23 ديسمبر، 2024 3:52 ص

الإحالات الدلالية و حسية تضاعيف الدليل المرجعي في شعرية طالب عبد العزيز (5)

الإحالات الدلالية و حسية تضاعيف الدليل المرجعي في شعرية طالب عبد العزيز (5)

مدخل : ــ لقد تصرفت القابلية الإحالية الدلالية الأسلوبية في إخضاع مؤشرات الواقعة الحسية الشعرية إلى ما يمكن أن يقنعنا بأن لها من التأثير الحيوي و التفاعلي ما يجعلها تبدو لنا قرائيا و كأنها عبارة عن مؤشرات تراكزية في الشكل و المضمون و المحتوى و الدلالة .. و وفقا للمعطيات التي تؤثر في تركيبة انطباعاتنا التي باتت تتغير في حالات معينة من أفعال الاستجابة القرائية الواعية بالحس المرجعي .. فإننا و تبعا لهذا السعي المتصل بالإضافة إلى محور ظروف التأثير المرجعي المقابل و المتبادل من خصوصية المعطى الإحالي الكامن في موجهات الدال النصي المرجعي و الحسي حيث يمكننا بالتالي استقراء وجود حالات من الإمكانية القصوى النابعة عن حسية المرجع الإحالية و بين تضاعيف الفعل التراكزي كوحدة كلية مكونة من مؤشرات التمايزية النوعية المخصوصة في إيقاظ جملة الصفات و الأفعال المشتركة و المتوحدة في صورة التقرير المصيري للنص الشعري و حالاته .. و من خلال ما يتحدد به المعنى في هذا السياق و يتسع له .. نعاين بأن الغرض الذي قد جئنا من أجله هو بالتمييز الإجرائي و الاستكمالي المصاحبان في معادلة تعديل التصعيد المحال في موضوعة الدلالة الشعرية و كيفية تمركزها كعلاقة ممكنة تهتم بمشروعية الإحساس المرجعي و حركيته الفاعلة في التجسيد الاستدلالي أي من حدود غاية جعله في الصورة المرجعية الدالة عبر تحولات النص و مقارباته من جراء الصدور و الاختبار المتصير في مجريات القصد المعطى من وراء كلية توازعات انطلاقة النص الحسية و المرجعية .. و عبر ما يمكن أن يحاكيه الموضوع المرجعي من اشتغالات خاصة يمكننا أن نقارب حساسية الدلالة في مواضع ارتباطية تنتهي إليها الذات المنتجة بتوضيحات كيفية نادرة في فهم مؤثرات تضاعيف الدليل كنعطافة علائقية من شأنها توحيد افتراضات الإحالة الدلالية نحو وقائع تشكيلية ما أخذت تتخطى حدود المعنى الإحالي من تجربة حسية المداخلة المرجعية كجهد غير منظور و غير مكشوف .

أ ــ الشيفرات المرجعية في عناصر العلاقة الحسية : ــ أن العلامات و الاشارات و الإحالات بالمضمون الوظائفي الدال تحديدا تشكل بذاتها مدلولا وسائطيا مع مجريات نسق الدوال المفترضة في فضاء الوظيفة الحسية في المقروء اللفظي وصولا إلى العاملية المشتركة بين ( الشيفرة / الدلالة ) و يمكننا إجمال مداليل الشفرة خصيصا لمعرفة موضوع الاشارات من جهة ما و لمعرفة حجم تماثل الواقعة الدلالية في مكون العلاقة الأحوالية في محمول تضاعيف الدليل و مؤولاته الراسخة في حصيلة توالد أشكال المعنى .. و تتخذ شيفرات المرجع اتساقا مضاعفا في حدود الوظيفة التماثلية في النص الشعري .. و لا أدل على هذا الأمر من المعطيات المحسوسة التي تقوم بتقديم مدارية الأحوال اللفظية عبر تفاصيل من المماثلة التواصلية الصادرة عن توالدات حسية تستحق أن تكون جزءا من حياة مرجعية خصوبة الذات التي راحت تستقصي لمقترحاتها الابداعية ما يسمح لها بتقديم خاصية حدوثها بإنتقاءاتها المركبة و المتحولة . كحال قول الشاعر هنا في معرض هذه المقاطع المختارة من قصيدة (عبد العزيز ) :

العبيد يصلحون قاربك
و فلاحون من أبي الخصيب
يحرثون لك الأفق .

