل حرمته كل الشرائع والحضارات والأديان ، بإعتماد قاعدة قانونية تقضي بمعاقبة كل من يتسبب في ( إلحاق الأذى والضرر بالضرورات ) ، بمعنى إلحاق الضرر المادي أو المعنوي بالقول أو بالفعل ، الذي يجيز للإنسان إلتماس التعويض بالدعوى المدنية ، وليس المقصود به كما جاء بالأمرين المرقمين ( 10 و 17 ) لسنة 2004(2) ، والتعليمات الصادرة إستنادا إليهما بالعددين (2 و3) لسنة 2005(3) ، حين يقصد بالعمل الإرهابي على إنه ( كل فعل إجرامي صادر عن فرد أو عدد من الأفراد أو جماعة لا تحمل صفة رسمية ، يؤدي إلى إستشهاد الموظف أو إصابته بعجز يمنعه من أداء واجباته ، بقصد إثارة الفوضى أو الفزع أو الخوف بين أبناء الشعب ، أو التحريض على العنف أو إيقاع الأذى بالموظف ) حسب نص التعليمات عدد (2) ، أو على إنه بذات النص مع إحلال لفظ ( المواطن ) محل ( الموظف ) حسب نص التعليمات عدد (3) ، وكأن العمل الإرهابي ذو خيارات في التكييف القانون لأهدافه ، وليس بالفعل الإجرامي الشامل لأكثر مما حددته التعليمات لأغراضها ، خاصة فيما يتعلق بالجرائم التي إرتكبتها قوات الإحتلال التي يعتبرها البعض قوات تحرير وصديقة وتحمل الصفة الرسمية ؟!، في الوقت الذي لم يعد بإمكان أي مواطن أن يميز بين من يحمل الصفة الرسمية وبين من لا يحملها ، في ظل ظروف أمنية معقدة يسودها الغموض ، وتغلب عليها مظاهر الفوضى والإرتباك ، وإرتكاب كافة أنواع الجرائم المنظمة وغير المنظمة ، مما يتطلب وجوبا إن كانت السلطات وطنية عراقية خالصة ، غير خاضعة لهيمنة أجنبية متغطرسة عدوة ، أن ترفع غطاء الحصانة عن كل من يحمل الصفة الرسمية ، وعدم إضفاء العصمة الإلهية على سلوك وتصرفات أيا كان ، ما دام بشرا مستعدا لإحتمال قيامه أو مشاركته بالعمل الإرهابي ، لإنعدام مبررات إستثنائه مما يمكن ممارسته من قبله خلافا للقانون ، وكما وقع ذلك فعلا بتورط بعض عناصر الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي بأعمال إرهابية ، بإعتراف السلطات القائمة لأكثر من مرة ، وما تعرضه وسائل الإعلام المختلفة شاهد إثبات ولكن ، دون مساءلة أو حساب أو عقاب مفترض بالشكل على أقل تقدير ، ليكون رادعا منظورا غير متروك إعتماده بالكلية ، ناهيك عما تقوم به الميليشيات من أعمال إرهابية خارج إطار بحث من يحمل الصفة الرسمية ؟!.

إن تعريف الإرهاب الوارد في قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005(4) ، على إنه ( كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة ، إستهدف فردا أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية ، أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الإستقرار والوحدة الوطنية ، أو إدخال الرعب أو الخوف والفزع بين الناس ، أو إثارة الفوضى تحقيقا لغايات إرهابية ) ، يختلف عما ورد في الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وتعديلها ، المصادق عليها من قبل جمهورية العراق بموجب القانون رقم (35) لسنة 2008(5) ، وتلك من الإشكاليات الرسمية في تبني المواقف المخالفة للنصوص القانونية المتعهد بتطبيقها ، على مستوى الدولة أو على مستوى الجمع العربي ، الذي يقتضي التوحيد بدلا من التعدد والتشرذم الناجم عن إتباع مناهج السياسات المختلفة ، حيث نصت الإتفاقية العربية المذكورة آنفا على ما يأتي :-

المادة – الأولى –

1- الإرهاب : كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به ، أيا كانت بواعثه أو أغراضه ، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعرض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة ، أو إحتلالها أو الإستيلاء عليها ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .

2- الجريمة الإرهابية : هي أي جريمة أو شروع فيها ، ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها ، أو ممتلكاتها أو مصالحها ، يعاقب عليها قانونها الداخلي ، كما تعد من الجرائم الإرهابية ، الجرائم المنصوص عليها في الإتفاقيات التالية ، عدا ما إستثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة ، أو التي لم تصادق عليها .

المادة– الثانية– أ- لا تعد جريمة ، حالات الكفاح بمختلف الوسائل ، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الإحتلال الأجنبي والعدوان ، من أجل التحرير وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي ، ولا يعتبر من هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية .

لقد فات أوان ما يمكن عرضه على جامعة الدول العربية ، لغرض بيان موقفها العربي والقانوني والسياسي ، بشأن عدم إلتزام سلطات العراق المحتل ، بما ورد من نصوص تمت المصادقة عليها من قبلها ، بإعتبار العراق عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها حسب نص المادة (3) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، إلا إن صمتها إزاء نعت ووصف سلطات العراق المحتل لفصائل المقاومة الوطنية العراقية بالقوى الإرهابية ، وعدم إعلان إعترافها بها مع عدم تقديم الدعم المناسب واللازم لها ، على الرغم من كونها راعية لإتفاقية تقر الكفاح بمختلف الوسائل ضد الإحتلال الأجنبي والعدوان ، من أجل التحرير وتقرير المصير ، مع عدم إتخاذها الموقف المطلوب إزاء العدوان المسلح على الحدود العراقية من قبل كل من إيران وتركيا ، وتدخل إيران السافر في الشأن الداخلي للعراق ، إلى حد رفع صور زعمائها في مدينة البصرة ، بمناسبة خروج بعض القوات العسكرية الأمريكية المحتلة منه ، في إشارة غير حقيقية إلى مساهمتهم في أسباب خروجها ، متناسين أو متجاهلين مشاركتهم المباشرة والفاعلة في إحتلال العراق ، وتكرار ذات الممارسات سنويا بمناسبة يوم القدس العالمي الإيراني في عدد من المحافظات العراقية وخاصة العاصمة بغداد ؟!.

وتبقى من الأسئلة العالقة في أذهان الشعب العراقي والعربي ، ما لا تستطيع الجامعة العربية الإجابة عليها ببيان واضح وجلي ، لأن ضعف الجامعة العربية موصوف ولا يتوجب معه الطلب منها ما لا تستطيع قوله وليس ما لا تستطيع فعله ، بدليل استثناء الجرائم المنصوص عليها في الإتفاقية العربية المذكورة ، من إلتزامات الدول العربية إذا كانت تلك الجرائم مستثناة بموجب تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها ، مما يجعل المصادقة عليها شكلية وليست ذات جدوى وفعالية تنفيذية محترمة ، وبرهان على تنصل الجامعة العربية من إلتزامها بنصوص الإتفاقية قبل أعضائها .

