ما بين الإثارة والجنس، يبحر الذنب خائفا متخفياَ، ولكن ما بينهما دين يبيح الاثارة ويحرم الجنس، قد أكون صائباً بأن أغتال أهتمامك وفكرك بهكذا عنوان ومدخل لأجذب إنتباهك، ولكنك مخطئ عندما تفهم من الجنس بأنه الفعل المحذور الذي يتجسد بفعل المحرم، فالجنس تارة يعني تمييز نوع الموجودات، بما يشمل ما تحويه السماء أوالفضاء وما فوق الأرض وتحت المياه، وحتى التكتلات والأقوام والمجتمعات والعوالم البشرية منها والحيوانية تتمايز بصفة الجنس..! و تارة اخرى تجد الجنس يعني التجانس ومنه ما يضفي صفة ومنه ما يترك أثر ومنه ما يغيير المسار..!
يقال: أن لكل شيء آفة من جنسه..! وهي ما تضفي صفة التخالف، ولكل شيء شبيه من جنسه..! وهو ما يضفي صفة التآلف، وللسياسة أجناس بهيئة الآفات والأشباه…! تضفي او تترك او تغيير مبدأ ( التخالف والتشابه)..! التكتلات السياسية وعلى إختلاف أجناسها، عادة ما تنشأ عن التشابه بالمبدأ والثوابت، والسعي لنفس المشروع، ولكن سرعان ما يدب بها سرطان المتغيرات السياسية، او الضغوطات والتحديات الخارجية والداخلية، أو الاغراءات والتضليل، لتتحول الى تصارع يضفي صفة التخالف..! وينتهي بتغيير المسار نحو الخلاف..!
من خلال ما تقدم ذكره، سأسقط زوايا مصطلح “الجنس” على نوع التكتلات والتيارات والأحزاب السياسية في العراق مثلاً، وما تنجبه من أجنة وعلاقات مشروعة وأخرى غير مشروعة، تبررها طاولة الحوار بفحوى التقارب، أو تحددها طاولة التقارب بفحوى المحاصصة، مع الأخذ بالإعتبار بأن السياسة تبيح المحذور..! وتبعد القريب..! وتقرب البعيد..! من منطلق القاعدة التي تقول “الغاية تبرر الوسيلة”، ومدامت الغاية هي الهدف الذي يتفق عنده الطرفان، إذن لابد من وجود اتفاقات وتقاربات تذيب جليد التباعد، لدرجة التصاهر والتسامي، كما حصل مثلاً في الزواج الكاثوليكي السياسي المعلن، من قبل السيد “هادي العامري”..! مع دولة القانون برئاسة السيد “نوري المالكي”
مؤشرا ملحوظ خلال السنوات الأخيرة حصلت فيه عدة إنشقاقات واختلافات، ما بين جسد التيار او المكون الواحد، قد يكون منها ما هو صحي وطبيعي..! انسجاما مع ما تتطلبه السياسة والتحديات والحداثة، ومنها ما هو داء ومرض فتك بجسد الوحدة، والذي جاء انسجاما مع الاغراءات والتنازلات والمحاصصة أو التجارة بالمنصب والسلطة، ومن الملفت للنظر إن جميع المكونات والتيارات قد عصفت بها رياح الانشقاق والانقسام، بما يشمل “التحالف الوطني” و “اتحاد القوى السنية” و “الجبهة الكردية” فجميع المكونات هنا، تقاسمت جماهير الكتلة او التيار الواحد، كما تقاسمت السلطة، أما بشكلها الايجابي أو السلبي، ولكن النتيجة ان هنالك تشظٍ واضح على الساحة السياسة .
من الملفت للنظر إن ما حصل أخيراً، يختلف جذرياَ عن ما حصل سابقاً، من انقسامات وانشقاقات في جسد الكتل والتيارات السياسية، فيكون المتعارف عليه بأن “رئيس” التيار او الحزب متمسك بالرئاسة..! ولينسلخ عنه وعن التيار من يجد بنفسه القدرة على ذلك، ما حصل في “المجلس الاعلى” مؤخرا يعد سابقة خطيرة، وهي الأولى من نوعها على الساحة السياسية لما بعد عام 2003، وإلا لما كان لرئيس التيار ان يترك تيار بهكذا عراقة, وتاريخ, ومسمى, له ثقله ووجوده في المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي ..! وما زاد الحدث إثارة هنا الاعلام بما يشمل جميع جوانبه وأقسامه، وبدأ الجميع يعتاش، ويسقط فكره ومتبنايه ورأيه، على الشريط الاخباري ومواقع التواصل والعاجل والهام للقناة التي يرها تتكلم باسم إنتماءه وحزبه، فحلل الحدث بما يشتهي هو وما يؤمن به حزبه، و”لكل حي مطربة..! وعلى ليلى يغني الجميع”،
نستطيع بأن نقول: يجب أن نعترف بأن “للمجلس الأعلى” ثوابت ومتبنيات متفق عليها تأسيسياَ، ويقف عندها الجميع من حيث الايمان بها، وبنفس الوقت يجب أن لا ينكر بأنه تشكل على اساس أنه تيار اسلامي يمارس عمل المعارض، وأمامه طريق يفوق حجم الاعوام والسنين ليحقق مبتغاه، ويسقط دولة البعث الصدامي، وهنا لابد له من أن يتفق على ثوابت، تأطره وتحافظ عليه على تلك المسافة الزمنية، وتجنبه الانقسامات خلالها، أما اليوم وبعد إن طويت تلك المسافة وإنتهت حقبة البعث، لابد من الرجوع بالمجلس الاعلى، الى نقطة البداية، لتثمين مسيرته كمعارض وطوي صفحتها، والتهيأ لإنطلاقة جديدة وبمسيرة اخرى، يجد فيها نفسه حاكم ولاعب اساسي في الدولة والحكومة، ومن المستحسن بأن يحصل ذلك بداية دخول المجلس الاعلى للعراق عام 2003..!
أخيرا، نخرج بخلاصة تقول: للمجلس الاعلى ثوابت ومتبنيات يؤمن بها ويحترمها الجميع، وللمرحلة السياسية متطلبات وتحديات وحداثة يجب أن يؤمن بها الجميع أيضا، وغالبا ما نجد بأن “المجلس الاعلى” بمتبنياته عند البعض يتقاطع بما تتطلبه المرحلة السياسية..! وبذلك إن جَل ما حصل بأنه يعيش حالة صحية، وبدأ يتهيأ لانتقالة نوعية نحو افق التيار الحاكم، الذي تتطلبه المرحلة السياسية، خصوصا بعدما وجد نفسه بأنه لازال يعيش بمحيط المعارض ..! فهو لا يمكن ان يضحي بما يؤمن به من اسس وثوابت، وبنفس الوقت يؤمن بما تتطلبه المرحلة من تغيير، وخروج “عمار الحكيم” عن رئاسة المجلس، بتيار “الحكمة الوطني” فسح المجال الأكبر، بأن يحافظ التيار بصورة عامة على جميع متبنياته وثوابته التأسيسية من جهة ومشروعه وفكره السياسي المستقبلي في البلد من جهة أُخرى.