تشي هذه الومضات الإحالية بتلك النوعية من العلاقة المرتبطة بين مدار المكون الحسي و بين الإسترجاعية المرجعية المكانية و الزمانية التي تقوم بصياغة ومضات الدليل المغيب في صدى الضفة الأخرى من العلامة الشفروية الكامنة في موجهات القول الأحوالي الراهن : (العبيد ــ يصلحون ــ قاربك = الفاتحة النصية = الدخول في الحال المرجع = معلوم مسبق = دليل مجهول ) تتمتع الصورة الشعرية لدى الشاعر بمنطق الحلول المرجعي و بطريقة ارتفاع الذروة الظرفية الزمكانية و المكانية إلى أعلى قيمة في مقايسة الاستدلال التفاصلي : ( فلاحون من أبي الخصيب / يحرثون لك الأفق ) و لكن الشاعر أحيانا ينوع من مجراه في الصياغة الإحالية و بطريقته التي تقيه من هفوات التلاشي في أبعاد الانخلاع عن واقعة الموصوف أو المستدعى من ناحية أفق تجاوز الملفوظ المباشر القادم من صلب الآخر الذي تراه أحيانا مغمورا بين لغة حسية المرجع و تضاعيف الدليل الشخصاني المغيب كحال قول الشاعر هنا : ( فلا تأخذ من الماء / أكثر مما يأخذه فسيل منسي ) . يدخلنا طالب عبد العزيز في مواطن انزياحية كثيرة من أفق قصائده المحفوفة أحيانا باللغة الشعرية المنسلخة عن انطباعية المرئيات و الأحوال الملفوظية الكاملة و الواضحة و المتصلة في مواضع لغتها التعيينية القارة عضويا .. و سرعان ما تذهب هذه اللغة بفواتح و خواتم موضوعة النص نحو توالدات حياة صورية مرموز إليها في أوجه تشكيلات و تماثلات من الامحاء في أيقونة ذلك الآخر المعلق في أفق الذات اللامنتمية .

ب ــ الإبهام في مقام البوح و هوية الآخر : أن القارىء لسياق شعرية عوالم طالب عبد العزيز عله يواجه تلك الشيفرات و الإحالات المبهمة أحيانا بين إجرائية حسية المرجع و العلاقة اللااستبيانية في دليل النص ـ أي بمعنى ما ــ هناك في واقعة قصيدة النص ثمة أفعال و تواصيف لا تحدد المعنى بقدر ما تضفي عليه هالة كثيفة من الغيابات الأحوالية الواضحة في هوية و ذاتية الوصول الفهمي لأواصر الإستجابة النصية المعلنة .. كحال قول الشاعر في قصيدة ( عبد العزيز ) :

و لتكن الأنهار كلها لك
فكثير الفسيل أنت
وها قد ملأت خاصرة الأرض
ذكورا..

فهذا بدوره إبحار نحو أعماق الإبهام في أسفار رحلة الحيوان المنوي في مقام البوح و هوية حالات الأشياء التوصيفية المنزاحة دليلا . بل أنها أحساسات تفرز تلقائيا ثمة حالات ابعادية كحال غزارة هطول المطر دون خصبا ما أو تراتبا قصديا ما . فمثل هكذا رؤية و تعبيرات و مقام بوح و إن قصد بها الشعراء الرمزيون محض الإيحاء و الإنزياح و العلامية .. إلا أنها من جهة ما تبدو غاية في الضبابية المكرسة بين حسية و دلالة المرجع و تضاعيف الإستجابة المخصوصة في ثنايا النص .

ج ــ تقانات القصيدة : يمارس الشاعر في عملية بحثه الشعرية عن ذاته التشكيلية المغايرة . فالشاعر له تقانات أختلافية متنوعة في كتابة القصيدة و ذلك من أجل بلوغ كشف حجب السبل التي تؤدي به إلى منطقة التوصل الممتنعة إلى فكرة توسيع مدياته الدلالية و تعميق محور صوريتها الحركية وعلى النحو الذي غدا فيه الشاعر يضاعف من موجهاته و علاماته الأنزياحية عبر فضاء المشهد الشعري .. ففي قصيدة ( فاطمة )نعاين شكلا توصيفيا تشتغل من خلاله ثمة مقاربات من الحسية المرجعية و بمتونها الدينامية التي راحت تجعل من مساحات البوح الآنوي قيمة ما في محورية الألتحام عبر فاعلية فك شفرات النص و استيعاب صدورية دليله المتداخل تداخلا عميقا في مناطق متشعبة من فضاءات النص :

فصنعت بجيدها ما يصنع الغيث
في التربة الكريمة
وقد أفترش البدر عندنا النخل
فهو يظفر شعره على شباكها
حتى طلع نهارنا معا
أنا نصف كسول
وهي نصف خجلى
لا أستبين أكنت على وسادتها
أم كانت على وسادتي .

ها هنا يتسع التصور القرائي فضائيا و يتخصص حلميا حيث يلتحق الاختزال التقاني في مدلول البوح العميق ليسعى بوعي راجح نحو ضم تعاطيا متعديا في الوجوه و الرؤى و الحالات وصولا منه إلى ذلك المخزون في حسية المرجع الإحالي الكامن في استراتيجية لقطات محورية شعرية أخاذة أخذت تصورها شبكة مقترحات حظوة شعرية ثرية في عمق الذاكرة الدلالية المنقسمة بين حسية المرجع و تضاعيف الدليل المحفوف بعدا في مسارية تفعيل تقانة الإحتمالات و التوقعات و التجليات التشاكلية الموازية بين الحالة الشعرية المرتقية وسلطة محكيات المتن القولي الضاج بوهج الإيحاءات و الشيفرات و الإحالات و الدلالات المرهونة بقيامتها في أفق مصالحات الدوال العضوية في القصيدة .