البربرية الأمريكية .. أصولية بيوريتانية تبحث عن عدو جديد !!
بعد غزو العراق وليبيا
فالحرب العالمية الأولى التي إندلعت في قلب أوروبا، وإمتداداتها إلى بعض مناطق الشرق الأوسط، أفرزت تغييرات جوهرية في موازين القوى العالمية، وفي تأسيس هياكلها المختصة في فض النزاعات، ببناء “عصبة الأمم” نتيجة “إتفاقية فرساي” في عام 1919، وتقاسمت الدولتان العظميان في تلك الفترة؛ بريطانيا وفرنسا، مكتسباتهما من الدولة العثمانية التي إنهزمت، وذلك من خلال “مؤتمر سايكس – بيكو”.
وبإندلاع الحرب العالمية الثانية في قلب أوروبا نتج تراجع مكانة وقوة كل من إمبريالية بريطانيا وإمبريالية فرنسا، وحلت محلهما قوتان عظميان؛ هما الإمبريالية الأمريكية البربرية والاتحاد السوفياتي السابق، ومن خلال “مؤتمر يالطا” جرى تقاسم مناطق النفوذ بينهما بشكل رئيسي، وتأسيس “منظمة الأمم المتحدة” بديلاً لـ”عصبة الأمم”، وإعطاء الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية؛ وهي الإمبريالية الأمريكية البربرية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا والصين، سلطات مرتبطة بها حصراً (حق النقض) في مجلس الأمن الدولي، الذي من مهامه الرئيسية حفظ السلم والأمن الدوليين.
فلقد أدى تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق في بداية تسعينيات القرن العشرين، نشير إلى ذلك أن الذي إنهار كان تجربة غنية بكل ما فيها من إنجازات.. وإخفاقات، وأن مستقبل البشرية لن يكون خاضعاً لطغيان الإمبريالية الأمريكية البربرية وحلفائها المتوحشين ، بل لآمال الشعوب بالتحرر.. والسلم.. والأمن.. والعدالة.. والاشتراكية. فحالة الهيمنة والإستباحة ، التي خلقتها إنهيارات التسعينيات من القرن العشرين، جعلت المنتصر يعتقد بأبدية انتصاره واستدامة مشروعه، وهذا ما حاول فرضه من خلال صوغ العالم وفق مصالحه وتوجهاته الإستعمارية، فالشعوب في مهب الجوع والفقر والإستبداد وثقافة الإباحية، مسيطر عليها من منظومة رأس المال المتوحش المدعومة بأساطيلها وطائراتها وحروبها، وما تضمره من شر وعدوانية من أجل السيطرة على العالم وإخضاعه لسيطرتها وقوتها بكل الوسائل! . وبعد تفكك وإنهيار الاتحاد السوفياتي إلى ترك المسرح الدولي مفتوحاً لهيمنة القوى الإمبريالية وعلى رأسها الأفعى الولايات المتحدة الأمريكية، ” أم الإستعمار” الحديث ونقصد بالحديث للفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فهي راعية الإرهاب العالمي ونزعة الهيمنة والسيطرة الذي فقد الإنسانية والأخلاق واستهدف تدمير وقتل شعوب لا تسير في فلكهم، وإما أسطوانة الديمقراطية وحقوق الإنسان هما كلمتين أساءت الإمبريالية الأمريكية البربرية إستخدامها مراراً وتكراراً، كستار دخان يخفي ورائه قتل الآلاف بل ملايين من البشر في العالم ، بكلمات مختصرة هي عدوة البشرية. ومن ثم انتهاء الحرب الباردة بين القطبين تلك الحرب التي لعبت دوراً في إحداث نوع من التوازن داخل مجلس الأمن بين الكبار، قد مكن الإمبريالية الأمريكية التي تقوم بدور النازية الجديدة من فرض هيمنتها الكاملة على مجلس الأمن، والتصرف في المنظمة الدولية كأحد الإدارات الملحقة بالخارجية الأمريكية، من خلال السيطرة على مجلس الأمن، وتوظيفه في خدمة مصالح الإمبريالية الأمريكية البربرية وحلفائها، وتأكيد هيمنتها على النظام الدولي وتكريس زعامتها للعالم (1).
وهو ما سمح للإمبريالية الأمريكية البربرية أن تنفلت من كل المعايير والأخلاق، وهي تسخر مجلس الأمن لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها السائرة في فلك الأفعى الأميركي ، في غياب أي موقف جدي من الدول الدائمة العضوية الأخرى يواجه الغطرسة والهيمنة والإخضاع الأمريكي، ومن ثم فإن إنفراد الإمبريالية الأمريكية البربرية بالتصرف باسم الشرعية الدولية شكل ويشكل إرهاباً وتعدياً على الأمم المتحدة ومجلس أمنها ومؤشراً بائساً على مصداقية تلك المنظمة.
حالة إنفراد الأفعى الإمبريالية الأمريكية البربرية كقطب وحيد، محملة بغطرسة القوة والإرهاب ، جعلت المجرم الحرب بوش يضغط مراراً على مجلس الأمن مستفيداً من حالة إنعدام الوزن بالنسبة إلى روسيا الاتحادية وارثة الاتحاد السوفياتي السابق، من أجل تبني سلسلة قرارات لم يسبق لها مثيل، أدت إلى ضمانة الصلاحية لأي دولة بناء على تقديرها الإنفرادي المطلق، أن تستعمل “كل الوسائل الضرورية” لتنفيذ تلك القرارات.
