18 ديسمبر، 2024 5:43 م

الإدارة الأمريكية الجديدة..وزيارة العبادي..وتأرجح معادلة التوازن الدولي والإقليمي الامريكي في العراق!!

الإدارة الأمريكية الجديدة..وزيارة العبادي..وتأرجح معادلة التوازن الدولي والإقليمي الامريكي في العراق!!

هناك حقيقة وإن كانت مرة، ينبغي أن يدركها الجميع ، هي أن الولايات المتحدة التي أسقطت النظام في العراق عام 2003 ، وسلمته على طبق من ذهب لمن يتولون الان مقاليد السلطة الان في العراق، لن تقبل بعد خمسة عشر عاما ، ان تؤمن بنظرية (توازن القوى) مع الاطراف الدولية والاقليمية المتحكمة بالملف العراقي، حتى بضمنها إيران، التي تعد الان اللاعب الأكبر في الساحة العراقية، وإستطاعت إزاحة التأثير الأمريكي، التي وجدت فيها الولايات المتحدة وقد خرجت خالية الوفاض في قضية تواجدها في العراق، بينما إيران كانت لها قصب السبق في ان تضع مقاليد السلطة بيدها وهي من تحرك زعامات القوى التي تنضوي تحت اجنحتها ، وبقيت الولايات المتحدة وكأنها تتفرج على اللعبة الايرانية ، دون ان تدرك ان ابتلاع العراق كلية من قبل ايران ، كان بسبب أخطاءها هي وقصر نظر سياسييها، عندما تركت العراق لطهران تتحكم في مسارات نظامه السياسي على هواها!!
لقد إكتشف الأمريكيون في آخر المطاف إن تسليم مقدرات العراق بيد إيران كان خطأ ستراتيجيا لايغتفر ارتكبته كل الادارات الامريكية السابقة،بدءا من ادارة بوش الاب والابن ومن ثم كلينتون وجاء اوباما ليقضي على آخر آمال الامريكيين في ان يكون لهم   موطيء قدم قوي لأمريكا في العراق ، بالرغم من انهم هم من أسقطوا نظامه السياسي وهم من سهلوا على القيادات العراقية الحاكمة تثبيت دعائم حكمهم ، وهم الان قد أداروا وجههم ضد واشنطن واتجهوا كلية الى إيران، واعتبروها (قبلتهم ) التي ليس بمقدورهم رد جميلها لهم ، بعد ان حاولوا التخلي عن التحالف مع امريكا لصالح (ولاية الفقيه) الايرانية التي هي من انتصرت في نهاية المطاف ، واراد الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب (تصحيح) معالم هذا الخلل الخطير، ووجه اتهامات قاسية للادارات الامريكية السابقة لانها تركت العراق ساحة لايران تلعب بها على هواها وهي من لها الكلمة العليا ، حتى  وجد الامريكيون أنفسهم انهم بمواجهة (تحد إيراني خطير) ونوايا ليس لها حدود يريد ان يقضم مصالحهم في العراق كلية، ولم يتبق للامريكان ربما سوى قشرة موز ، بالرغم مما دفعته الادارات الامريكية السابقة من اموال باهضة وأزهقت في حربها مع العراق عشرات الالاف من ارواح جنودها، واذا بالعراق وقد خرج عن سيطرتها ، وكانت ايران المستفيد الاكبر من اسقاط النظام في العراق، والولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر، وتحول التحدي للولايات المتحدة من قلقها من طموحات صدام حسين، حتى اصطدمت بطموحات الزعامات الايرانية التي تريد وحدها ان تقطف ثمار الاطاحة بالنظام السياسي في العراق بعد عام 2003 وتبقى هي اللاعب الاكبر بلا منازع!!
بل ان الولايات المتحدة لاتخشى من استحواذ ايران على مقدرات العراق فقط بل بدت امامها مخاوف من تمدد روسي إتسع نطاقه في العراق والمنطقة بشكل لافت للنظر وهو يسعى مع ايران لإزاحة الدور الامريكي والعمل على خلق توازن مع ايران في قضية التواجد والتأثير في الساحة العراقية، مما اغاض ذلك الامريكان كثيرا ، ووجدوا انفسهم انهم هم من تركوا الساحة لايران ولروسيا أخيرا، التي وجدتا في مواجهة داعش العنوان الذي دخلت به روسيا كلاعب أساسي لايمكن تغافله في العراق، الا ان الامريكان وجدوا ان روسيا وان كانت تسهم في محاربة داعش وتثبيت دعائم النظام السوري، فانها