23 ديسمبر، 2024 3:28 ص

الأوطان تبنى بسواعد أبناءها… رسالة قصيرة

الأوطان تبنى بسواعد أبناءها… رسالة قصيرة

ان النظرة الفاحصة الى تاريخ الحضارات و الانسانية و الخبرة و تجارب هذا الانسان في حياته تظهر بأنها تبنى على اكتاف المخلصين من ابناءه و ليس كل الابناء ايضاً , فالوطن ونستطيع ان نقول كل بيت يملك من الابناء المخلصين في نواياهم في البناء الجيد و الرصين , فأنها فعلاً قد بنيّ و بقي و لعب دوره في الحياة , وما انهيار البلدان و الحضارات و الامبراطوريات إلا كان على ايدي الخونة من ابناءها و طبعاً بمساعدة من هم خارج الحدود الذين ينظرون الى كل الامور وفق مصالحهم , وليس حباً او من اجل سواد عيون الشعوب الاخرى , وهكذا هي الحياة فليس من المعقول ان يحمل الاجنبي معوله و يبني وطن غيره دون ان يكون له منفعة او يحصل منه على خدمة .
في عالم المصالح تأتي النوايا الحسنة و فعل الخير في آخر السلم الاولويات بل قد لا تأتي ابداً , و الادهى منها انها تضحي بالابرياء و المساكين من اجل تحقيقها , لانها هي الهدف و المطلب من كل ما يقوم به , و ان كان في الظاهر على غير ذلك , و يختبئون خلف بعض المصطلحات و المفاهيم المصطنعة التي هي بعيدة عن الانسانية والعاطفة وتقديم الخدمات .
ان الابناء المخلصين هم الثروة الكبيرة لكل الاوطان و بحنكتهم و عقولهم و علمهم و عملهم ليلاً و نهاراً و حبهم العمياء له و اخلاصهم يشهد الوطن ارتقاءه و سموه و يفتح الطريق امامه نحو العلا في العالم , لانهم الكنز الدفين و الذخيره الحية التي تحمي هذه الاوطان في وقت السلم و الحرب معاً مثل جهاز المناعة, لايعرفون التعب و الملل وهم اول من يضحون و آخر من يستفيدون .
ان دولة العراق منذ تأسيسها عام 1921 كانت على يد بريطانيا و بالتحديد مندوبها السامي (برسى كوكس) و ظل تحت الانتداب لفترة طويلة , فان كانت لبريطانيا دوراً في بناءها إلا انه يصب في صالحها , و انها كانت تقرر و تشرع وفق سياستها لجني اكبر قدر من المصالح لها وحمايتها و معيار دعمها لمن في السلطة هو استجابته لأوامرها و تحقيق اهدافها دون النظر الى مدى قيام هذه الحكومة بتقديم الخدمات للشعب الذي ظل يتألم و يأنّ تحت الوعود اليومية بتحسين احوال معيشته وشاع بين الشعب من الرؤساء والوزراء والمسؤلين الكبار في الدولة أنهم رجال بريطانيا مثل نورى السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى.
و كذلك (بول بريمر) الحاكم المدني الامريكي في العراق بعد عام 2003 صاحب الصلاحيات الواسعة التي كانت تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية، قرر حل جميع دوائر و مؤسسات الدولة الامنية و الدفاعية و الاعلامية والخدمية و كأن العراق سيبنى من جديد وفق خطته دون ان يراعي مشاعر العراقيين و احوالهم و ما سيئول اليه الامور في المستقبل كمن يبني بيتاً وفق أهوائه وميوله كيفما يشاء , فكانت الحرب الطائفية و التهجير و التدمير و الفساد و ظهور الجماعات الارهابية مثل القاعدة و داعش و غيرهما و اخيراً اطلاق يد الدول الاقليمية في الساحة العراقية و الشعب المسكين ضحية كل ذلك ناهيك عمن ترك وطنه و اختار العيش في المهجر تاركاً وطناً يعشقه و يحلم به كل ليلة .
و للقصة بقية ، فان ايران استغلت الفرصة و دخلت الحلبة , كأنها هي المالك و المتصرف و عاثت في العراق الدمار و الخراب بسياساتها التي لم يسلم منها الشيعي قبل السني و الكوردي , فان قاسم سليماني يجوب من ادنا العراق الى ادناه و ينفذ سياساته وفق مصالح ايران التوسعية , و عند خروج المظاهرات في بداية شهر 11/2019 و ما قبلها و رفعها شعارات مناوئة لسياسة ايران في العراق دخل هو على الخط و اجتمع مع الموالين له و خطط و حاول القضاء على كل من يقف بوجه مطامعهم دون ان يكون له ادنى رحمة و رفقه بالشعب الذي طال صياحه من اجل ادنى مقومات الحياة بل انها الفرصة التي لاتتكرر في ان ينتقم منه لأحداث مضت .
و ما اكثر (برسي كوكس و بول بريمر و قاسم سليمانى) في التاريخ , و كم من العقول و المفكرين و العلماء الوطنيين ذهبت جهودهم و نتاجاتهم ادراج الريح دون ان يستفاد منه الوطن و باتوا محل افتخار واعتزاز لبلاد المهجر اذا بقوا احياء .
نحن في كوردستان بحاجة الى اعادة النظر في هذا الموضوع المهم ولا ننتظر من الاجنبي ان يبني لنا الوطن و يخدم شعبنا والوطن مليئ بالمخلصين والعقول النيرة التي خدمت وستخدم بكل وسعها وعلى اكتافهم ستشهد الاقليم تطوراً و تميزاً إذا ما فتحت الابواب بوجههم وسنحت الفرص لهم وليس بجهود المفسدين المتطفلين الذي باعوا انفسهم بثمن بخس والمتمرسين على التملق والنفاق والإظهار بأكثر من وجه الذين لا يعرفون غير ذاتهم ولا يهمهم إلا مصالحهم، فكم من صامت مخلص خادم قد دسه ألاقدام القذرة وكم من ثرثارٍ مفسد قد وصل والحكيم من يفرق بينهم ويقرر الصحيح، لأن الشعب هو مصنع القادة والعلماء والادباء الشرفاء من اهل النزاهة والصدق .
وعليه، فإن على القيادة السياسية في الاقليم ان لا تنتظر من الخارج ان يفتح بابها نحو التنمية والتطور والازدهار، بل عليها ان يفتحها من الداخل لتكون اكثر قوة و رزانة و واقعية في الأنطلاق و نرضى بقليلنا النقي مع الاستفادة من تجارب الاخرين دون الاعتماد عليهم كلياً.