مقدمة
تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشت في عالمنا العربي، والإرهاب ظاهرة راهنة وإن كانت تعود إلى الماضي، لكن خطورتها أصبحت شديدة في ظل العولمة، ولها تجاذبات داخلية وخارجية، عربية وإقليمية ودولية، لأن الإرهاب أصبح عالميا وهو موجود في مجتمعات متعددة ولا ينحصر في دين أو دولة أو أمة أو شعب أو ثقافة أو هوية أو منطقة جغرافية، وإن اختلفت الأسباب باختلاف الظروف والأوضاع، لكنه لا يقبل الآخر ولا يعترف بالتـنوع، ويسعى إلى فرض الرأي بالقـوة والعنف والتسيُد. لم تعد ظاهرة الإرهاب تقتصر على جماعات محدودة، بل إن تهديدها وصل إلى أساسات الدولة والهوية وتحديدا في مجتمعاتنا التي غالبا ما تلجأ إلى العنف في حل الخلافات. الأمر الذي يحتاج إلى حوار فكري وثقافي ليس بين الشرق والغرب بل بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. وإذا كانت منطقتنا العربية وشعوبنا الأكثر اتهاما بالتطرف والإرهاب فإنها الأكثر تضررا منه، بيد أنها دفعت الثمن وبشكل كبير من هذه الظاهرة. ثم أن الظاهرة أصبحت ترتبط بعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية وتكنولوجية أفرزتها التطورات السريعة المتلاحقة في العصر الحديث، فقد شهدت السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين تصاعدا ملحوظا في العمليات الإرهابية والحد منه، خاصة بعد اعتماد هذه الظاهرة على الأجهزة التقنية والمعدات الحديثة واستغلالها في تنفيذ الجرائم الإرهابية. ورغم استفحال الظاهرة وازدياد الاهتمام بها، إلا لم يتم التوصل إلى تعريف محدد لعناصرها وخصائصها وسماتها المميزة، ورغم المحاولات العديدة في هذا الشأن، حيث أنه من الملاحظ رواج مفهوم الإرهاب بالمعنى العام دون تحديد تعريف جامع مانع له. لقد أدت إشكالية غياب تعريف محدود ومتفق عليه عن الإرهاب إلى افتقاد العديد من قوانين مكافحة الإرهاب للفعالية، مما يبقى الباب مفتوحا لكل الدول لكي تضع لنفسها التعريف الأكثر ملائمة لمصلحتها السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية بعيدة عن أي صيغة متفق عليها. ولكن يبقى موضوع الإرهاب محور صراع مرير بين بلدان العالم الثالث والبلدان الغربية.
أهداف البحث
تهدف الدراسة بصفة عامة في إيجاد تعريف دقيق وموحد لظاهرة الإرهاب، ومعرفة الأسباب والدوافع لظاهرة الإرهاب، وكذلك بيان الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب سواء عن طريق المنظمات الإقليمية والدولية، أو عن طريق الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية، ووضع السبل الكفيلة والحلول الناجعة للقضاء على هذه الظاهرة المدمرة. إن القضاء على ظاهرة الإرهاب بمختلف أشكالها وصورها وأساليبها المتنوعة، أمرا مربوط في المقام الأول بالوقوف على الأسباب والدوافع الكامنة ورائه، إلى جانب تحديد أهم وأبرز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة، الأمر الذي يُعد سبابا مهما لدفع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية إلى العمل بكل ما أوتيت من قدرات وإمكانات لمحاربة هذا المرض اللعين. أن التعاون العربي لمكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف في الوطن العربي لم يتمكن حتى الآن من الارتقاء الى مستوى التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكلها ظاهرة الإرهاب والتطرف التي تجتاح المنطقة العربية منذ عدة سنوات مما يجعل المنطقة مرشحة لمزيد من التدخلات الأجنبية بحجة مكافحة الإرهاب. ورغم كل المساعي وجهود المجتمع الدولي لقمع الأعمال الإرهابية والحد من تناميها إلا أن اختلاف الرؤى والمصالح السياسية والاقتصادية للدول انعكس سلبا على فعالية مكافحة الظاهرة والحد من تنامي مخاطرها، ما يسمح بالقول إن غياب تعريف دقيق وموحد للإرهاب هو نتاج هذا الاختلاف الذي يعيشه المجتمع الدولي اليوم.
مشكلة البحث
لقد أصبح الإرهاب أكبر التحديات وأخطرها والتي تواجه الحكومات الساعية إلى الاستقرار الوطني والإقليمي والدولي على حدٍ سواء، فهو عقبة رئيسة أمام تنمية وتطور الشعوب، لذا فقد أدركت الدول والمنظمات الدولية مدى ما يشكله الإرهاب من خطر واضح منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وقد كرست كافة الدول والمنظمات الدولية الجهد الكبير من أجل التعاون فيما بينها من أجل محاربة ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة البحث فيما يقف وراء هذه الظاهرة، والآثار والتداعيات التي تترتب على ظاهرة الإرهاب بأشكاله وصوره المختلفة.
منهجية البحث
اعتمدت في البحث على المنهج الوصفي والذي يقوم على دراسة الواقع قد تفيد القائمين على التعامل مع ظاهرة الإرهاب، الأمر الذي يؤدي إلى محاصرة ظاهرة الإرهاب بكل أشكالها وصورها، ووضعها تحت السيطرة ومن ثمّ الحد من تداعياتها وأثارها المختلفة.
حدود البحث
تمت معالجة هذا الموضوع في إطار حدود مكانية وأخرى زمنية، فالحدود المكانية تمثلت بأن الإرهاب له تجاذبات داخلية وخارجية، عربية وإقليمية ودولية وصولا إلى أن أصبح التطرف حالة كونية. أما الحدود الزمنية تعود إلى نشأة ظاهرة الإرهاب في العالم وازدياد ظهورها في ظل العولمة.
أهمية البحث
إزاء خطورة هذه الظاهرة وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وآثار، كان من الضروري على الباحثين والمهتمين بأبحاث العنف على وجه العموم، وأبحاث الإرهاب على وجه الخصوص أن يكرسوا جهودهم من أجل إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، توضيحا لطبيعتها وتأصيلا لجذورها، وتنقيبا عن روافدها وبحثا عن دوافعها ومثيراتها، تحليلا لأسبابها للوقوف على مكامن الخطر، سعيا للعلاج واتخاذ ما يلزم للحد من خطورتها، أو بالأحرى القضاء عليها، وإذا كانت المؤسسات البحثية في معظم الدول الغربية قد قطعت شوطا كبيرا في هذا المضمار، فإن الساحة العلمية العربية لا تزال خالية من الأبحاث والدراسات العلمية والقانونية الدقيقة، التي تتناول هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل والتقويم، باستثناء بعض الدراسات التي تعتبر محاولات قليلة ظهرت في الآونة الأخيرة لتمثل تطورا ملموسا في اتجاه البحث العلمي العربي لهذه الظاهرة.
فروض البحث
استندت الدراسة إلى عدة معطيات واقعية وفكرية في تفسير ظاهرة الإرهاب والسعي لمعالجة هذه الظاهرة ضمن إطار فكري وسياسي وهي: –
1.التمييز بين الإرهاب وبين العنف السياسي.
2. المواجهة الإسلامية للإرهاب، حيث أن الإسلام يحارب الإرهاب بقوة وحزم.
3. تناول ظاهرة الإرهاب بمختلف مظاهره ومستوياته والمتمثلة، بالإرهاب الفردي، وإرهاب الدولة، والإرهاب الدولي، الإرهاب الثوري، الإرهاب العرقي والطائفي، الإرهاب النفسي وأخيرا الإرهاب الفكري.
خطة البحث
تتكون خطة البحث عن ظاهرة الإرهاب فصلين، الفصل الأول يتضمن مبحثان، الأول بعنوان تعريف ظاهرة الإرهاب وسيتضمن مطلبين، المطلب الأول هو، تعريف ظاهرة الإرهاب لغويا واصطلاحيا، والمطلب الثاني، سنتطرق فيه إلى ظاهرة الإرهاب وتطورها. أما المبحث الثاني يتضمن مطلبين، الأول، يتحدث عن أشكال الإرهاب، والمطلب الثاني سنتطرق فيه إلى الخصائص المميزة للإرهاب. وبخصوص الفصل الثاني سنتناول فيه موضوع يتعلق بأسباب الإرهاب وأهدافه وطرق مكافحته، ويتضمن من مبحثين، المبحث الأول سنتطرق فيه عن أسباب ظاهرة الإرهاب وفيه مطلبان، الأول، يتحدث عن دوافع ظاهرة الإرهاب، والمطلب الثاني، سنتطرق فيه إلى أبرز دوافع الإرهاب في الوطن العربي. وبخصوص المبحث الثاني سيكون عن الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب وطرق مكافحتها، وفيه مطلبين، الأول سيكون عن الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب، أما المطلب الثاني، سنتناول في استراتيجية مكافحة الإرهاب، وسيكون عن دور المنظمات الدولية والإقليمية لمكافحة ظاهرة الإرهاب، بالإضافة إلى والدور العربي لمكافحة هذه الظاهرة.
الفصل الأول
مفهوم الإرهاب الدولي ونشأته
المبحث الأول
تعريف ظاهرة الإرهاب الدولي
سنتناول في هذا المبحث مطلبين:
المطلب الأول: تعريف ظاهرة الإرهاب لغويا واصطلاحيا.
المطلب الثاني: نشأة ظاهرة الإرهاب وتطورها.
المطلب الأول
تعريف ظاهرة الإرهاب لغويا واصطلاحيا
بالرغم من قدم ظاهرة الإرهاب، إلا أنه لم يوجد اتفاق حول مفهومها، سواء على المستوى الأكاديمي أو على مستوى العمل الدولي. وهذا يرجع إلى اختلاف البنى الثقافية والعوامل الأيديولوجية والنظرية التفسيرية المتصلة بالمصطلح، بمعنى أنه ما يعد عملا إرهابيا من وجهة نظر دولة معينة أو مجتمع معين، ليس بالضرورة أن يكون عملا إرهابيا من وجهة نظر دول أخرى أو مجتمع آخر. وقبل التطرق إلى تعريف الإرهاب لا من التعرف على المعنى اللغوي لكلمة الإرهاب وهو” إخافة الغير، والإرهابيون وصف يُطلق عل الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسة عادة”().
وجاء تعريف الإرهاب في اللغة والاصطلاح هو” كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”().
فالإرهاب ﻤن اﻟﻨﺎﺤﻴﺔ اﻟﻠﻐوﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻨﺠدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺒﻴﺔ ﻤﺄﺨوذة ﻤن اﻟﻔﻌﻝ اﻟﻤﺎﻀﻲ رﻫب ﺒﺎﻟﻛﺴرة واﻟﻔﻌﻝ اﻟﻤﻀﺎرع ﻴرﻫب رﻫﺒﺎ وﺘﻌﻨﻲ اﻟﺨوف ﻤﻊ ﺘﺤرز واضطراب ().
أما من الناحية القانونية فقد عُرف الإرهاب ” بأنه أﺴﻠوب ﻤن أﺴﺎﻟﻴب الصراع ﻴﻘﺼد ﻤن ورائه اﺴﺘﺨدام ﺼورة ﻤن ﺼور اﻟﻘﺘﺎﻝ ﻏﻴر اﻟﻤﺒﺎﺸر ﺒﻬدف تحييد ﺤرﻛﺔ أو إرباك وإذعان الحكومة لمطالب أو جهة معينة ولفت انتباه وسائل لحشد الرأي العام حول قضايا تلك الفئة في سبيل تحقيق مطالبهم، فعبر ممارسة الإرهاب ﺴﺘﻨﺸﻐﻝ وﺘﻨﻘﻝ وﺴﺎﺌﻝ اﻹﻋﻼم ﻫذﻩ اﻟﻤﻤﺎرﺴﺎت وﻫو اﻷﻤر اﻟذي ﻴﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ الإرهابيون ﻟﻠﻀﻐط ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻛوﻤﺔ ﻟﺘﻨﻔﻴذ ﻤطﺎﻟﺒﻬم، وفي الوقت ﻨﻔﺴﻪ ﺤﺸد الرأي اﻟﻌﺎم ﺤوﻝ ﻗﻀﺎﻴﺎﻫم ﻟﻛﺴب ﺘﺄﻴﻴدﻫم وﺘﻌﺎطﻔﻬم”().
المحاولات الفقهية في تعريف الإرهاب:
الإرهاب في الفقه العربية:
حاول الكثير من الفقهاء إيراد بعض التعريفات للإرهاب فقد عُرف” بأنه أستيراتيجية عنف محرم دوليا تحفزها بواعث عقائدية (أيديولوجية)، وتتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة في مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو القيام بدعاية لمطلب أو لمنظمة بغض النظر إنه كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم أو نيابة عنهم، أم نيابة عن دولة من الدول”().
الإرهاب في الفقه الغربي:
لقد وردت بعض المحاولات الفقهية الغربية في تعريف الإرهاب كانت محصلتها بالقول “إن الإرهاب عنف فكري مخطط له، وذلك من خلال استخدام القوة لتحقيق أهداف معينة”().
إلا إن الملاحظ على أغلب الاتفاقيات الدولية التي عُقدت بصدد محاربة الإرهاب بشتى صوره وأنواعه جاءت دون تحديد متفق عليه لتعريف الإرهاب، إذ لا يوجد لحد الآن إجماع دولي على هذه المسألة، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى العامل السياسي والأيديولوجي، حيث أثار مفهوم الإرهاب الكثير من الجدل والخلاف بسبب ما أحاط تحديد هذا المفهوم من اعتبارات سياسية ونظرات مصلحيه. فعلى المستوى الدولي نجد أن أول وثيقة تضمنت تعريفا للإرهاب كانت اتفاقية جنيف لقمع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937م، حيث عُرف الإرهاب على أنه” كل الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما، أو يقصد بها خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الناس”().
وقد عرفت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في المادة الأولى منها والصادرة عن الاجتماع المشترك لوزراء الداخلية ووزراء العدل المنعقد بالقاهرة في 22 أبريل 1998م على أنه” كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”().
وقد عرف بعض المختصين الإرهاب” بأنه ليس مجرد عمليات مثيرة وإنما نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي، وهو استخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات من أجل التأثير على القرار السياسي لغيرها”().
وهناك رأي أخر لبعض الفقهاء في تعريف الإرهاب هو” كل استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير مشروع يتسبب في حالة من الخوف أو الرعب بقصد تحقيق تأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد أو حتى المجتمع بأسره وصولا إلى هدف معين يسمى الفاعل وهو، الفرد أو الجماعة الإرهابية على تحقيقه. كما أن العمل الإرهابي يتكون من عناصر رئيسية لابد من توافرها مثل، استخدام أو تهديد باستخدام العنف على وجه غير مشروع أو غير مألوف ويقوم به أفراد أو مجموعة من الأفراد أو من الدولة ذاتها ويوجه ضد فرد أو مجموعة من الأفراد أو ضد المجتمع بأسره، ويهدف إلى خلق حالة من الرعب والفزع، ويبث رسالة ما ويخلق تأثير نفسي معين يسمح بالتأثير على المستهدفين من العمل الإرهابي، وعادة ما يتجاوز العمل الإرهابي حدود الهدف المباشر الذي لا يكون له أدنى علاقة بقضية الإرهابيين”().
أما في قانون العقوبات المصري فقد نصت المادة 86 منه في تعريفها للإرهاب على أنه” كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد به أو الترويج يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح”().
المطلب الثاني
نشأة ظاهرة الإرهاب وتطورها
عرفت المجتمعات ظاهرة الإرهاب منذ أمد بعيد، وتطورت مع تطور المجتمع ومع العلاقات الاجتماعية المختلفة، إلا أنه لم يكن بذات الخطورة التي هي عليها اليوم، حيث تطورت فعالية وخطورة الإرهاب حسب الحاجة، وتتدرج حسب الظروف مستخدمة علوم العصر بكفاءة عالية. إن من الإجحاف وصف الظاهرة زمنيا بالحديثة، فقد “عرفت المجتمعات كافة هذه الظاهرة ومارسته جميع الأنظمة عبر التاريخ، ومورس على الصعيد الداخلي ضمن المجتمع الواحد من السلطة الحاكمة، ضد الطبقات المحكومة أو من فئة كبيرة ضدّ فئة قليلة أو العكس، أو من فئة تسعى إلى مقاومة ظلم السلطة الحاكمة، وقد مورس على الصعيد الخارجي باعتداء الدول القوية على الشعوب الفقيرة، ناهيك عن تدخل الدول الأجنبية في الصراعات المحلية التي تنشب ضمن المجتمع الواحد، لا بل إن رقعة الإرهاب قد اتسعت لتشمل دولا ومجتمعات متعددة، وكانت دافعا للقول بالإرهاب الدولي، هذا الإرهاب الذي هو نوع من العنف يختلف عن الجرائم العادية، ويستخدم التقدم العلمي والتقني الحديث في سبيل نشر المقاصد والأهداف المباشرة وغير المباشرة من وراء العمل الإرهابي”().
التطور التاريخي لظاهرة الإرهاب:
أولا. الإرهاب في العصور القديمة:
حفلت العصور القديمة بنماذج مختلفة من الإرهاب، فكل أمة من الأمم كانت السلطة فيها تمارس الإرهاب بالطريقة التي تراها مناسبة لإحلال الأمن في البلاد والمحافظة على سلطتها. فقد عرف الإغريق الإرهاب، حيث كان الصراع في أثينا القديمة يتجاوز في كثير من الأحيان حدود المحاولات التي ميزت الحضارة الإغريقية، سواء تلك المحاولات التي تدور بين الفلاسفة أو المناقشات السياسية الحاصلة بين أفراد المجتمع. مما أدى هذا إلى صراع الطبقات، وكان الحكام يحرصون على سلامة أمن دولتهم، فكانوا يُجرمون الأعمال التي تمس بأمن البلاد ويعاقب مرتكبوها بالموت. أما في عصر الفراعنة فقد دلت البرديات في مصر القديمة على ممارسة إرهاب دموي بين أحزاب الكهنة بفعل الخلاف حول بعض الأفكار والمعتقدات السائدة آنذاك. أما الإرهاب عند الرومان فقد أتخذ صورة العنف سواء من قبل الحاكم ضد المحكومين أو العكس. ويعد التعذيب من أهم الأساليب الإرهابية التي استخدمها الرومان، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لجأ الإرهاب الروماني استخدام الوحوش الضارية لمصارعة الضحايا ().
ثانيا. الإرهاب في العصور الوسطى:
اﺳﺘﺨﺪم النبلاء ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻋﺼﺎﺑﺎت الإرهاب ﻟﻺﺧﻼل بالأمن ﺿﺪ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ ﻣﻦ النبلاء اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻦ ﻟﻬﻢ، ﺣﻴﺚ كانوا ﻳﻌﻴﺜﻮن فسادا في الإقطاعيات اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ النبلاء اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﻮن، كما كان العبيد ﻳﻐﺰون إﻗﻄﺎﻋﻴﺎت أﺳﻴﺎدهﻢ، وﻳﺸﻜﻠﻮن ﻋﺼﺎﺑﺎت للانتقام والقتل والسرقة وإشاعة الفوضى في أراضي أسيادهم. كما كانت هناك مجموعات من القراصنة يجوبون البحار ويهددون الملاحة البحرية وقد استخدمتهم الامبراطوريات الفرنسية والبريطانية والاسبانية ضد بعضهم بعضا في حرب غير معلنة في البحار. وهو ما يعد إرهابا دوليا في العصر الحديث، إضافة إلى ذلك فقد اتسمت القوانين المعمول بها في تلك العصور في الدول الأوربية بالوحشية والقسوة ().
ظهرت ملامح الإرهاب في المجتمع الغربي بشكل واضح عقب سقوط الإمبراطورية الرومانية، وظهور الإسلام الذي بدأ في الانتشار شرقا وغربا، فقد رفضت الشعوب الغربية الانصياع للحكم الإسلامي، وأنشأت ما يسمى بمحاكم التفتيش التي كانت تنعقد بغرض القضاء على الوافدين للشريعة الإسلامية، فتفشى الإرهاب بكافة أنواعه، حيث يؤكد ذلك خطاب البابا (أورياني الثاني)، الذي ألقاه في فرنسا سنة 1905م، والذي كان سبب في قيام الحروب الصليبية حيث قال” أمضوا وأديروا أسلحتكم التي كنتم تستعملوها ضد أخوانكم، ووجهوها ضد أعدائكم أعداء المسيحية، إنكم تظلمون الأيتام والأرامل، وتتورطون في القتل والاغتصاب، وتنهبون الشعب في الطرق العامة وتقبلون الرشاوى وتريقون الدماء، أمضوا إذن وقاتلوا أعدائكم الذين استولوا على مدينة القدس، حاربوا تحت راية المسيح”(). وقد ارتكب هؤلاء كافة أصناف الترهيب وأشكال الإرهاب في الاستيلاء على القدس بالقتل والحرق والتدمير ضد المسلمين خاصة عن طريق محاكم التفتيش. أما في المجتمع الإسلامي فلم تسلم شعوب الشرق هي الأخرى من الجماعات الإرهابية والاعتداءات الإرهابية، فقد انتشرت الحركات الإرهابية بهدف تشويه الإسلام والمسلمين ومحاولة القضاء عليه ().
ثالثا. الإرهاب في العصر الحديث:
اﺗﺴﻢ الإرهاب ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺘﻄﻮر الأيديولوجيات والآليات اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ اﻟﻌﻤﻞ الإرهابي واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت الإرهابية ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء، وتحديدا ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم. أن أبرز معالم الإرهاب في العصر الحديث تكون على مرحلتين، المرحلة الأولى، الإرهاب ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمرحلة الثانية، الإرهاب في العصر الراهن.
