8 أبريل، 2024 8:03 م
Search
Close this search box.

الإخوة الاكراد وطموح تقسيم العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

العزاء ، وما أكثر العزيات في العراق ، من ضمن برنامجه ، لابد ان يتخلله استراحة ، او كما تسمى فترة ، فعلى الرغم من مرارة المصيبة في احيان كثيرة ، الا ان العزاء وحسب التقليد العراقي ، لا يتجاوز الاستراحة او الفترة ، فهي مطلوبة لراحة الجسم والفكر من العناء ، حيث يتوقف اللطم والبكاء ، واثناء التوقف او الاستراحة ، تتبادل النساء الأحاديث ومنها النكات الظريفة ، وربما يتم ايضا اثناء ذلك تناول الطعام والشراب. ثم يعاود العزاء من جديد اللطم والبكاء. غير ان عزاءنا مع الاكراد متواصل ومن غير استراحة او توقف. فنحن على هذا المنوال من سنة ١٩٢١ وحتى يومنا هذا. فقد صد الاكراد طيلة الفترة الماضية كل الايادي التي مدت نحوهم ومن كل الحكومات العراقية المتعاقبة دون استثناء.

ان شهر السلاح بوجه الدولة ، ومهاجمة الأجهزة العسكرية والأمنية ، وإعاقة مشاريع البنية التحتية ، لا تندرج ضمن إطار محاربة الدكتاتورية كما يُزعم الاكراد ، او كما يُزعم من سكت عن ذلك ومجده. بل تندرج تلك لأفعال ضمن عنوان التمرد والعصيان.

يقطن الاكراد في تركيا والعراق ، وهذا موضوع حديثنا ، مناطق جبلية وعرة ونائية ومعزولة في احيان كثيرة عن بقية المناطق الاخرى وسكانها ، ويعيشون وفق نظام القبائل ، وتختص كل قبيلة بجبل تكون الكلمة المسموعة فيه لرئيس القبيلة. هذه الخاصية ، وما يتممها عدم تورع الاكراد من التعاون مع الأجنبي مهما كانت نيته وانعكاساتها على شركائهم الآخرين في الوطن ، ان وجدوا في ذلك خدمة لمصالحهم التي يعتقدون انها مشروعة ، لاسيما مصالح رؤساء قبائلهم. ان هذا التقبل للاجنبي ، وبغض النظر عن نيته الهدامة ، قد فتح الباب واسعا نحو المزيد من التدخل الأجنبي في وطننا ، وولد الارتباك ، لا في شمالي العراق فحسب ، وانما في العراق كله. فقد اصبح التدخل في شؤون العراق ، لكل من يريد التدخل ، ممكنا وسهلا ومثمرا ايضا.

مثل الأجنبي في البداية ايران ، وعلى رأسها الشاه الأب رضا بهلوي ، الذي شجع الاكراد في تركيا ، في المناطق الجنوبية الشرقية منها ، على التمرد ضد الدولة التركية الجديدة مرتين ، الاولى سنة ١٩٢٥ او ما يعرف تمرد الشيخ سعيد والثانية تمرد سنة ١٩٣٢ ، وقد اضطرت تركيا في المرتين الى اعادة رسم الحدود لصالح ايران مقابل ان توقف ايران دعمها للتمرد في تلك المناطق الوعرة والنائية. وفي كل مرة وحال الاتفاق بين تركيا وإيران على الترسيم الجديد للحدود ينتهي التمرد.

ونجحت تركيا بمساندة العراق على توقيع معاهدة سعد أباد لسنة ١٩٣٧ مع ايران ، المعاهدة التي تحظر على الدول الموقعة على المعاهدة التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. المعاهدة ذاتها التي أسست في ما بعد لميثاق حلف بغداد. وحال انسحاب العراق من الحلف سنة ١٩٥٨ عادت ايران الى سياستها القديمة للتدخل في شؤون العراق الداخلية ودعم التمرد الكردي في شمالي العراق. ولم يتوقف التمرد الكردي الذي كان يأكل الشباب والثروة الا بعد ان حصلت ايران على ما تطمح اليه في ترسيم الحدود لصالحها في شط العرب ووقعت اتفاقية الجزائر لسنة ١٩٧٥. ثم عاودت ايران بعد سقوط حكم الشاه الابن محمد رضا بهلوي سنة ١٩٧٩ الى دعم التمرد الكردي وهذه المرة من اجل إسقاط نظام الحكم في العراق.

البداية ، كما أسلفنا ، كان الأجنبي الداعم لحركات التمرد الكردية يتمثل في ايران ، غير ان هذا الموقف قد تغير في ما بعد ، فقد انخرطت فيه دول إقليمية وعالمية اخرى ربما يكون لها باع أطول من ايران في دعم حركات التمرد الكردية.

