لكلَّ حقلٍ قوانينه، ومصطلحاته ولاعبوه وشروط اللعب وساحة الملعب .. ولكلّ حقل أيضا حكّامه وموؤليه ، وجمهوره ..
ومع عشب الحقول تنمو ” الطفيليات ” ، الأعشاب الضارة بأصنافها معا .. ولكن نضارة الحقل تبقى سائدة لأنها القاعدة وليس الإستثناء ولأنها القانون وليس الإدعاء الباطل ..
ومع كل حقل سلطة وسطوة تشيران الى العلاقة الجدلية والفعّالة بين أطراف العلاقة ، السلطة ليس عصا ولا القانون سوطا ولا القاعدة كامنة للإلغاء ..
وفقالهذا العقد تنمو وتزدهر الحقول بنتاجها .. تتجاور وتتلاقح .. تختلف وتتفق .. وهي تسير بفردية عالية وأفق جمعي أيضا ..
لكن أخطر أنواع الطفيليات في عشب الحقول هي”عصا السلطة” حين تكون صافرة لحكم غير نزيه وبدلة فضفاضة لمهرج على مسرح ، ولحن نشاز في معزوفة موسيقية ، وضمير فاسد لمسؤول ، وعقدة نقص لحاملي فايروسات العبودية ، ….
هذه العصا الخارجة من كيس حواة السلطة ستكون مهمازا لشياطين الحقول وبهلوانات السلاطين ووعاظهم ، من ورائهم ومن أمامهم.
عندما تفرضُ السلطةُ شروطها على الحقل ولاعبيه ستنتج عبودية دائمة وأشجارا بلا ثمر ..
يقترن شرط أيّة سلطة بوجود العاملين في الحقل، كأدوات للزينة ومطيبات الطعام ومستلزمات للسهرة ، ومكياج لتصليح وجهها الكالح المجعد ..
هناك لاعبون وحقل وقاعدة ، وهنا عبيد وطفيليات وعصا وساحل من رغوة الرياء ..
………………………………………
.
لو طبقنا هذه المفاهيم العامة على حقل من حقول الانتاج الإبداع العراقي وليكن الشعر مثلا بعاميته وفصيحه .. لوجدنا أنه حقل فسيح وصائت ومتشابك كجذور ” الثيل”، عشب الأرض الأخضر، ..نرى حناجر طرية ، مؤجرة لصوت الآخر .. موكولة بالهذيان عن الآخر..
حناجر لا تكف عن إلتهام الأصوات وإبتلاع الرؤى .. شفاها وتدوينا ..
هم شعراء حقاً ينطبق عليهم شرط الدخول الى حقل الشعر ، لديهم هويات مهنية لا غش فيها ،وسيرة ناصعة البياض كجبين أملس من الحياء . وموهبة متقدة .، ورغبة عارمة في محو الكائنات والأشياء ..
شعراء من خامة الحقل .. أشد إخضرارا من ملعب كرة قدم ، وأرهف من شجيرات الزينة المتدلية من شرفات قصور “السادة”و”المسؤولين” ! ..
…………………………
كيف يكون للشاعر بحث في الرؤيا ونص في الحداثة ومقال في جدل العقل النقدي ، وله أسهم باشطة في سوق الثقافة ومنتدياتها ، وله شأن أن قام وأن قعد ، إن غادر وان حضر .. شاغل الدنيا وماليء الناس ..
وهو عصا غليظة لسلطان أحمق .!!؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كيف يكون الشاعر العراقي الحداثوي منشدا في خيمة دكتاتور خارج من بقايا ” داحس والغبراء” . وتلميذاأرعنلعصارة ” نفايات التاريخ ..؟؟
وكما كانت ” صافرة” الحكم الباطل ” تتجنى على صانعي الفرح الحقيقي . نرى قوافل من شعراء الحناجر الصفراء تساهم وببرود كامل في إشاعة ” ثقافة العنف” والإفتاء بشرعية موت الكائن البشري .
شعراء الحدائة ” لبسوا الزيتوني دفاعا عن بوابة الموت الشرقية ، وتعمّموا انتصارا لثارات السواد .. أنهم في حفلة تنكرية قائمة .. ينزعون جلود ضمائرهم كالحيات ولكن السم ماثل في حناجرهم وأصواتهم .. ..
الشعراء الذين كانوا وصاروا حناجر مؤجرة للردح في مواسم السلطة وعصاها . أصبحوا يمدون ” سوق ” الغواية ببضاعتهم وحسب الطلب ..
نص يمجد الدكتاتور السابق ، ونص يركع لنار الفتنة وسواها .
نصان في جامع واحد
نصان في حقل واحد
نصان من حنجرة واحدة .
………………..
وعندما نتساءل بدهشة شعرية ماثلة في جينات الشعر وشياطينه .. لماذاُتكشر البراءة أنيابها ؟؟
سيجيب الشاعر الحنجرة .. إنها الحياة
ويجيب الشاعر القاتل .. إنها الاوامر
ويجيب الشاعر المرائي .. إنها التورية .
ويجيب الشاعر البهلوان .. إنها لعبة وطلاء
لا أحد يضع أعترافه في صحن الضمير ويصرخ ..
أنا المسعور ، الموكول بالنباح في الحقل .. أنا الأصفر الجاني ، أنا الاخضر في دموع السبايا .
أنا القاتل بعصا السلطة
………………………….
خرجت الافاعي من أرواحالشعراء قبل كيس الحواة… لا لترقص طربا بل لتلدغ قصدا
لا لتنام في الجحور بل لتحيا في بحور الشعر ونهر قوافيه ..
الأفاعي الموزونة جدا ُنثرت جلودها في حقل الفوضى ..
فأنتجت سما ” وطنيا ”
َحمَلّه الشعراء قميصا للفتنة .
هكذا كان الشاعر العراقي ” الزيتوني ” سابقا ” و” المعمّمم ” حاليا :
كلاهما يمتلك عصا السلطة وصوتها . وصافرتها ..
بوسع الحناجر هنا .. أن تكون أبواق نحاس لوجوه متجعدة بعصا السلطة وحناجر الشعراء..