أ. الإرهاب ما بعد الحرب العالمية الثانية:
ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻇﻬﺮ الإرهاب ﺑﺼﻮرة مغايرة للصور السابقة حيث” أصبح لا يعترف بالحدود من خلال الاستفادة مما قدمه التطور العلمي الهائل في شتى الميادين من إعلام ووسائل اتصالات سهلت مهمة هذه الفئة في تصدير هذه الجريمة خارج حدودها وأصبح هذا الإرهاب إرهابا عابرا للقارات بمعنى الكلمة. بيد أن هذه الفترة اﻟﻤﻤﺘﺪة إﻟﻰ وقتنا هذا شهدت تطورا جذريا في الإرهاب سواء من حيث أساليبه أم أشكاله أم سانديه أم منطلقاته. ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى هناك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ المتغيرات اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺪاﺛﺔ الإرهاب ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺘﻐﻴﺮات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻇﻬﻮر ﻗﻮى إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة وﻇﻬﻮر حركات الانفصال”().
لقد اﺗﺨﺬ الإرهاب في هذه الفترة أبعادا ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﺪوﻟﻲ ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻧﺘﺸﺎرﻩ اﻟﻮاﺳﻊ وﻣﺴﺎﻧﺪة ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻟﻪ واﺗﻬﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺑﺪﻋﻢ الإرهاب، أم ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻤﻠﺤﻮظ ﻟﻠﺘﺠﻤﻌﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ والإقليمية ﻣﻜﺎﻓﺤﺘﻪ، ﻓﻌﻠﻰ إﺛﺮ اﻧﻬﻴﺎر الأنظمة اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ (الفاشية والنازية)،اﻟﺘﻲ كانت ﺗﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪا خطيرا ليس فقط على الصعيد الإنساني، ولكن كذلك بالنسبة للتوجهات الأساسية السياسية في الدفاع عن الدولة، ﺣﻴﺚ ﻇﻬﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت الإرهابية ﺷﺪﻳﺪة الخطورة متناقضة الاتجاهات في الدولة الواحدة().
ب. الإرهاب في العصر الراهن:
ﻻ ﺷﻚ أن الإرهاب أﺻﺒﺢ ﻓﻲ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﺿﺮ أكثر اﻟﺠﺮاﺋﻢ رعبا، ﺧﺎﺻﺔ أن ﺗﻠﻚ الظاهرة ﻻ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﺤﺪود وﻻ ﺗﺘﻘﻴﺪ ﺑﺠﻨﺴﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ أو ﺟﻨﺲ أو ﺳﻦ أو اﻧﺘﻤﺎء ﻣﺤﺪد، لأن اﻟﻈﺎهﺮة الإرهابية ﺑﺤﺪ ذاﺗﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ نوعا ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب ﺑﻴﻦ الدول واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت وﺧﻄﻮرﺗﻬﺎ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ ﺑﻼ أي ﻗﻮاعد أو قوانين أو قيود تنظمها، وهذا ما دفع بعض الفقهاء إلى اعتبار الإرهاب أصبح يمثل كحرب بديلة عن الحروب التقليدية. من جهة أخرى تتسم الظاهرة الإرهابية بوجه عام في هذا العصر باستخدام التقدم العلمي الهائل في وسائل الإعلام من قبل الجماعات الإرهابية التي تنقل وسائل الإعلام عملياتها عبر الأقمار الصناعية، وهذا ما يمكن بعض الجماعات الإرهابية الهامشية أن تعلن قضيتها وأهدافها إلى الحكومات والدول. بحيث بات الإرهاب اليوم ليس موجها ضد دولة معينة، بل يستهدف النظام الدولي بأكمله. إذ أن الإرهاب بمدلوله الحديث يقوم على خلق حالة من الرعب والخوف لدى الآخرين ().
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ الراهن ﻗﺪ ﻓﺸﻞ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻓﻲ إﻳﺠﺎد ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻤﻔﻬﻮم الإرهاب ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺘﻀﺎرب ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪول اﻟﻤﺆﺛﺮة وازدواﺟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ،وذﻟﻚ ﻳﻌﺰى داﺋًﻤا إﻟﻰ ارﺗﺒﺎط ﻣﻮﺿﻮع الإرهاب اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ” إﻻ أن هناك أجماعا دوليا حول بعض اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﻲ تشكل إرهابا واﺗﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺷﺠﺒﻬﺎ وﻣﻜﺎﻓﺤﺘﻬﺎ لأنها ﺗﻬﺪد اﻟﺴﻠﻢ والأمن اﻟﺪوﻟﻴﻴﻦ، وﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل والأعمال اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻤﺜﻞ أﺷﻜﺎﻻ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل الإرهاب ﺧﻄﻒ اﻟﻄﺎﺋﺮات وﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﻘﺮﺻﻨﺔ اﻟﺠﻮﻳﺔ واﺧﺘﻄﺎف الرهائن واﻏﺘﻴﺎل الدبلوماسيين والشخصيات المحمية دوليا وﺗﻔﺠﻴﺮ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ووﺿﻊ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ المواصلات واﻏﺘﻴﺎل اﻟﻤﻠﻮك واﻟﺮؤﺳﺎء ورؤﺳﺎء اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻟﻮزراء والمسئولين اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﻴﻦ وكذلك اﻟﻬﺠﻮم ﻋﻠﻰ المدنيين اﻟﻌﺰل ﻣﻦ السلاح، ووﺿﻊ اﻟﻤﺘﻔﺠﺮات ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺪ ووﺳﺎﺋﻞ الاتصال”().
المبحث الثاني
أشكال الإرهاب
يتناول هذا المبحث مطلبين:
المطلب الأول: أشكال الإرهاب
المطلب الثاني: الخصائص المميزة للإرهاب
المطلب الأول
أشكال الإرهاب
يتخذ الإرهاب صور وأشكال، منها ما حرمها القانون الدول ومنها ما حرمها القانون الداخلي. وقد وجدت عدة معايير في تحديد هذه الأشكال، منها معيار شكل العمل الإرهابي، فقد يكون عمل مباشر، أو غير مباشر، جزئي أو عمل شامل، أو قد يكون العمل الإرهابي فردي أو جماعي، بالإضافة إلى معيار نطاق العمل الإرهابي.
أولا. إرهاب الدولة:
يطلق عليه أحيانا بالإرهاب الرسمي المنظم، الذي يعني استخدام الحكومة في دولة ما لدرجة عالية من العنف ضد المدنيين من المواطنين من أجل إضعاف أو تدمير إرادة الشعب في المقاومة أو الرفض، أو ضد جماعات أو دولة أ دول أخرى. وغالبا ما ينفذ هذا النوع من الإرهاب عن طريق العملاء المنشقين أو عناصر المخابرات أو التدخل العسكري أو غير ذلك من الوسائل الأخرى. ويصنف هذا الشكل من الإرهاب إلى إرهاب الدولة الداخلي وإرهاب الدولة الخارجي ().
ثانيا. الإرهاب الفكري:
يمثل أخطر أنواع الإرهاب، وهو بطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة، وبالحلم، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يوميا هو، بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة. وبالإمكان القول إن هذا النوع من الإرهاب الفكري هو استخفاف بعقولنا” فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتفجير والتخريب والتدمير والاعتقال والإذلال والظلم تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النفس. والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة. وهو ظاهرة عالمية ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفرادا كانوا أم جماعات، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى، والويل لمن تسول له نفسه الخروج عن الخط المرسوم له”().
ثالثا. إرهاب الإفراد والجماعات:
هذا النوع من الإرهاب كان متواجدا مند العصور الغابرة ويأخذ شكلان” شكل همجي ومذموم، لأن هدفه النهب والقرصنة والاعتداء على الأموال والأشخاص، فهو يعكس صورة الإنسان في صورته الطبيعية المتوحشة، من هنا برزت أهمية السلطة والهدف من تواجدها، أي تحقيق العدل والحفاظ على الملكية الخاصة وحقوق الأفراد، أما الشكل الثاني فهو عنف مشروع ضد الظلم والتسلط ومن بين أهم العوامل المنتجة له في الماضي وفي المرحلة الراهنة، طبعا مع اختلاف السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، والمرحلة التي وصل إليها نضج الحضارة الإنسانية، طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة. الجدير بالذكر فإن التأطير الإيديولوجي وتعبئة الأفراد والجماعات، وشحنهم عاطفيا للقيام بالفعل الإرهابي السياسي منه كان مند القدم، واعتناقه. وقد تفسر دواعي هذا الإرهاب السياسي على أنه رد فعل اتجاه الإقصاء والتهميش والفقر والقمع، وقد يتضمن أهدافا انفصالية نظرا لما قد تتأثر به من مواقف قومية متطرفة”().
رابعا. الإرهاب الاجتماعي:
ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻭﻉ من الإرهاب ﻴﺴﺘﻬﺩﻑ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺇﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﺃﻭ مذهب ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻲ أو ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻴﺘﻌﻠﻕ بالتنظيم الاجتماعي والاقتصادي ﻓﻲ ﺒﻠﺩ ﻤﻌﻴﻥ، ﺃﻭ ﺤﺘﻰ ﺨﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻠﺩ، كالإرهاب ﺒﻬﺩﻑ ﻨﺸﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻔﻭﻀﻭﻴﺔ، ﻭﻤﺎ ﻴﺸﺎﺒﻬﻬﻤﺎ ﻭﻴﻁﻠﻕ ﺍﻟﺒﻌﺽ ﻋﻠﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨـﻭﻉ من الإرهاب، بالإرهاب ﺍﻟﺜﻭﺭﻱ. ﻓﻬﻭ ﻴﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺤﺩﺍﺙ ﺘﻐﻴﺭﺍﺕ ﺃﺴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺠﺫﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﺴﻠﻁﺔ ﻭﺍﻟثروة ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻴﻌﻤﻠﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ الاجتماعي ﺍﻟﻘﺎﺌﻡ ().
خامسا. الإرهاب العرقي أو الانفصالي:
ﺘﻌﻭﺩ ﺃﺴﺒﺎﺏ ﻫﺫا النوع من الإرهاب ﺇﻟﻰ ﻋﻭﺍﻤل أثينية ﻭﺠﻐﺭﺍﻓﻴﺔ، ﻓﺘﻁﺎﻟﺏ ﻓﺌﺔ ﻋﺭﻗﻴﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﺘﻘﻁﻥ ﻤﻨﻁﻘـﺔ ﺠﻐﺭﺍﻓﻴﺔ ﻤﺤﺩﺩﺓ بالانفصال ﻋﻥ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺭﻜﺯﻴﺔ، ﻟﺘﻘﻴﻡ ﻜﻴﺎﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘل، ﻭﻤﻥ ﺜﻤﺔ ﺘﻭﺠﻪ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﻌﺭﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻭﻤﻴﺔ ﺃﻨﺸﻁﺘﻬﺎ الإرهابية ﻀﺩ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﻭﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺘﺒﺭﻫﺎ ﻤﺴﺅﻭﻟﺔ ﻋﻥ حرمانها من إقامة ﻜﻴﺎﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﻭﻤﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘل ﻤﻥ ﺠﻬﺔ، ﻭﻀﺩ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻭﻨﻴﻥ ﻤﻥ ﺃﺒﻨﺎﺀ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻭﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺭﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻭﻤﻴـﺔ ﻤﻊ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺩﻭل ﻤﻥ ﺠﻬﺔ أخرى. ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﻤﻥ الإرهاب ﻴﺘﻤﻴﺯ ﺒﺎﻟﻌﻨﻑ ﺍﻟﺩﻤﻭﻱ وبالاستمرارية ﻭﺒﺎﻟﻁﺎﺒﻊ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﺃﻱ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺍﻤﺘﺩﺍﺩ ﺒﻴﻥ ﻓﺌﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻌﺒﺭ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻴﻌﻤل ﺒﺎﺴﻤﻬﺎ، ﻜﻤﺎ ﺃﻨﻪ ﻴﻌﺘﻤﺩ بشكل كلي على ﺘﺄﻴﻴﺩ ﻗﻁﺎﻋﺎﺕ ﻋﺭﻴﻀﺔ ﻤﻥ ﺃﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺭﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻭﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻌﻰ ﻟﺘﺤﻘﻴﻕ ﺃﻫﺩﺍﻓﻬا الانفصالية ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﻤﻥ الإرهاب ﺘﺤﻜﻤﻪ ﻭﺤﺩﺓ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜل ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻕ ﻜﻴﺎﻥ ﻗﻭﻤﻲ ﻤﺴﺘﻘل ().
سادسا. الإرهاب السياسي:
ﺇﻥ ﺍﻟﻬﺩﻑ الرئيسي لموضوع الإرهاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻫﻭ ﺍﻟﺴﻴﻁﺭة، ﻟﻜﻥ ﻻ ﺘﻜﻔﻲ ﺍﻟﺴﻴﻁﺭﺓ ﻭﺤﺩﻫﺎ ﻟﺘﺤﺩﻴﺩ الإرهاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، ﺒل ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﺴـﺘﻬﺩﻑ ﻫـﺫﺍ ﺍﻷﺨﻴـﺭ ﺍﻟﺭﻭﺍﺒﻁ الاجتماعية ﻤﻥ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻓﺈﺫﺍ ﻤﺎ ﺃﻫﻤﻠﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺭﻭﺍﺒﻁ ﺃﻭ ﺍﻓﺘﻘﺩﺕ سوف ﻨﻜﻭﻥ ﺃﻤﺎﻡ ﺇﺭﻫﺎﺏ ﻟـﻴﺱ ﺴﻴﺎﺴيا.
ومن هذا المنطلق، ﻴﻅﻬﺭ ﺃﻥ الإرهاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻻ ﻴﺴﻌﻰ ﻓﻘﻁ ﺇﻟﻰ ﻀﺭﺏ الأشخاص البعيدين وزرع ﺍﻟﺭﻫﺒﺔ ﻓﻲ ﻨﻔﻭﺴﻬﻡ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺼﻔﺘﻬﻡ ﺍﻟﻔﺭﺩﻴﺔ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ، بل ﻴﺴﻌﻰ ﺃﻴﻀﺎ ﺇﻟﻰ ﻀﺭﺏ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴـﺎﺕ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺼﻔﺘﻬﺎ ﺍﻹﺩﺍﺭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺩﺩﺓ، ﺒﻘﺩﺭ ﻤﺎ ﻴﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﻀـﺭﺏ ﻤـﺎ ﻴﻤﺜﻠـﻪ الأشخاص ﻭﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ الاجتماعي ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ().
المطلب الثاني
الخصائص المميزة للإرهاب
تنفرد ظاهرة الإرهاب بخواص نوعية تجعلها تتميز عن باقي الظواهر الإجرامية الأخرى المشكلة لها، وسنعرض بعض هذه الخصائص.
أولا. استخدام القوة والعنف:
إن استخدام العنف أو التهديد به يكون مصاحبا لأغلب العمليات الإرهابية بغرض السيطرة ونشر الرعب لدى الجماهير، وقد لا يكون استخدام القوة والعنف ظاهرا في العمل الإرهابي، كالإرهاب الالكتروني ().
ثانيا. التنظيم المتصل بالعنف:
إن العنف في النشاط الإرهابي لايمكن أن يحدث أثره إلا إذا كان منظما من خلال حملة إرهابية مستمرة ونشاط متسق يؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار والرعب، وبالتالي يصل إلى غايته ().
ثالثا. الهدف السياسي للإرهاب:
أن ما يميز العمل الإرهابي عن الجريمة المنظمة أنه يسعى لتحقيق أهداف سياسية وليس تحقيق مكاسب مادية، فالواقع أن الإرهاب يستهدف النظام الحاكم والقرار السياسي، مما يُعطيه قدرة من الأهمية والخطورة على حد سواء، فهو يحاول الضغط على متخذي القرارات السياسية بغية تحقيق المطالب السياسية للجماعة الإرهابية.
رابعا. عدم استهداف الضحية:
غالبا ما تكون ضحايا الإرهاب غير مستهدفين شخصيا، إنما جاءت الأقدار لتضعهم في هذا الموقف، لاسيما أن المهم لدى مرتكب العمل الإرهابي رد الفعل الذي يعكسه هذا العمل الإرهابي في خلق حالة من الرعب والخوف.
خامسا. عدم التقيد بالحدود الإقليمية:
أتسم العمل الإرهابي في العصر الحديث بأنه ليس لديه حدود معينة، بمعنى أنه لا يتقيد بالحدود الإقليمية للدولة، فقد ترتكب عملية إرهابية في أراضي دولة معينة ضد مصالح دولة أخرى، ويكون ضحاياه من رعايا عدة دول، أو قد يكون المخططون في دولة غير الدولة مسرح العملية.
سادسا. الإرهاب يمثل جريمة ضد الإنسانية:
ينطوي الإرهاب على القتل والإبادة الجماعية ().
سابعا. السرية والتعقيد:
الواقع أن الإرهاب أصبح نشاط بالغ التعقيد تديره منظمات سرية على قدر عال من التنظيم والتدريب والتسليح والمعرفة الفنية، بل والأخطر من ذلك أنه قد يدار الإرهاب من قبل أجهزة الاستخبارات في بعض الدول كأحد أسباب الصراع على الساحة الدولية.
ثامنا. الإرهاب سلاح الضعفاء:
يعتبر الإرهاب سلاح الضعفاء الذين لا يملكون عناصر القوة التقليدية لتحقيق أهدافهم. وقد يكون الإرهاب سلاح تستخدمه دولة أو قوة إقليمية أو عالمية لتحقيق أغراض سياسية ضد دولة أو قوة إقليمية أو عالمية أخرى، حيث لا تستطيع استخدام القوة العسكرية التقليدية أحيانا لأسباب معينة، وقد يكون السبب تفوق الدولة الأخرى عليها من الناحية العسكرية، وهذا ما يجعل الإرهاب وسيلة أو أسلوب أو سلاحا في نطاق الصراع الداخلي أو الدولي. ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن الخلط بين استخدام الإرهاب بواسطة الدول في العلاقات الدولية وبين دكتاتورية الدولة أو أعمالها غير المشروعة في التعامل مع خصوم النظام السياسي في الداخل ().
ومن خصائص الإرهاب أيضا، الخروج على إجماع المجتمع ، وهو ما يعبر عنه بالأغلبية، وبخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تجنح الجـماعات الإرهابية إلى مخالفة ما عليه إجماع عموم الناس من أهل الحل والعقد وغيرهم من العلماء وأهل المكانة، مثل بعض حالات الغلو والتشدد والتطرف في الرأي، الذي قد يجبر صاحبه على تكفير أعضاء المجتمع أو قيادته استنادا إلى أدلة مغلوطة وتأويلات خاطئة، أو تفسيرات مغرضة ليس لها في الدين الصحيح أي دليل أو سند، وليس لها من وسطية الإسلام وتشريعاته السمحة القويمة من القرآن والسنة أي حظ أو نصيب، وربما يذهب بعضهم إلى إصدار فتاوى بجواز القتل لأعضاء الدولة ورجال الأمن والقيادات الاجتماعية، بالإضافة إلى استخدام الوسائل التي تؤدي بطبيعتها إلى إحداث حالة من الدمار الشامل أو القتل البشع حتى يتغلغل الرعب في نفوس المقصودين().
الفصل الثاني
أسباب الإرهاب وأهدافه وطرق مكافحته
سنتناول في هذا الفصل مبحثين:
المبحث الأول: أسباب ظاهرة الإرهاب. ويتناول مطلبان
المطلب الأول: دوافع ظاهرة الإرهاب.
المطلب الثاني: أبرز دوافع الإرهاب في الوطن العربي.
المبحث الثاني: الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب وطرق مكافحته.
وسنتطرق في هذا المبحث إلى مطلبين وهما:
المطلب الأول: الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب.
المطلب الثاني: نحو استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
المبحث الأول
أسباب ظاهرة الإرهاب
المطلب الأول
دوافع ظاهرة الإرهاب
أولا. الأسباب المباشرة
1.الدوافع السياسية:
يرى بعض الفقهاء أن الحالة التي آلت إليها الأوضاع الدولية على المستوى السياسي وفرت البيئة الملائمة لبروز ظاهرة الإرهاب. فكان لسقوط الشيوعية كتحالف عسكري، وانتهاء الحرب الباردة وتسيد الولايات المتحدة الأمريكية المشهد السياسي العالمي، وانفرادها بالقرار الدولي أحدى أهم الدوافع السياسية لبروز ظاهرة الإرهاب. وقد أدى انهيار الأيديولوجيات القديمة والبحث عن أيديولوجيات جديدة إلى تنامي الحركات الإرهابية، بالإضافة إلى الموقف المنحاز للنظام العالمي الجديد ضد القضايا الإنسانية وخاصة في دول العالم الثالث. لقد كان لعجز مجلس الأمن الدولي من اتخاذ موقف قانوني مؤيد لقضايا الشعوب المقهورة، والوقوف في ضد ما يحدث من انتهاكات لبعض الفئات على مستوى العالم وفي مختلف المناطق، مما يبرر استخدام العنف من جانب هذه الفئات للدفاع عن وجودها إزاء حملات الإبادة التي تتعرض لها. ومن الأسباب السياسية الأخرى لظاهرة الإرهاب هي، الصراعات العرقية في مختلف المناطق، والتي تأخذ الطابع المسلح، بالإضافة إلى عجز الشعوب عن الحصول على استقلالها وحقها حتى الآن في تقرير مصيرها رغم القرارات الدولية والتي تجمع على حقها في التمتع باستقلالها والحرية على أراضيها، الأمر الذي يدفع حركات التحرر الوطني إلى القيام ببعض العمليات خارج حدود دولتها ضد مصالح الدول المستعمرة. وقد استخدم الإرهاب كبديل عن الحرب التقليدية، بوصفه أسرع تأثيرا، وأقل تكلفة للحصول على مكاسب وامتيازات سياسية على المستوى الدولي. ويعتبر عدم الانضباط في احترام القوانين الدولية والتسيب الدولي أحد أهم الدوافع والأسباب السياسية لأتساع ظاهرة الإرهاب، فهو الذي يفتح المجال واسعا أمام إخطبوط الإرهاب الدولي الذي يجمع في صفوفه بين القتلة والمجرمين والمرتزقة والمأجورين وغيرهم من المغرر بهم دينيا وسياسيا أو عقائديا، وتشجيعهم على التمادي في احتقار القانون الدولي ().
2. الدوافع الاقتصادية:
يؤثر العامل الاقتصادي غالبا على كم الإرهاب والإجرام أو نوعية الجرائم المرتكبة، حيث تتعدد مظاهر العامل الاقتصادي ذات الصلة بحركة الإجرام في المجتمع، كالتوزيع الطبقي للمجتمع، ودور التقلبات الاقتصادية، كالفقر والكساد والبطالة. لقد ذهبت بعض النظريات إلى الربط بين الجريمة والنظام الاقتصادي الرأسمالي، فاعتبرت الجريمة منتجا رأسماليا، أما الرأي الآخر فيربط بين بعض الظروف والظواهر الاقتصادية وبين حركة الإجرام بصفة عامة، بحيث تتضافر كل هذه الظروف مع غيرها من العوامل الأخرى لوقوع الجريمة. فالجريمة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بوجود الإنسان، بيد أنه لم ينجح بعد أي نظام اقتصادي في القضاء على جميع أشكال الإجرام، ومن ثم فإن العوامل الاقتصادية هي عوامل مساعدة جدا لبروز ظاهرة الإرهاب، ولعل تغييب الحق في المساواة الاقتصادية والمادية بين طبقات وفئات المجتمع الواحد، والذي يولد ظاهرة الفقر والبطالة، وغياب عدالة توزيع الثروات الاقتصادية، من الأسباب الأكثر أهمية في اللجوء إلى العمليات الإرهابية. وتمثل ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ الاقتصادية ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ، والمراكز ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ، وتجميد الأرصدة والأنشطة الاستثمارية، ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ بالاستيلاء ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ، ﻭﺍﻟﻄﺎﻗـﺔ بحجة المغالاة في الأسعار وحمايتها من المخاطر الإرهابية، ﻭﺿـﻤﺎﻥ ﺗـﺪﻓﻘﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻮﺭﺩﻳﻦ ﺗﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ما هو إلا دافع آخر من الدوافع الاقتصادية للإرهاب.
3. الدوافع الاجتماعية والثقافية:
وتتمثل هذه في حالة التنوع والانسجام الثقافي في المجتمع، فكلما كان هناك درجة عالية من الانصهار الثقافي والحضاري في المجتمع، كلما قلت درجة الميول الإرهابية بسبب سيادة الهوية العامة، الثقافة، الشخصية العامة في المجتمع، وهذا بدوره يُنشئ نظاما سياسيا مركزيا، بحيث يسهل الوصول إلى الإجماع حول القضايا السياسية. أما في المجتمع ألتعددي، فغالبا ما تسيطر عليه عمليات الاضطهاد الاجتماعي والعرقي، بالإضافة إلى مسألة الأثينية أو التنوع العرقي تلعب دورا كبيرا في دفع الجماعات المسيطرة إلى اللجوء نحو العنف أو التمييز العنصري في أكثر الحالات، كما أن التعصب لمبدأ فكري أو أيديولوجي معين يولد حالات من العنف الطائفي والفئوية ().
4. الدوافع الدينية:
يعتبر كل من الدين واﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻤﺬﻫﺐ ﻣﻦ أهم العوامل المؤثرة في حياة الأفراد، أن ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻊ ولادة الإنسان ويكبر ﻣﻌﻪ وﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻮﻓﺎﺗﻪ، وﻣﺜﻞ ﻫﺬه العلاقة بين الإنسان ودﻳﻨﻪ ﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﻤﺪي تمسك الإنسان بتعاليم بدينه، وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﻒ درﺟﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻷﻛﺜﺮ اﻟﺘﺰاﻣﺎ والأقل، وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻔﺴﺮ وﻗﻮع اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب ولاسيما الأهلية ﻣﻨﻬﺎ ﻷﺳﺒﺎب دﻳﻨﻴﺔ أو ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ. بدون أدنى شك أن اﻟﻐﻠﻮ في اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻄﺎﺋﻒ والمذهبي ﻳﺆدي إلى الإرهاب. ويرى الباحثون أن اﻟﺤﻞ لهذه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ هو، في الدور المهم والأساسي ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ في ﺗﻮﺻﻴﻞ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء في اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ أو ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻧﺪوات ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واﻟﻤﺪارس ووﺿﻊ رﻗﺎﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﻠﻲ اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ وذﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻧﻼﺣﻆ ﻣﻦ ﻓﺘﺄوي دﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ، ﻣﻊ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﺪراﺳﻴﺔ في اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪارس ووﺿﻊ ﻣﺎدة ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ الإسلامية ﻛﻤﺎدة ﻋﺎﻣﺔ في اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ().
5. الدوافع الإعلامية:
ﺳﺎﻫﻤﺖ اﻟﺜﻮرة الإعلامية اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ في اﻟﻌﺎﻟﻢ في ﻧﺸﺮ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺘﻄﺮف، حيث يعتمد المتطرفون في ﺗﺤﻘﻴﻖ أهدافهم على ﻧﺸﺮ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ تعمل من أجلها وﻃﺮﺣﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﻌﺎﻟمي واﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻲ دﻋﻤﻬﺎ وﺗﺄﻳﻴﺪﻫﺎ لقضية ما. فقد ترى إحدى المنظمات الثورية أن هناك تجاهلا في الرأي العام لقضيتها فتلجأ إلى تنفيذ بعض العمليات الإرهابية اﻟﻤﺜﻴﺮة، ﺑﻘﺼﺪ ﻟﻔﺖ اﻻﻧﺘﺒﺎه اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ إﻟﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻨﺎﻫﺎ وتدافع عنها، وخلق نوع من التعاطف مع من يدافعون عنها وإﺟﺒﺎر اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻟﺪول على الاعتراف ﺑﻌﺪاﻟﺘﻬﺎ وشرعيتها والاهتمام بها ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮي اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. فبات من المهم جدا ﻣﺤﺎرﺑﺔ ﻫﺬا اﻹﻋﻼم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ وﺿﻊ رﻗﺎﺑﺔ على ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ وإﺑﺮام اﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺪول اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻤﻨﻊ ﺑﺚ اﻟﻘﻨﻮات الفضائية التي تحرض وتنشر الأخبار الكاذبة والخاطئة ().
6. الدافع القومي:
يمثل الدافع القومي سببا آخر للممارسة الإرهاب ﻓــﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﻀم أﻛﺜر ﻤن ﻗوﻤﻴﺔ واﺤـدة، فحين تسيطر قومية ما على باقي القوميات الأخرى عبر إدارتها لأمور البلد ومنح المكاسب والامتيازات وحصرها بإتباع قوميتها على حساب الآخر، مثل هذا الأمر من شأنه يولد حالة من الاستياء والشعور بالإقصاء المتعمد، ونتيجة لذلك ينشأ ما يُعرف بالصراع القومي المستتر داخل أطياف المجتمع الواحد، خاصة إذا شعرت قومية ما بأنها لا تتمتع بكامل حقوقها وحرياتها الأساسية، مما يدفعها إلى انتهاج طريق العنف وممارسة الإرهاب، حينما يتعذر عليها الحصول على تلك الحقوق بالطرق السلمية لانعدام الحوار الديمقراطي البناء الذي يزيد من حدة الفوارق ما بين القوميات أكثر فأكثر، فلا يبقى أمامها سوى ممارسة الإرهاب لتحقيق ما تصبو إليه، فحتى الدول الديمقراطية نجدها تعاني أيضا من عملية التمييز القومي داخل مجتمعاتها والتي كادت في كثير من الأحيان أن تؤدي إلى انفصالها عن الدولة المركزية لتقيم لنفسها دولة مستقلة بذاتها من أجل التمتع بكل حقوقها().
7. الدافع النفسي:
مع التقدم في مجال الاتصالات والمعلومات والمواصلات بفضل الثورة التكنولوجية الحديثة، نجد أن هذا التقدم ساهم إلى حد كبير في إذكاء العنف والتشجيع على ممارسة الإرهاب. عبر نقل ونشر وسائل التكنولوجيا المتطورة لكل ما يجري من ممارسات إرهابية في بلدان مختلفة من العالم، وعملية النقل هذه أثرت كثيرا على عقول الأشخاص وتفكيرهم، خصوصا لدى الأفراد الذين يمتازون بضعف النفس والغريزة العدوانية والرغبة للظهور والحصول على الشهرة. ومع انعدام فرص العمل وتردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم المشكلات الاجتماعية التي تواجهها المجتمعات المختلفة خاصة فئة الشباب التي لا تجد سبيلا لتحقيق طموحاتها وتطلعاتها المستقبلية، فتقع ضحية أولئك الأشخاص وتعمل على العبث بعقولهم وعواطفهم لاستمالتهم وإقناعهم بعمليات إرهابية ضد المجتمع والدولة على السواء، ﻋﻠﻰ أساس أﻨﻬﺎ اﻟوﺴﻴﻠﺔ الوحيدة للتعبير عن رﻓﻀﻬم ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﻤرﻴر اﻟذﻴن ﻴﻌﻴﺸون ﻓﻴﻪ، من جهة أخرى” أن ظهور الأفكار والقيم السلوكية الجديدة في ظل العولمة وانتشارها وتبنيها من قبل المجتمعات الأخرى بشكل أعمى مما أفقد القيم الروحية والأخلاقية القديمة أهميتها ومكانتها خاصة بعد انهيار الأدوار الأسرية الأساسية والتنشئة الاجتماعية والتربية والتوجيه والتوعية لجيل الشباب”(). هذه السلوكيات الجديدة نجدها قد أفقدت الفرد والمجتمع الجانب القيمي والخلقي السوي والتوازن العقلاني في التفكير عند مواجهته للمشاكل والتحديات اليومية التي يواجهها ().