ومن أجل ضمان الحصول على الأصوات اللازمة في مجلس الأمن، دفع المجرم الحرب بوش مليارات الدولارات كرشاوي، وهدد بالأنتقام الاقتصادي وتنفيذه، وبطرق أخرى حصل على أصوات بواسطة الغش والفساد (2).
ولا عجب والحال هذه أن يرى وزیر خارجية بلجيكا على ضوء هذا المشهد الدولي “أن الأمم المتحدة جثة هامدة بعد أن فقدت كل دور لها أمام القوة الأمريكية ” كما يؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد هيئة ضبط وتنظيم، وبعض الدول تستخدمها عندما يناسبها”(3).
فقد جرى إستخدام مجلس الأمن مطية لتنفيذ السياسة الأمريكية البربرية، فشهد مجلس الأمن خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، نشاطاً غير معهود من قبل، في خدمة السياسة والأهداف الأمريكية في ظل ولادة تلك المرحلة “النظام العالمي الجديد” وهو حسب قول المجرم الحرب المقبور بوش الأب ، لينضم إلى نفس الجوقة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذي قال “لقد جاءت ساعة مملكة القانون الدولي”(4) ولنا أن نلغي عقولنا والوقائع الملموسة على مدار كل تلك الفترة الزمنية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي ونصدق المجرم الحرب المقبور بوش الأب والرئيس ميتران.
ففي ظل مملكة القانون تلك التي جرى التبشير بها، وفي ظل النظام العالمي الجديد، والتفرد والهيمنة الغربية تصرف مجلس الأمن كوكيل لأفعى الإمبريالية الأمريكية البربرية ، وبدت تلك الشرعية واضحة في مضمونها وتفاصيلها في القرارات التي تبناها ضد العراق.
ومن ثم لم تشهد الأمم المتحدة نشاطاً مكثفاً طوال ما يقارب الأربعة عقود ونيف التي سبقت إنهيار الاتحاد السوفياتي، مثل الذي جرى منذ تفردت الدول الامبريالية بمصادر سفينة العالم مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، فكان أن أصدر مجلس الأمن خلال عامين قرارات تعادل ما أصدره في العشرين عاماً الأولى من تأسيسه، وهو ما أرضى المجرم الحرب المقبور جورج بوش الأب الذي خطب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول تشرين الأول 1990 قائلاً : “لأول مرة بدا مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة يتصرف بالطريقة المفترض أن يمارسها”5).
وتلك الطريقة التي أرادها المجرم الحرب المقبور جورج بوش الأب هي التي حركت طاحونة الحرب والدمار ضد العراق إحتراماً لقرارات مجلس الأمن، في حين أن الكيان الصهيوني العنصري قد انتهك عرض القانون الدولي والشرعية الدولية عشرات المرات دون أن يفرض عليه إحترام أي قرار من قرارات مجلس الأمن.
وهكذا تمخضت الظروف الدولية عن ولادة نظام عالمي جديد يدعى أن شرعيته تقوم على الالتزام بتطبيق القانون الدولي، وهو القانون الذي يفرضه مجلس الأمن الذي بقي راقداً في سبات عميق طيلة الحرب الباردة، ليصبح بعدها ذراع العدالة المزودة بيد من خمسة أصابع هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن (6)، ومع ذلك إذا ما جارى استعراض عدد مرات إستخدام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لحق (الفيتو) خلال عقد من الزمن لأدركنا أن مجلس أمن تريده الإمبريالية الأمريكية البربرية وحلفائها الغربيين المتوحشين .فالإمبريالية الأمريكية البربرية صاحبة السجل الأسود مند نشوئها على جماجم الهنود الحمر لم تكن تلتزم بالقوانين بل كانت ولا زالت تفبرك الأسباب لشن الحروب على الشعوب والدول المستقلة .
ففي الفترة الممتدة من 1970 وحتى أيار 1990، تم إستخدام حق (الفيتو) من الدول دائمة العضوية 116 مرة، كان نصيب الإمبريالية الأمريكية البربرية وحلفاؤها 105 مرات، بينما إستخدم الاتحاد السوفياتي آنذاك ذلك الامتياز عشر مرات، فيما إستخدمت الصين ذلك الامتياز مرة واحدة (7).
وهو ما تحقق لها بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي، الذي ترك إنهياره الساحة الدولية مفتوحة على مصارعيها لهيمنة القوى الغربية، وعلى رأسها الأفعى الإمبريالية الأمريكية التي تقوم بدور النازية الجديدة ، التي نصبت نفسها شرطيا دوليا على سلوك الدول الأعضاء في النادي الدولية دون ممانعة من أحد.
المصادر
1-د. محمد شومان، الأمم المتحدة والنظام الدولي الجديد، الطبعة الأولى 1992، صفحة 107.
2-فرانسيس بويل، مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية الأمريكية، الطبعة الأولى 1993، صفحة 17
3-د. محمود صالح العادلي، مصدر سبق ذكره، صفحة21.
4- المصدر السابق، صفحة 37.
5- نفس المصدر، صفحة 34
6- باتريك هيرمان، مصدر سبق ذكره، صفحة34-50.
7-ويكيبيديا “الموسوعة الحرة” شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”.