لازالت القارة الأفريقية مسرحًا لتنافس الدول الصناعية الكبري الأجنبية كالفرنسية والأمريكية والصينية و الروسية، وموخرا كان للوجود الخليجي حضور في أفريقيا من حيث حجم التمويل والدعم للمشاريع الاستثمارية الأفريقية ؛ وبالرغم من ذلك لم تنل القارة الأفريقية اهتمام الحكومة العراقية بالشكل الذى يوزاي سعي جيرانها بالتواجد في أفريقيا ، فمازالت العلاقات العراقية الافريقية وتحديدا جنوب الصحراء التي تضم اكثر من أربعين دولة تقريبا مازالت ضعيفة وغير مؤثرة او منتجة خصوصا مع عدم وجود رؤية واضحة للسياسة الخارجية العراقية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء .
إذ يبرر بعض أصحاب صناع القرار العراقي هذا الضعف بـــعدم وجود مصالح عراقية مع هذه الدول ، ومع غض النظر عن مدى المهنية التي يتمتع بها صُناع القرار العراقي؛ فإننا نجد إن هذا التبرير يأتي متأثرا بالمدرك الذهني عن القارة الافريقية، اذ تعاني رؤية العرب للقارة الأفريقية حالة من الضبابية وعدم الوضوح فبالرغم من استقلال الدول الافريقية منذ ستينات القرن العشرين ، وإضافة الى وجود عدد لا بأس به الاصدارات التي تحدثنا عن القارة الأفريقية ، الا ان أزمة الادراك أو التصور العربي تجاه القارة ماتزال تشكل إحدى معوقات العلاقات العربية الافريقية عامة والعراقية الأفريقية خاصة على المستويين الرسمي والشعبي. اذ ينقسم هذا الادراك أو التصور العربي تجاه القارة الافريقية الى رؤيتين : –
الرؤية الأول: أفريقيا قارة التخلف
يشكل هذا التصور النسبة الاكبر والاكثر انتشارا في الوسط العربي الشعبي وللاسف النخبوي ، ويأتي هذا التصور متأثرا بجملة من العوامل التي ساهمت في رسمه وتشكيله ابرزها:
العامل الاقتصادي : بدأت المصالح الغربية في القارة الافريقية منذ القرن الخامس عشر الميلادي بعد اندفاع الجيوش الاوربية المدعومة بقوة الكنيسة من المبشرين باتجاه القارة الافريقية، وهو الأمر الذي تسبب في اندلاع الصراعات والحروب بين الدول الاستعمارية التي انتهت في نتائج مؤتمر برلين (1884م ــــ 1885م ) والذي اطلق عليه مؤتمر تقسيم القارة الافريقية ، والذي لايختلف في جوهره عن اتفاقية سايكس بيكو التي تم على اثرها اقتسام النفوذ للدول الاستعمارية في المشرق العربي.
في تلك المرحلة انطلقت الدول الغربية في رسم الرؤية الأولي للقارة الأفريقية بانها قارة تمتلك الموارد الطبيعية المتعددة والتي لا تجيد استخدامها وذلك لجهلها وفقر عقولها، وكان هذا التصور من منطلق تبرير أهمية الاستعمار الاوربي للقارة الافريقية وانه بمثابة المرحلة الانتقالية التي تحتاج اليها القارة الافريقية لتنمية قدراتها للخروج من حالة التخلف والبدائية التي تعيشها.
وقد حاول الاستعمار الأوربي ترسيخ هذه الفكرة من خلال العديد من الخطط والبرامج القائمة على الغاء الهوية الافريقية ـــــ كما فعلت فرنسا وايطاليا ــــ فضلا عن ممارسة سياسة التجهيل للمجتمع الافريقي من خلال تحديد عدد المدارس ، وتقليص فرص التعليم ، واثارة الصراعات القبلية ونشر العنف بين ابناء المجتمعات الافريقية.
العامل الفكري : شكلت النظريات الاجتماعية جزءا من السياسة الاستعمارية لترسيخ فكرة التخلف للقارة الافريقية، اذ جاء في كتاب فلسفة التاريخ لهيجل واصفا القارة الافريقية بانها ” ليست قارة تاريخية اذ لا تبدي تغييرا ولا تطورا ، و شعوبها ليس في وسعهم ان يتطوروا ولا ان يتأدبوا نراهم نحن اليوم على هذه الحال ، وهم كانوا دائما كذلك” ، وفي نفس هذا الاتجاه جاء تشكيك الرحالة ريتشارد برتن في قدرة الانسان الافريقي على النمو والتطور في المستوى الادراكي، مشيرا الى انه لن يتحسن ولن يتجاوز نقطة معينة، ويبقى من الناحية الذهنية صبيا.
وعلى نفس النهج وفي القرن التاسع عشر تبنى احد اساتذة جامعة اكسفورد هذا الراي قائلا ” قد يصير في المستقبل تاريخ يدرس لأفريقيا ، اما اليوم فليس لها تاريخ وهناك فقط تاريخ الاوربيين في أفريقيا ، وما عدا ذلك ظلمات” وفي هذا الاتجاه جاء راي الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب الذي وصف الافارقة في حملته الانتخابية بانهم بحاجة الى الاستعمار مائة عام اخرى لانهم لا يعرفون شيئا عن القيادة والاستقلال، ووصفهم بالكسل والغباء والشره للطعام والعنف.والذي تناسى بان الرئيس السابق عليه كان من اصول افريقية.