المطلب الثاني
أبرز دوافع الإرهاب في الوطن العربي
رغم انتشار ظاهرة الإرهاب في مختلف المناطق على مستوى العالم، إلا أن هناك ربطا بين الإرهاب والحركات الإسلامية المتطرفة بصفة خاصة، استنادا إلى مجمل الأعمال الإرهابية التي تشهدها البيئة الدولية، والتي تصدر عن تنظيمات وفصائل وجماعات تنسب نفسها إلى الإسلام، وقد وجدت المنظمات والجماعات المتطرفة طريقها إلى المنطقة في إطار المخططات الرامية عبر تأجيج الصراعات الطائفية والأيديولوجية والعرقية وبث الفتن بين أفراد المجتمع. في هذا السياق تشهد بعض من الدول العربية في الوقت الراهن تحديا رئيسيا لأمنها القومي يتمثل في انتشار هذه الظاهرة، والتي تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار تلك الدول والعمل على تهديد مواطنيها ومؤسساتها وإجهاد أجهزتها الأمنية وقواتها المسلحة تمهيدا لإسقاط الدولة ودخولها ضمن زمرة الدول الفاشلة. ولقد برز جليا دور التنظيمات المتطرفة والإرهابية في التغيرات التي طرأت على العديد من الأنظمة السياسية بالمنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة.
نشأة جريمة الإرهاب في الوطن العربي:
بالعودة إلى تاريخ الإرهاب نجده قديم، قدم الوجود البشري على سطح الأرض، فالدول العربية كغيرها عرفت ظاهرة الإرهاب عبر مختلف العصور والأزمنة التي مرت عليها. ولعل أكبر تطور لهذه الظاهرة عرفته المنطقة هو أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، وما تبعه من تداعيات لمواجهة جريمة الإرهاب واعتبار المسلمين والعرب أول المتهمين بالأعمال الإرهابية. ﻛﻣﺎ ﻋرف اﻟوﺳط اﻟﻌرﺑﻲ ﺗﺣولا ﻛﺑﯾر جراء اﻟﺣرﻛﺎت الاحتجاجية أو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ مطالبة بالحرية والديمقراطية عام 2011م، اﻷﻣر اﻟذي ﺗﺳﺑب ﻓﻲ إﺳﻘﺎط ﺑﻌض الأنظمة السياسية، فاتسعت الفجوة بين الشعب والسلطة وانتشرت الفوضى، ﻫذا اﻟوﺿﻊ كان قد استغلته الجماعات الإرهابية للتوغل أﻛﺛر ﻓﻲ ﻗﻠب الأمة العربية وﻓرض ﺳﯾطرﺗﻬﺎ وﻧﺷر ﺛﻘﺎﻓﺗﻬا، وﻫو ما انعكس سلبا على سياسات هذه الدول بصفة عامة والأفراد والأبرياء بصفة خاصة.
أسباب جريمة الإرهاب في الوطن العربي:
أولا. الأسباب السياسية:
أن معظم العمليات الإرهابية في الوطن العربي تكمن وراء دافع سياسي، مثل أعمال العنف والإرهاب من أجل الحصول على حق تقرير المصير، أو توجيه الرأي العالمي أو لممارسة ضغط على دولة ما. وﯾﺣدث الإرهاب ﻛذﻟك نتيجة للتحول السياسي مثلما ﺣدث ﻓﻲ أﻏﻠب اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ، ﺣﯾث أن أغلب التحولات الديمقراطية عرفت عنفا منظما، كما في الجزائر وليبيا وسوريا، وهذا كان نتيجة لعدة أسباب أولهما، حرمان الأحزاب السياسية وأﻏﻠب ﻣﻣﺛﻠﻲ اﻟﺷﻌب ﻣن ﺣرﯾﺔ الاعتراف بها، والسبب الثاني، غياب اﻟﺣوار اﻟوطﻧﻲ وعدم وجود ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣدﻧﻲ ﯾﺷﺎرك ﻓﻲ ﺗوﺟﯾﻪ القضايا السياسية المصيرية للأمة. كما يمكن أن ترتبط الأسباب السياسية في التدخل الخارجي كما حدث في العراق. وﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﻘول أن اﻟﺑﺎﻋث السياسي ﯾﻌد ﺳﺑﺑﺎ رئيسيا ﻓﻲ ظﻬور الإرهاب وانتشاره، وﺗوﺳﻊ ﻧﺷﺎطﻪ ().
ثانيا. الأسباب الاقتصادية:
ﻣﻊ اﻟﺗطور اﻟذي ﺷﻬدﻩ اﻟﻌﺎﻟم وظﻬور ﻣﺎ ﯾﺳمى بالعولمة أصبحت ﻣﻌظم دول اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻟث تابعة وإن لم نقل خاضعة اقتصاديا لدول العالم الغربي الرائدة في هذا المجال، محققة بذلك المساعي التي جاءت بها العولمة” واﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية وغيرها من الآليات الأخرى التي شجعت خصوصية القطاعات، الأمر الذي أدى إلى غياب التكافؤ بين أفراد المجتمع الواحد، فاغتنى الغني أكثر وأفتقر الفقير وانتشرت البطالة وغيرها من الآفات السلبية التي ساعدت على ظهور الإرهاب وتوسع نشاطاته وأعماله”().
والمجتمع العربي كغيره تأثر بهذا التطور، مما أدى إلى” تدهور النظام الاقتصادي في معظم الدول العربية، وظهور بعض الطبقات التي عرفت ثراء فاحشا من خلال اختلاس أموال الخزينة العمومية والاستيلاء على الاقتصاد القومي، في حين تعيش طبقة أخرى من المجتمع حالة البطالة وأزمة السكن وانتشار كل أنواع الفساد الاقتصادي ().
من هنا يتبين لنا أن العامل الاقتصادي” يؤثر بشكل مباشر على انتشار جرائم الإرهاب، حيث يرتبط هذا العامل بانتشار الجريمة في المجتمعات بسبب التوزيع الطبقي للمجتمع الصناعي والتقلبات التي يعرفها الاقتصاد، مما جعل المساواة في توزيع الثروات الاقتصادية غائبة تماما، الشيء الذي يساعد على قيام العمليات الإرهابية بغرض الاحتجاج والاعتراض على الوضع السائد”().
ثالثا. الأسباب الاجتماعية:
ﺗُﻌد اﻷﺳﺑﺎب الاجتماعية أحد العوامل الرئيسة لظهور الإرهاب وانتشاره، وذلك عائد إلى الدور الذي يلعبه المجتمع، وكيفية نشأة أفراده وتربيتهم وتوفير كافة احتياجاتهم، ولكن عند غياب العدالة الاجتماعية في المجتمعات والتي تعتبر من أهم ركائزه التي يقوم عليها السلم والأمن تبرز هذه الظاهرة بصورة كبيرة. وبالعودة إلى المجتمعات العربية نجدها مليئة بالتغييرات الاجتماعية، والتي ساعدت وبشكل كبير إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب وتفشيها. ولعل من بين أهم الأسباب الاجتماعية زيادة نسبة البطالة بين الشباب الذين كانوا هدفا سهلا للجماعات الإرهابية والمتطرفة التي أقنعتهم بالانضمام إليها وبكل سهولة. ﻛﻣﺎ أن ﺗﺷوﻩ اﻟﺑﻧﺎء الاجتماعي واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻟﺷﻌوب اﻟوطن ا ﻟﻌرﺑﻲ ساهم في انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب وهروب الأدمغة، بالإضافة إلى تفاقم الجريمة والمشاكل الاجتماعية، وكذلك غياب البرامج الاجتماعية أو استغلالها من قبل فئات ليست بحاجة أليها. كل هذه الأوضاع زادت من تفاقم أوضاع الفئات المحرومة في معظم البلدان العربية، والتي هيئت لظهور جيل من الشباب الحاقد على المجتمع وعلى الدولة وعلى السلطة ().
رابعا. الأسباب الدينية:
يعتبر العامل الديني من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة ذات الفكر الديني المتطرف. لقد كان للفراغ الفكري والفهم الخاطئ للدين” هدفا سهلا للجماعات المتطرفة التي تقوم على تعبئة هذا الفراغ الفكري بما تشاء، ويعود السبب الرئيسي لهذا الفراغ الفكري إلى افتقار الحوار من قبل علماء الدين ومناقشتهم لهذه الأفكار المتطرفة ومحاولة القضاء عليها واستبدالها بأفكار بناءة توجه المجتمع وتفيد شبابه. ولعل من أهم الأسباب الدينية التي ساعدت في ظهور الجماعات المتطرفة، نجد التشدد والغلو في الدين الذي يكون نتيجة للفهم الخاطئ لمقاصد الدين والشريعة الإسلامية، والذي تغذيه عدة عوامل تساعد على انتشاره ونموه، من بينها استفزاز المشاعر الدينية لدى الشباب عن طريق تشويه الإسلام”().
المبحث الثاني
الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب وطرق مكافحته
وسنتطرق في هذا المبحث إلى مطلبين وهما:
المطلب الأول: الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب.
المطلب الثاني: نحو استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
المطلب الأول
الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب
نظرا ﻟﺗدﻫور اﻷوﺿﺎع ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ العربية نتيجة الحروب والحركات الانفصالية التي تعيشها الكثير من الدولة العربية، والتي لعب الإرهاب دورا كبيرا فيها، مما أثر على حياة الأفراد، وكذلك على استقرار الدول داخليا وخارجيا، سنتناول في هذا المطلب الآثار الناجمة عن جريمة الإرهاب.
أولا. الآثار التي يخلفها الإرهاب على الدولة والأفراد:
يعتبر الإرهاب من أهم الأسباب التي تهدد أمن واستقرار الدولة، فتطور وتقدم أي بلد يعتمد على استقرار أمنه الداخلي. ويؤثر الإرهاب على الدولة من عدة جوانب، ففي الجانب السياسي فهو يؤثر في العلاقات السياسية بين الدول. كما أن للإرهاب أثره الاجتماعي على الدولة، حيث تسعى الجماعات المتطرفة إلى أحداث الفتن والانشقاقات بين مختلف الفصائل والمذاهب الموجودة في تلك الدولة. لقد كان للأعمال الإرهابية” آثارها على الجميع، ولا تقتصر على من يقوم بها فقط، وقد كان للممارسات الإرهابية التي وقعت في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين تأثيرات سلبية كبيرة على مصالح المسلمين، والإضرار بمكانة المسلمين في العالم، هذا فضلا عن الخسائر في الأرواح والممتلكات. وهذه الأضرار لا تقتصر على الخسائر المادية، بل تشمل الخسائر المعنوية أيضا، وهذه الخسائر أكثر ضررا على المستوى البعيد من الخسائر المادية”(). يهدد الإرهاب أمن واستقرار الأفراد سواء على أرواحهم أو ممتلكاتهم. فالأعمال الإرهابية تحدث آثار سلبية مؤلمة على أفراد المجتمع، حيث تنتهك حقوقه بأبشع الطرق الإجرامية، كالحق في الحياة والأمن والاستقرار والسلام. لقد أدى انتشار الإرهاب وتزايد العمليات الإجرامية إلى اغتصاب الكثير من حقوق الأفراد الأساسية ().
