-1-
معظم مشاكلنا انما تنشأ من غياب الإحساس بالآخرين .
إنّ براعة (الذاتيين) انما تتجلى في حساباتهم الدقيقة عن أرباحهم ومكاسبهم في كل ما يُقدمون عليه من خطوات وقرارات واجراءات..!!
ولا يهمهم بعد ذلك ما يكون ..!!
انّ في هذا المنحى الضيّق الذي لايرى الدنيا إلاّ من خلال الذات، إجحافاً كبيراً، وغَبْناً فاحشاً يلحق الناس، دون ان يبالي صاحب الذات النرجسيّة بالآثار والنتائج ..!!
فالمحميّة الخضراء مَثَلاً ، لايعاني سكّانُها – وهم من كبار السلطويين – مما سببته غزارة الأمطار من مصائب وويلات ،
ومن هنا تجد أكثرهم، في غياب مطلق عن التصدي الحقيقي لحل مشكلات الغارقين في الطوفان …!!
وحين يُكثر الضجيج والعجيج ، يُعهَد الى مَنْ كثرت منه الشكاوى، وسُجلّتْ عليه الاعتراضات والاحتجاجات ، الى أنْ يكون في موقع (المسؤولية) المباشرة عن حلّ هذه الأزمة ..!!
وهناك من يدّعي أنّ إسناد هذا المنصب لشخص كُثرت فيه الأقاويل، انما جاء لغرض في نفس يعقوب ..!!
فمن المؤكد ان من يسمّون ب(الخصوم السياسيين) لم يستقبلوا الأمر بالقبول فضلاً عن الارتياح، ولم يقتصر الاستغراب والامتعاض عليهم وحدهم ..!!
إنّ القرارات اذا كانت ناشئة من ردود الفعل ، فانها لن تكون كتلك القرارات المدروسة دراسة موضوعية معمقة، كما هو معلوم ….
والمواطِنُ هو كبش الفداء في كل الأحوال، ولاحول ولاقوة الاّ بالله العلي العظيم .
-2-
مثال من التاريخ
حدّثنا ابن الأثير – صاحب (الكامل) عن أبيه فقال :
{ كان لنا – في العقيمة – عدة بساتين ، فحكى لي والدي قال :
جاءنا كتابُ فخر الدين عبد المسيح الى الجزيرة وانا أتولى حينئذ ديوانها، والحكمُ اليّ فيه علي ما شوهد، يأمر بان يجعل بساتين العقيمة ممسوحة { أي يُجبى الخراج منها على الوحدة المساحية } قال :
فشق ذلك عليّ لأجل أصحابها ففيها ناس صالحون ،
ولي بهم أُنس ،
وهم فقراء قال :
فراجَعْتهُ وقلتُ له :
لاتظن أنني أقول هذا لأجل ملكي .
لاوالله انما اريد ان يدوم الناس على الدعاء للمولى قطب الدين (أمير الموصل) ، وانا أمسح ملكي جميعه ، قال :
فأعاد الجواب يأمر بالمساحة ويقول :
تمسح أولاً ملكك ليقتدي بك غيرُك …}
الباهر /147
والملاحظ هنا :
1 – ابن أبا الكرم محمد أثير الدين – والد صاحب الكامل عز الدين بن الأثير – فكّر بالفقراء الذين سيلحق بهم القرارُ الواصل اليه كثيراً من الاضرار قبل ان يفكرّ بنفسه ….
وهذا الحس الانساني عند المسؤول ، هو من أهمّ الصفات والخصائص التي تمكنّه من النجاح العمليّ ، وتضمن تعامل المواطنين الايجابي معه ، واحترامهم له ، وتقديرهم لجهوده …
2 – لقد بادر الى الكتابة الى (فخر الدين عبد المسيح) للعدول عن القرار المذكور ، ولكنه لم يستجبْ له …
3 – وما ذكره من الرغبة في دوام دعاء الناس (لقطب الدين )
– أمير الموصل – جاء في سياق الترغيب بالعدول عن القرار .
4 – والمهم قوله
( لاتظن أنني أقول هذا لأجل ملكي ، لاوالله …..
فلقد أقسم بالله العظيم، أنه لا ينطلقُ من منطلق شخصي ، خوفاً على نفسه من تبعات القرار …!!!
اننا نتطلع الى رُوحِ الإحساس بالآخر فاعلة قويّة عند كلّ المسؤولين العراقيين دون استثناء .
وعندها ستكون أوضاعنا المأزومة على نحو مغاير تماماً لما هي عليه الآن .