لقد نصت المادة ( 7 / ثانيا ) من الدستور العراقي لسنة 2005 ، على أن ( تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقرا أو ممرا أو ساحة لنشاطه ) . ولا أدري عن أية محاربة للإرهاب تلك التي تلتزم الدولة بها دستوريا ، وهي من تركت العراق ساحة ميدان لممارسة أنواع وسائل وأساليب الإرهاب ضد الشعب العراقي بكل أشكاله وصوره ، وكيف ستعمل على حماية الأراضي العراقية من أن تكون مقرا أو ممرا أو ساحة لنشاطه ، وهي العاجزة عن ضبط الأمن الداخلي ، وغير القادرة على مواجهة قوات كل من تركيا أو إيران ، وغير المسموح لها بفرض سلطاتها الأمنية داخل إقليم كردستان ، الذي منح الأكراد المعارضين في كل من البلدين المذكورين ، حق إستخدام الأراضي العراقية لتنفيذ عملياتهما العسكرية الخاصة بهما ، مما تسبب في منح سمة دخول القوات المسلحة التركية والإيرانية إلى الأراضي العراقية ، لتعقب العناصر الكردية ( الإرهابية ) حسب تصنيف الدولتين المذكورتين لهما ، كونهما من المجاميع المسلحة التي تقوم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد نظام الحكم القائم في كلتا الدولتين ، كما لم تتخذ حكومة إقليم كردستان العراق ، أي إجراء من شأنه دفع الضرر عن المواطنين الأكراد من سكان القرى الحدودية هناك ، إلا إنها غالبا ما تلوح بإستخدام قوات البيشمركة الكردية ، لحماية مكتسبات الأكراد عند تعرضها للخطر القادم من داخل العراق ، مع إن السلطتين المركزية والإقليمية لا تشتركان في إستنكار العمليات العسكرية التركية أو الإيرانية بذات المستوى المطلوب ؟!، ناهيك عن عدم تصديهما للعدوان بالمثل وبالقدر المستطاع ، لإختلاف تميز علاقاتهما الإستراتيجية مع الدولتين على وفق مصالحهما ، ولأسباب سياسية معروفة بنهجهما المعادي للعراق والمؤذي والضار بمصالح العراقيين والعرب ، إضافة إلى تسخير السلطة المركزية للأراضي والأجواء العراقية لمرور شاحنات وطائرات الدعم العسكري الإيراني للنظام السوري ، والإكتفاء بإجراء التفتيش الشكلي والمتفق عليه لبعض الطائرات الإيرانية ، في محاولة بائسة لإعلان إلتزامها بتوصيات الأمم المتحدة ، بشأن الحد من تدهور الوضع المأساوي في البلد والشعب الشقيقين ، الناتج عن إستخدام النظام الحاكم والمستبد في سوريا ، سياسات القتل والتنكيل والبطش والتخريب والهدم الذي طال الحجر والبشر من أجل الإحتفاظ بالسلطة ، وإن كان على حساب أنقاض سيادة وإستقلال سوريا المنكوبة بكل شيء ، وما التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا ، والإتفاقية العسكرية الرباعية بين روسيا وإيران وسوريا والعراق ، إلا دليل على عدم إمكانية الحكومة العراقية على حماية أراضيها من أن تكون مقرا أو ممرا أو ساحة لنشاط أية جهة كانت ، لأن العمل جار على وفق قاعدة مخالفة النص القانوني سياسيا ؟!.

أما على الصعيد الداخلي ، فقد أوضحنا الخلل في تطبيقات قانون مكافحة الإرهاب ، في مقالتنا السابقة ، على إن مناقشة أساليب ووسائل التطبيق الخاطيء للقانون وتحميل نصوصه ما لا تحتمل ، لا يعني عدم رفضنا ومقتنا للأعمال الإرهابية ومحاسبة الفاعلين بشدة ، إلا أن معالجة كل جوانب التعسف السلطوي في الإجراءات الباطلة ومحاسبة المتجاوزين لحدود السلطة التقديرية ، هو طريق الوصول إلى تطبيق الأسباب الموجبة لتشريع القانون بمهنية فاعلة ، ولو أن سياسيا أعلن تعريفه للإرهاب بالصيغة التي عليها عنوان المقال ، لرأيت كيف تمت مناقشته وإعتماده ، وكيف كان ذلك من التجديد الفكري والإبتكار والإبداع ؟!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (345) لسنة 2009 .

2- نشر الأمرين في جريدة الوقائع العراقية بالعددين (3989 و3990) في 11/11/ و 25/12/2004 .

3- نشرت التعليمات في جريدة الوقائع العراقية بالعددين ( 4000 و4001 ) في 3 و19/7/2005 .

4- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4009) في 9/11/2005 .

5- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4104) في 5/1/2009 .