ثانيا. الآثار التي تخلفها الحرب على الإرهاب:
ﻟﻘد أﻓرزت مكافحة الإرهاب انعكاسات ﺳﻠﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻋدة أصعدة، وأدت إﻟﻰ ﺧرق اﻟﻌدﯾد من ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ الوطن العربي، وهذا نتيجة للفهم الخاطئ الذي استقر عليه العالم العربي فيما يخص الإرهاب، مما أدى إلى ظهور فكرة الإرهاب الإسلاموي، ومن هذا المنطلق اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها إستراتيجية لمكافحة ظاهرة الإرهاب والتي أدت إلى خرق العديد قواعد القانون الدولي العام لاسيما في الوطن العربي. ومن بين الانعكاسات السلبية التي أفرزتها الحرب على الإرهاب كذلك انتهاك حقوق الإنسان، حيث أن الكثير من الدول سعت إلى إصدار قوانين تشمل نصوص مشددة وإجراءات غير مألوفة، مما يتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أدت مواجهات الظاهرة الإرهابية في العديد من الدول إلى انتهاك لحقوق الإنسان وأفرزت تداعيات سلبية على الحريات المدنية والتوسع في تطبيق عقوبة الإعدام والاعتقالات العشوائية. لقد أصبح الإرهاب اليوم” سلاحا تستخدمه بعض الدول كبديل للحرب التقليدية في صراعاتها نحو تحقيق مصالحها وأهدافها بغض النظر عن مشروعية الوسائل القانونية المستعملة لمكافحة الإرهاب. ولقد خرقت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها في حروبها على الإرهاب العديد من قواعد القانون الدولي وأهمها، خرق مبدأ السيادة، وخرق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”(). ويشير الواقع إلى زيادة انتهاك حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب مثل، زيادة المحاكمات العسكرية، والاعتقالات الطويلة والمعاملات القاسية أثناء استجواب المواطنين، ومصادرة الممتلكات، وإغلاق المحطات الفضائية والصحف وتجميد الحسابات المصرفية. وﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إلى أنه في الدول الغربية سنت قوانين لمكافحة الإرهاب حسب العرق والدين والأصل، بيد أن العالم الغربي قد شهد عاصفة من التمييز القانوني ضد الإسلام والمسلمين والعرب ().
ثالثا. الآثار الاقتصادية للإرهاب”
يجمع علماء الاقتصاد بصفة عامة والاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة إلى أن الإرهاب يؤدى إلى الخوف والفزع والقلق والخلل في آليات المعاملات الاقتصادية وهذا يقود إلى التخلف والحياة الضنك. وهذا ما نشاهده بعد كل عملية إرهابية حيث نجد خللا في أسواق النقد والمال والبورصات وارتفاع الأسعار وظهور السوق السوداء وهروب الاستثمار إلى الخارج وهذه الآثار جميعا تقود إلى خلل في آلية المعاملات الاقتصادية ومن ثم إلى إعاقة التنمية. إن التخريب في البنية الأساسية والتي تعتبر من مقومات التنمية بسبب العمليات الإرهابية يعتبر تدميرا للاقتصاد وتتطلب أموالا باهظة لإعادة بنائها وتعميرها وهذا كله على حساب الاستثمارات التنموية، كما أن التصدي للإرهاب ومحاربته يحتاج إلى نفقات وتكاليف باهظة كان من الممكن أن توجه إلى مشروعات تنموية فيما لو كانت الحياة آمنة مستقرة، بالإضافة إلى أن انتشار الخوف والرعب والحذر واليقظة بين الناس بسبب توقع حدوث عمليات إرهابية يقلل من الإنتاج ويضعف الإنتاجية ().
وقد خلصت بعض الدراسات إلى” أن أثر الإرهاب على الإنتاج في الاقتصاديات المتقدمة أقل بكثير بما هو الحال عليه الاقتصاديات النامية. فلو أدى الإرهاب إلى تعطيل أنشطة إنتاجية في قطاع واحد في اقتصاد متنوع يمكن أن تتدفق الموارد بسهولة إلى قطاع آخر لم يتضرر، ناهيك عن قدرة الاقتصاديات الغنية على تخصيص جزء من مواردها لمواجهة الإرهاب نظرا لامتلاكها قدر أكبر وأفضل من الموارد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى خفض الأنشطة الإرهابية، لكن هذا الأمر غير موجود في الاقتصاديات النامية والضعيفة ذات القطاعات الإنتاجية المحدودة، فالموارد يمكن أن تتدفق من قطاع متضرر إلى أنشطة أقل إنتاجية داخل البلد، كما أن الاقتصاديات النامية تفتقر إلى الموارد المتخصصة التي يمكن استخدامها في مكافحة الإرهاب، الأمر الذي سينعكس على المستثمرين والمنتجين ويخوفهم”().
رابعا. أثر الإرهاب على السياسة الدولية:
إن المتغيرات الحاصلة في حقل السياسة والعلاقات الدولية وتشكيل هياكل ذلك النظام الدولي الراهن قد تأثرت كثيرا بتلك التفاعلات والأنشطة الدولية الاستثنائية، والتي دفعت بعض دول العالم أن ترتبط بعلاقة صريحة ومباشرة مع بعض التنظيمات المتطرفة، التي تؤكد اتجاه هياكل بنائه ووحداته التقليدية إلى مسارات في التغيير بإقامة علاقات قائمة على أنشطة يبدو أنها خرجت بالفعل من دائرة المنطق والعقلانية وحتى المشروعية إلى دائرة الفوضى والاضطراب واللامشروعية الدولية. لقد ذهبت بعض الدول ومن أجل التخلص من عقدة الخوف والرغبة في عدم مواجهة هذه التنظيمات، أو لتفادي مزيدا من الخسائر إلى خيارات الهدنة أو حتى الابتعاد عن التدخل، فيما اتخذ النموذج الآخر شكل التعاون السري ،والدليل على ذلك هو استمرار تعاون بعض الدول الكبرى وحتى بعض الوحدات الدولية الصغيرة مع تلك التنظيمات الدولية بطرق مباشرة أو غير مباشرة منذ عقود طويلة وحتى الآن، حيث يجد المتتبع لتاريخ التنظيمات الإرهابية وعلاقاتها مع العديد من دول العالم الكثير من التناقضات بين الواقع على الأرض ولغة الخطاب السياسي المعلن في ما وراء الحرب على الإرهاب، بل والأخطر من ذلك هو تحول تلك العلاقة إلى علاقة تعاون وشراكة وتبادل للمصالح تستثمر لبقاء واستمرار أطرافها على رقعة الشطرنج الدولية، في وقت تتوسع فيه قوة تلك التنظيمات وتتزايد مخاطر انتشارها أو حتى تطور استراتيجياتها وأشكال بنائها التنظيمية().
لقد كان للأحداث الإرهابية في العالم” الأثر الكبير في تغيير استراتيجيات العلاقات الدولية بين الدول. وبعد أن كانت في معزل عن إقامة علاقات تصالح لأسباب سياسية فها هي تسعى مجددا لإعادة تلك العلاقات لهدف أو لآخر بشكل يكفل لها الحماية من أي اعتداء إرهابي قد يعرض لأمنها واستقرارها الدولي. لذا تبقى العلاقات الدولية مرهونة بالمصالح والسياسات المشتركة بعيدة عن أي علاقات أخرى لا تهدف إلى مصالحها في ظل وجود الصراعات المحيطة بها، لذلك يظل التصالح الدولي هو الأمن والحرية والسلام في إطار السياسات المشتركة بين دول العالم”().
المطلب الثاني
نحو إستراتيجية لمكافحة الإرهاب
لا تكفي ردود الفعل للقضاء على الإرهاب والتطرف، الأمر يحتاج إلى خطة طويلة الأمد واستراتيجية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية وتربوية، بهدف اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها وتجفيف منابعها الفكرية والسياسية والثقافية. وهذا يتطلب اعتماد القانون وتطبيق مبادئ المساواة والشراكة وعدم التمييز والعدالة، لاسيما العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى الحريات مثل، حرية التعبير، وحق التنظيم الحزبي والنقابي والمهني وحق الاعتقاد والحق في المشاركة في تولي المناصب العليا دون تمييز. إن الفكر المتطرف والتكفيري” يعتبر كل خلاف معه محرما وعليه إقصاءه وإلغائه واستئصاله، والإرهابي لا يؤمن بالحوار ويحاول أن يبسط سلطانه على محيطه بالقوة وبدلا من الإقناع يلتجأ إلى التفجير والمفخخات خارج أي اعتبار إنساني، حيث يسعى للوصول إلى هدفه بكل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، وقد تكون هذه الأخيرة مشروعة طالما يحاول أدلجة سلوكه وإعطاء نفسه مبررات قمع الآخر أو تصفيته، سواء كان ذلك بزعم الدخول إلى الجنة أو إبادة الخصم الكافر أو القضاء على المروق والإلحاد، أو مصلحة الحزب والثورة أو تحرير فلسطين أو مصالح الكادحين، أو غير ذلك من محاولات إخضاع الآخر”(). لقد دمر الإرهاب القائم على التطرف والتكفير علاقات المجتمعات مع بعضها، وأضر بعلاقات فئاتها وأديانها ومذاهبها وأفرادها، مثلما أشبع المجتمعات الدولية، ولكن الكارثة الأكبر هو السيطرة على عقول الشباب أفرادا وجماعات والعبث بها، خصوصا بزراعة الكراهية وتبرير العدوان وإيجاد الذرائع لإقصاء الآخرين واستسهال عمليات القتل والتفجير ().