العامل الاعلامي: ساهمت الأداة الاعلامية الغربية والعربية أغلب الحالات في ترسيخ صورة التخلف للقارة الافريقية من خلال العديد من تسليط الكاميرات على الأخبار السئية والبرامج وصناعة الافلام التي تصور القارة الافريقية على انها قارة العنف والجوع والتخلف، كما انها تسوق الشخصية الافريقية على انها شخصية تابعة، ومقلدة للرجل الابيض تتصف بالخمول وضعف الانتاج الفكري.
الرؤية الثانية : افريقيا قارة المستقبل
وهو الاتجاه الاقل حضورا في المجتمعات العربية والذي يمكن ان نجده لدى الاوساط العلمية والمؤسسات البحثية التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية وهو اتجاه ينشط في الدول الغربية خاصة بعد استقلال الدول الأفريقية بدأت تتصاعد نفوذ دول المصالح في القارة الافريقية.
يرى أصحاب هذا الاتجاه بان للقارة الافريقية لديها ثقل تصويتي في المنظمات الدولية يقترب من الثلث في منظمة الامم المتحدة، ومن ثم تسعى الدول الكبرى الى كسب التأييد والدعم الافريقي وتوظيفه في عمليات التصويت داخل هذه المنظمة. فاليابان مثلا تسعى ـــــ من خلال الشراكات الاقتصادية مع دول القارة ــــــ للحصول على دعمها في سعيها للحصول على مقعد دائم في مجلس الامن، كما أخذت أفريقيا تكتسب وضعًا متميزًا على صعيد الاقتصاد العالمي ووصل متوسط الناتج المحلي الإجمالي على مستوى القارة بين 4% و5% في عامي 2016 و2017 على الترتيب. كما تتجاوز أفريقيا الأقاليم الأخرى في نمو الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبالرغم من ارتفاع جاذبية أفريقيا أمام المستثمرين الأجانب فإن الفائدة لا تتوزع بشكل متساو على جميع الدول. وتستأثر دول معينة بالنصيب الأكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر (خاصة جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر والمغرب). وهناك حالة تفاوت كبيرة في أفريقيا على مستوى الدخل والأصول والفرص بين دول القارة. ورغم التقدم الملحوظ في حل الصراعات في أفريقيا فإن الأزمات المتكررة في جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ومالي ونيجيريا والصومال وجنوب السودان وليبيا تبرز التحديات المتسمرة امام القارة ومحاولاتها إرساء السلام والأمن الدائمين بين مواطنيها.
وفي هذا الصدد اشار الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية السابق (ايسى امارا) في تصريح له بان القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الازدهار الافريقي، خصوصا بعد وضع الاتحاد الأفريقي لخطة الشراكة التنموية للقارة “نيباد” إضافة إلى أجندة 2063 خريطة طريق أفريقيا والتي مدتها خمسون عامًا اقترحها وتبناها القادة الأفارقة بهدف توجيه التنمية الأفريقية. وعلى وجه أكثر تحديدًا توصف أجندة 2063 بأنها “استراتيجية شاملة من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد الأفريقية لصالح جميع الأفارقة”، وأنها “مقاربة لكيفية تعلم القارة من دروس الماضي بفاعلية، والبناء على التقدم الجاري والاستغلال الاستراتيجي لجميع الفرص المتاحة على المديين الآني والمتوسط من أجل ضمان التحول السوسيواقتصادي الإيجابي خلال الخمسون عامًا التالية (بدءا من العام 2013).
والتجربة الشخصية التي قادتني الى التجول في العديد من بلدان القارة الافريقية جنوب الصحراء والتي شملت اكثر من عشر دول افريقية، والاطلاع على الحياة العامة هناك جعلتني اذعن بان الواقع الافريقي يختلف وبنسبة كبيرة عن التصورات الذهنية التي كانت وما زالت موجودة في عالمنا العربي والعراقي على نحو الخصوص ومن ثم يحتاج الامر الى وقفة حقيقية من قبل المؤسسات الحكومية وتحديدا التعليمية الى اعادة النظر في برامجها المتعلقة بالقارة الافريقية، وان عليها التوسع في المفردات العلمية التي تقدمها الى طلاب المدارس وعدم الاكتفاء بالجانب الوصفي لتاريخ هذه الدول، بل ان عليها ان تعمل على تحديث هذه المفردات بالمستوى التي ينسجم مع الواقع الافريقي، وحجم التغيير والنمو فيها.
المؤسسة الاعلامية هي الاخرى بحاجة الى اعادة النظر فيما تنتجه من برامج عن القارة الافريقية فالإعلام يعد مصدرا اساسيا في بناء وتشكيل المدرك الإنساني من خلال ما يقدمه من برامج واخبار ومعلومات، ومما يؤخذ على المؤسسات الاعلامية العربية عدم الاستقلالية في العديد من برامجها بمعنى انها ماتزال تعتمد على الاعلام الغربي كمصدر اساسي ورئيسي في معلوماتها مثل (رويترز – الصحافة الفرنسية – يونايتد برس – اسوشيتد برس)، وتشير بعض الدراسات الى عملية الاهمال الاعلامي من قبل هذه الوكالات العالمية لأخبار افريقيا جنوب الصحراء بالقياس الى دول الشمال، اذ تشكل نسبة اخبارها عن دول الشمال الافريقي أكثر من 70% مقابل 8 و1% فقط لدول جنوب الصحراء، كما انها لا تنقل من الاخبار الا ما يدعم ترسيخ الصورة السلبية لدى المتلقي عن هذه الدول اذ انها تركز على نقل اخبار الكوارث والحروب والاضطرابات الاجتماعية والفوضى والانقلابات العسكرية والمجاعة.