تحاول دفع الولايات المتحدة عن ساحة التأثير الاقليمي والدولي، وان ترامب يرى نفسه أنه (محرج) فعليا في علاقته الواسعة مع الرئيس الروسي بوتين، الذي رحب بقدوم ترامب ضد اوباما ولم يكن بمقدور ترمب بان ينسى (فضل) بوتين عليه في تسهيل مهمة وصوله الى السلطة ، لكن هذا (التساهل) الذي يبديه ترامب هو موقف آني مصلحي يرى فيه ترامب بأن مصلحة بلاده اصبحت فوق كل الاعتبارات وانه لن يضحي بمصالح امريكا من اجل علاقته المتميزة مع بوتين ، الذي لم يدعم ترامب لسواد عيون امريكا ولكن لكي يحصل على تعاون روسي امريكي يفضي الى توافق على المصالح في المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا ودول اخرى راح الروس يعيدون فيها تواجدهم بطرق اخرى مثل مصر وليبيا وحتى دول الخليج التي تحرك عليها الروس ، بعد إن أيقن الخليجيون ان نوايا الولايات المتحدة ازاءهم ليست على ما يرام، وانها قد تحولت عنهم ، وغضت النظر عن تدخلات ايران في دول المنطقة واضعفت الموقف الخليجي وشنت حملات دعائية ضد قادة دول الخليج وتوجه لهم اتهامات ماكانت الادارات الامريكية قبل سنوات توجهها لهذه الدول ، بالرغم من انها دول حليفة للولايات المتحدة منذ عقود ، لكن بوادر تصدع في علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج بدت واضحة، ما شجع ايران على ان اوجه اطماعها مرة اخرى نحو دول الخليج في محاولة منها لتقويض دعائم انظمتها والتدخل في شؤونها الداخلية، بل ظهرت ايران على انها أشبه بدولة كبرى ليس بمقدور الولايات المتحدة ان تعرقل احلامها التوسعية في المنطقة، ووجدت في بعض حالات التراخي الامريكي مدخلا لتوسع خطير، ووجدت الولايات المتحدة نفسها انهام امام تحد خطير، لابد من وضع حد له قبل ان تقع الفأس في الرأس ويخرج الامريكيون من ساحة التأثير وهم مخضبي الدماء وغير قادرين على لعب دور ولو كان بسيطا!!
كل هذه العوامل تستدعي ان يبلغ الرئيس الامريكي ترامب رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ان الامريكيين لن يقبلوا بعد الان حتى بحالة (التوازن) مع ايران، وان المعادلة يجب ان تتحول باتجاه ان تبقى الولايات المتحدة اللاعب الرئيس الذي لايمكن لايران ان تبقى هي من تتحكم في ساحة تاثيره الواسعة في العراق، وان على العبادي ان يقلم ليس أظافر ايران هذه المرة بل يعيد ترتيب وجودها كليا ويبعدها عن ساحة التأثير ، وان الولايات المتحدة لن تقبل باستفراد ايران بالملف العراقي والتحكم في مقدرات هذا البلد، وان امريكا التي وضعت كل ثقلها في دعم العبادي ووصوله الى سدة رئاسة الوزراء فانها لن تعطيه هذه المرة (صكا على بياض) الى مالا نهاية، وان العبادي يدرك هو الاخر انه امام غول ايراني ليس بمقدوره مواجهته ، لكنه لن يترك الساحة لايران بعد الان تتحرك على هواها ، لأن مايطلبه الامريكيون من العبادي ان يثبت انه رجل دولة عراقي وليس تابعا لايران ، وهي مهمة صعبة ومعقدة، لكن العبادي لابد وان ينفذ مايريد منه الامريكيون وما يفرضونه عليه من شروط، وهم يدركون ان استعادة دورهم الريادي في العراق لن يتم دون إزاحة إيران عن الملف العراقي، وان تتوقف ايران عن دعم انشطة الارهاب اقليميا ، والا واجهت مخططا امريكيا يرمي الى استهدافها بأية طريقة حتى وان تطلب الامر شن حرب واسعة ضد ايران تكسر ظهرها، ان وجد الامريكيون انه الطريق الذي لابد منه لكي يضعوا حدا لطموحات ايران التوسعية في المنطقة، وهو الهدف الامريكي لترامب في ان يؤكد لكل اللاعبين في المنطقة ان الولايات المتحدة ستبقى اللاعب الاساس، سواء قبلت الدول الاقليمية ام لم تقبل والا فإنها واجهت عواقب ليست في الحسبان.