ﻟﻘد اﺤﺘﻠت ظﺎﻫرة الإرهاب ﻤﺴﺎﺤﺔ واﺴﻌﺔ وﻤﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴد اﻟﻘﺎﻨوﻨﻲ ﻓﻲ أوروﺒﺎ ﻨظرا لأتساع ﺨطورة اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت الإرهابية واﻟﺘﻲ ﺘﻔﺎﻗﻤت ﻋﻠﻰ ﻤر اﻟﺴﻨوات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﻤﺎﻀﻴﺔ، وﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟذﻟك واﺠﻪ اﻟﺘﻨظﻴم اﻟﻘﺎﻨوﻨﻲ اﻟوطﻨﻲ اﻟﻛﺜﻴر ﻤن اﻟﺘﺤدﻴﺎت ﻋﻨد ﺼﻴﺎﻏﺘﻪ ﻟﻘواﻨﻴن ﻤﻛﺎﻓﺤﺔ الإرهاب، ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن وﺠود ظﺎﻫرة الإرهاب ﺒﺸﻛﻠﻪ اﻟﻤﻌﺎﺼر ﻓﻲ أوروﺒﺎ ﻤﻨذ ﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘرن اﻟﻤﺎﻀﻲ، إﻻ أن أﺤداث اﻟﺤﺎدي ﻋﺸر ﻤن ﺴﺒﺘﻤﺒر أﻟﻘت بظلالها ﻋﻠﻰ طﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﺸرﻴﻌﺎت اﻟﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ اﻟوطﻨﻴﺔ اﻟﺨﺎﺼﺔ ﺒﻤﻛﺎﻓﺤﺔ الإرهاب، والأخير ﺨﻠق إﺸﻛﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒﻴرة ﺘﻤﺜﻠت ﺒﻌدم ﻗدرة ﺘﻠك اﻟدوﻝ ﻟﻠﺘوﻓﻴق ﺒﻴن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺘطﺒﻴق ﺘﻠك اﻟﻘواﻨﻴن واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺤﻘوق الإنسان واحترامها وﺼﻴﺎﻨﺘﻬﺎ، ﻓﺎﻟدوﻝ اﻷوروﺒﻴﺔ ﻛدوﻝ ديمقراطية ﻴﺤق ﻟﻬﺎ اﺘﺨﺎذ ﺘداﺒﻴر وﻗﺎﺌﻴﺔ رادعة ﻟﺘﺤﻤﻲ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﻤن التهديدات الإرهابية والتي تمس مبادئها واستقرارها الأمني وفقا للقوانين الدستورية والدولية. ﻤﻊ ذﻟك ﻓإن ﻤﺴﺄﻟﺔ اﺘﺨﺎذ ﺘﻠك اﻟﺘداﺒﻴر ﻴﺠب إن ﺘﻛون ﻤﻘﻴدة ومراعية ﻟﻠﻤﻌﺎﻴﻴر اﻟدوﻟﻴﺔ اﻟﺨﺎﺼﺔ ﺒﺤﻤﺎﻴﺔ ﺤﻘوق الإنسان ().
دور المؤسسات الأهلية في مكافحة الإرهاب:
تعتمد أي إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على التنسيق بين الأجهزة الأمنية والاجتماعية وكل المواطنين، ويتعين تضافر جهود كل مؤسسات الدولة مع إشراك المواطنين في مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال دور المؤسسات الشعبية في مكافحة الإرهاب، حيث تسعى تلك المؤسسات لمساعدة الأفراد خاصة الطبقة المهمشة عل إدماجها ونشر الوعي وتوسيع نطاق الحريات وتقديم خدمات إنسانية واجتماعية، وعليه فهذه المؤسسات أكثر اتصالا بأفراد المجتمع وأكثر وعيا بحقوقهم مما يجعل لديها القدرة والمرونة الكبيرة في تحفيز الأفراد والجماعات للمشاركة في أعمالها التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب وتقصي الأفراد الممارسين للأعمال الإرهابية. كما أن مشاركة هذه المؤسسات في عملية مكافحة الإرهاب سوف يساعد على الحفاظ على التوازن بين الأمن الجماعي والحريات الفردية، وبهذا تعزز تماسك المجتمع. وتجدر الإشارة إلى دور الجمعيات الخيرية في مكافحة الإرهاب، حيث غالبا ما يشرف على هذه الجمعيات صفوة اجتماعية تقوم بتوفير الخدمات المالية والعينية للفقراء، وبالتالي فهي تبعد الجريمة على قطاع في المجتمع من السهل انجرافه نحو الإرهاب. كما تقوم المؤسسات الدينية بدور هام جدا في مكافحة الإرهاب من خلال الإفتاء والإرشاد والدعوة إلى الإسلام المعتدل والتصدي للفتاوى المضللة وإقامة الحجة على مخالفتها للشرع الإسلامي وبيان الآثار الخطيرة للإرهاب في المجتمع. إن الواقع يُشير إلى وجود وعي اجتماعي متزايد بدور القطاع غير الحكومي في مواجهة الإرهاب، وتناول العواقب المترتبة على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل أن في الوقت الحاضر أصبحت المؤسسات الأهلية تسهم بفعالية أكثر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالدول كافة. ومن المعتقد أن هذه المؤسسات تحرك وتنظم المواطنين للمساهمة الفعالة المباشرة وغير المباشرة في نهضة البلاد ().
دور مؤسسات الدولة الرسمية في مكافحة الإرهاب:
يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها الرسمية الدور الريادي في مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال وضع تشريعات متكاملة تجرم فيها الأعمال الإرهابية، ويرصد فيها عقوبات مشددة، حيث يجب على الدولة منع وقوع الجريمة الإرهابية أساسا، من خلال تحديث المؤسسات الأمنية وتطويرها عبر إنشاء جهاز متخصص في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى ضرورة تبني الدول لسياسة ثابتة ومعلنة، يتطلب الأمر فيها إلى توفير نظام فعال يرتقي بأسلوب الممارسة الأمنية ويوفق بين الأدوار المختلفة للأجهزة الأمنية، ودورها في حماية حقوق الإنسان حتى لو كان مجرما، واتخاذ كافة التدابير اللازمة بإعادة تأهيل السجناء بطريقة متوازنة بين إرضاء العدالة وبين دفاع المجتمع ضد الإجرام().
الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب:
في سياق الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب اتخذت الدول العربية بدورها العديد من الخطوات الإيجابية للحد من تنامي مخاطر الأعمال الإرهابية وسبل مكافحتها. وقد تبلورت أولى الجهود العربية الهادفة إلى مكافحة الإرهاب في الاستراتيجية الأمنية العربية المعتمدة من قبل وزراء الداخلية العرب سنة 1983م، التي نصت على ضرورة الحفاظ على أمن الوطن العربي وحمايته من الأعمال الإرهابية سواء الموجهة من الداخل أو الخارج، وتواصلت الجهود والمشاورات للوصول إلى اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب إلا أنها تعثرت خلال فترة التسعينيات بسبب ما يعرف بحرب الخليج. وبعد العديد من المشاورات وقع وزراء الداخلية العرب اتفاقية موحدة لمكافحة الإرهاب تحت ما يسمى الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب. ﻟﻘد تنامى خطر الإرهاب في الوطن العربي بوتيرة متسارعة ﻟدرﺟﺔ أﺻﺑﺢ ﯾﻬدد أﻣن واستقرار اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺷﻛل خاص وفي كل الجوانب، فوجدت الدول العربية نفسها أمام عدو مشترك أسمه الإرهاب، مما دفعها إلى وضع إستراتيجية فعالة هادفة لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال تعزيز التعاون فيما بينها بإبرام الاتفاقيات والمعاهدات واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الإرهاب. لقد كانت ثمرة هذه الجهود العربية، بعقد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1999م، وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي جاءت مكملة للأولى ().
كما كثفت دول مجلس تعاون الخليج العربي مساعيها رغبة في الوصول إلى إستراتيجية أمنية لمكافحة الإرهاب، حيث بعد العديد من المشاورات والاجتماعات أبرمت في عام 2004م، الاتفاقية الأمنية لمكافحة الإرهاب بهدف التعاون وتنسيق الجهود فيما بينها لمحاربة الإرهاب، فقد أكدت ديباجة الاتفاقية على التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالمبادئ الدينية والأخلاقية والتراث الحضاري والإنساني للمجتمع الدولي، والأمتين العربية والإسلامية وقيم وتقاليد المجتمع الخليجي، والتي تدعو جميعها إلى نبذ العنف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وتؤكد على أن الإرهاب لا يمكن تبريره بأي ظرف أو باعث أو غاية، وبالتالي يجب مكافحته بجميع أشكاله ومظاهره بغض النظر عن أساسه وأسبابه وأهدافه، وتأكيدا على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها().
دور المنظمات الدولية الإقليمية في مكافحة الإرهاب الدولي:
ﻣﻊ ﺗﺰاﻳﺪ ﻋﻤﻠﻴﺎت الإرهاب اﻟﺪوﻟﻲ اﻫﺘﻤﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ والإقليمية ﺑﻤﻨﺎﻗﺸﺘﻬﺎ ودراستها، وذلك للقضاء عليها أو التقليل من حدتها، فالمنظمات الدولية والإقليمية لها دور كبير في مكافحة الإرهاب. فقد اهتمت الأمم المتحدة بالبحث في ظاهرة الإرهاب، وذلك عندما ﺑﺪأت ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺧﻄﻒ اﻟﻄﺎﺋﺮات بإزدياد في ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت واﺣﺘﺠﺎز اﻟﻤﺒﻌﻮﺛﻴﻦ الدبلوماسيين، من خلال وﺿﻊ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻣﻨﺎﺳﺐ للإرهاب والأسباب اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﻟﻴﻪ وﻛﻴﻔﻴﺔ علاجه، وكذلك فإنها اهتمت بتشكيل اللجان اللازمة لإعداد اتفاقيات دولية منظمة في إطار التعاون الدولي لمنع وقوع بعض أشكال الإرهاب، بيد أن قبل أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، كان موضوع الإرهاب الدولي لم يشكل حيزا كبيرا في منظمة الأمم المتحدة، ولكن بعد هذه الأحداث ظهر موضوع الإرهاب الدولي وشغل حيزا كبيرا في مجلس الأمن. أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فكان لها هي الأخرى دور مهما في مكافحة الإرهاب، فقد صدر إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامس والعشرين عام 1970م، حيث تضمن واجب كل دولة بالامتناع عن تشجيع الإعمال الإرهابية على إقليم دولة أخرى، أو تقديم المساعدة للإرهابيين، أو السماح لهم بالعمل على إقليمها أو من خلاله ().
أما على المستوى الإقليمي فقد شهد ﺇﺒﺭﺍﻡ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ الاتفاقيات التي ﺘﺨﺘﺹ ﺒﻤﻜﺎﻓﺤﺔ الإرهاب، وقد بدأت الفكرة من القارة الأمريكية بإبرام اتفاقية واشنطن في عام 1971م، التي أعدتها منظمة الدول الأمريكية، ﺃﻤﺎ ﻓﻲ القارة ﺍﻷﻭﺭﻭﺒﻴﺔ ﻓﻘﺩ ﺃﺒﺭﻤﺕ الاتفاقية ﺍﻷﻭﺭﻭﺒﻴﺔ لمكافحة الإرهاب في ستراسبورغ في عام 1977م. والجدير بالذكر في عام 1999م، أبرمت اتفاقية منسك في إطار كومنولث الدول المستقلة، حلفاء الاتحاد السوفيتي السابق لمكافحة الإرهاب ().
المعاهدات الدولية المناهضة للإرهاب:
تعتبر اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات والمبرمة في عام 1963م، أول معاهدة دولية لمناهضة الإرهاب. وقد اعتمدت بعض الاتفاقيات الأخرى في فترة السبعينات مثل، اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات عام 1970م، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون في عام 1973م. وكذلك اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية، والأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت الثابتة. وقد شهد عقد التسعينات عقد عدة اتفاقيات كان من أهمها، الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل عام 1997م. وفي عام 2005م، اعتمدت الأمم المتحدة أهم اتفاقية والتي تخص قمع أعمال الإرهاب النووي ().