وفي سنة ١٩٩١ اصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يحظر الطيران فوق شمالي العراق وبما يعرف بخط عرض ٣٦ وان مسودة مشروع هذا القرار قد تم تقديمها لمجلس الأمن الدولي من قبل ايران وتركيا بصيغة مشتركة لتأمين أكراد العراق في شمالي العراق وعدم تكرار نزوحهم الى أراضيهما لما لذلك من انعكاسات على واقع الحركتين الكرديتين لدى كل منهما. وقد قبلت به الولايات المتحدة لان مشروع القرار يضعف الحكومة المركزية في العراق فضلا عن ان ألاساس في نجاح الحصار المفروض على العراق يكمن في صيانته من قبل ايران وتركيا. الا ان قرار حظر الطيران الذي حدد بخط عرض ٣٦ فصاعد لم يضم محافظة التأميم ولا المناطق الأخرى التي يدعي الاكراد انها مناطق متنازع عليها الى منطقة الحظر في شمالي العراق.

وعندما اتهمت تركيا الولايات المتحدة سنة ١٩٩٢ انها تسعى لاقامة دولة كردية في شمال العراق على خلفية دعوتها وفد كردي عراقي لزيارة الولايات المتحدة من غير توجيه الدعوة لتركيا للحضور وحسب الاتفاق السابق بينهما عند عقد الاجتماعات والمؤتمرات ، ردت الولايات المتحدة على تركيا وعلى الفور ، على لسان الناطق بأسم البيت الأبيض ، قائلة ان الولايات المتحدة ترفض تقسيم العراق وانها تدعم نظام فدرالي اتحادي.

وعززت الولايات المتحدة هذا الرأي او الاتجاه في ان حظرت في القانون الأساسي الذي اعدته للعراق بعد الاحتلال ، وكتب الدستور العراقي النافذ في ما بعد وفق روحه ، حظر القانون الأساسي انضمام كل من محافظتي بغداد والتأميم الى باق الأقاليم ان تمت ، واعطتهما الحق في تأسيس اقليم مستقل لكل منهما.

ان ظروف الاحتلال للعراق وعدم شفافية الموقف الامريكي والدولي بخصوص مستقبل العراق وتلاقي الطموح الكردي في اقامة دولة كردية مع البرامج الشيطانية لبعض القوى العالمية والإقليمية حول العراق قد شجع المشروع الكردي الانفصالي لان يوسع من طموحاته ويضيف المزيد من الاراضي الى المحافظات الكردية الثلاث.

ومن وجهة نظر الاكراد ان الفرصة سانحة لتحقيق المزيد من التوسع على حساب العراق وشعب العراق. ومن وجهة نظر بعض الأطراف الإقليمية والعالمية المغرضة ان هذا النهج الكردي الأنفصالي سيؤدي حتما الى خلق المزيد من الفوضى التي تعكر صفو الأجواء في العراق وتدفعه قدما نحو الهاوية. تدفعه الى حروب استنزاف غير منتهية تأكل الشباب العراقي وتأكل الثروات التي انعم الله بها على الشعب العراقي على حد سواء.

ان مظاهر الطائفية ٍ قائمة ولا احد يقول غيرها وكذلك لا نحتاج الى من يذكرنا بها. فهي تأكل وتشرب معنا ليل نهار. ولكن هل كانت الطائفية غائبة عن مؤتمر لندن لسنة ٢٠٠٢ للمعارضة ومن بعده مؤتمر أربيل؟ اليس الاكراد من قالوا في حينه نحن أكراد فقط؟ ان الطائفية في العراق ولى عصرها وان التعويل عليها الان خطأ يضاف الى الأخطاء الجسيمة الاخرى التي يتشكل منها السعي نحو تقسيم العراق لاسيما وأنها (الطائفية) انتهت بين الناس ومن غير رجعة ان شاء الله. ثم ان الشعب العراقي وتاريخيا موحد بخصوص عراقية التأميم.

لسوء قدر العراق ان تجري به الطموحات غير المشروعة والتي توصف في الأقل بغير الوطنية نحو شاطيء التنافر وتدفع بمكونات الشعب العراقي نحو الاقتتال بدلا ان تجري به نحو شاطيء التعاون والوئام ونحو السعي للعثور على حلول ترضي الجميع. ان المشروع الكردي الانفصالي الحالي عبثي لا يوصل لأي غاية مرجوة ومن العودة الى القدر مرة اخرى فأنه مشروع يشابه او صورة مستنسخة للحرب العراقية الايرانية المشئومة والتي قدر لها من قبل ان تبدأ ان لا غالب ولا مغلوب فيها.

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب