ان ألقاء نظرة فاحصة على خارطة الصراع في العالم، وعلى ما فيه من حروب سواء كانت الخفية منها او المحتدمة بالتصريحات والتهديد باستخدام القوة ان اقتضى الحال، او الحروب الفعلية، وعلى وجه التحديد في منطقتنا العربية وما يجاورها او بالقرب منها او على البعد منها، والمشتبك مصلحيا بما جرى ويجري وسيستمر يجري فيها الى حين مسمى بإرادة وتوقيتات المصالح الدولية والاقليمية، مما يؤكد ويشير بوضوح؛ ان هناك هدافا لهذا الصراع، الهدف منها( الحروب..)؛ هو الوصول او بلوغ اهداف تلك القوى الفاعلة او المُفَعلة للصراعات بالإنابة عنها، سواء القوى الاقليمية الكبرى، او القوى الدولية الكبرى وعلى رأس هذه القوى الدولية؛ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والاخيرة بطريقة مختلفة وغير مباشرة، اي انها تبتعد حتى الان على النزول الى ميدان الصراع بقوتها الخشنة كما يفعلا اللاعبان الاخران، والاستعانة عنها باستخدام قوتها الناعمة.. في ظل هذا الوضع الاقليمي والدولي، ما يؤسف له؛ هو اختفاء الفعل العربي في الاحداث لجهة الاهداف مع انها اي الدول العربية هي ميدان واهداف هذا الصراع سواء كان اقليميا او دوليا، والأخير يعتمد في التنفيذ بالشكل غير المباشر اي بتلاقي الاهداف، على جوارها الاقليمي، عربيا كان أو اسلاميا، وليس في الجوار البعيد او القريب، بل المحادد للدول العربية المضطربة بالحرب الاهلية، او الفوضى وضياع بوصلة الطريق الوطني.. والمقصود هنا ما جرى ويجري وما سوف يستمر يجري فيها الي الحين المسمى، والمؤجل حتى يتم انضاج طعام الوليمة على ما تولده مقذوفات المدافع وصواريخ الطائرات، واخواتها صواريخ الكاع، أو كاتمات الصوت، أو معارك الهويات الاثنية والطائفية والعرقية، من النيران تحت قدور اطعمة مأدبة الشياطين، الكبار منهم والصغار. أن المؤلم هنا، هو تحول انظمة الحكم العربية بإرادتها او الانصياع، والرضوخ للإرادة الامريكية والصهيونية؛ كأداة تشتغل او يجري تشغليها لحساب الاهداف الدولية الكبرى. أما إرادة قوى المعارضة لهذه الانظمة، فهي تعكس تمثلا حقيقيا وواقعيا لإرادة القوى الاقليمية الكبرى، في الأدلجة.. وفي الميدان السياسي والفعل العسكري على الارض. ان قوى المعارضة لهذه الانظمة، التي ارتبطت مصلحيا؛ تأسيسا وغاية بمصالح القوى الدولية الكبرى او بمصالح القوى الاقليمية الكبرى على حد سواء، وليس المعني هنا؛ قوى المعارضة الشعبية التي تمثل او تعكس نبض الشارع العربي، وهي كثيرة وفاعلة، لكنها مقموعة بقسوة لامثيل لها اوتم وضعها في خانة الارهاب او اتهامها بالدعوة الى الكراهية، أو التحريض على العنف؛ كي يسهل تصفيتها؛ حين يتم او تم بناء جدار صلب ومرتفع من الشك والريبة بها وحولها، وبأهدافها وغاياتها، مما شكل حاجز صد، وحجب، ومنع وصول خطابها السياسي والثقافي والاجتماعي الى الجماهير التي تمثلها، مع انها بعيدة كل البعد عن الارهاب أو الدعوة الى الكراهية أو التحريض على العنف الا اذا اعتبرنا النضال والكفاح من اجل الحرية في وطن حر وغير مستلب الارادة والاستقلال يقع داخل التأطير سابق الذكر في هذه السطور، وهذا يعني في اهم ما يعني؛ كسر لحقائق الواقع الفعلي، وضروراته ومقتضياته التي تفرض فرضا، الجهاد، لأسترجاع الحقوق المغتصبة.. ان تشويهها أو احاطتها بالضباب او رسم صورة رمادية غير واضحة عنها؛ خطابا وتوجها وغاية، يتم بفعل فاعل قصدي، بالتغطية الاعلامية الممنهجة و المبرمجة علميا وسيكولوجيا؛ تغطي على تلك التوجهات وافاقها وقصدياتها لاسترجاع الوطن المباع او المخطوف أو المحتل، وتحرير الارادة الشعبية من سجانيها في سجون التهويم والتجهيل، بجعلها لا تخرج من الظل والهامش كي لا تكشف للناس عورة السجانين، وهم يتربعون على عروشهم بالقسوة والتغيب تارة وبالخداع والغش والكذب تارة اخرى، أو كأداة لمشاريع الراعي الدولي في الوطن العربي، كي يحميها من غضب الشارع العربي، بحجب الحقائق والتغطية على جرائمها بحق شعبها، تارة اخرى. ان هذه الصراعات في المنطقة العربية، وهي التي تهمنا في هذه السطور المتواضعة؛ لا تخرج باي حال من الاحوال مما يجري في العلن او في الغرف المظلمة من قبل القوى الدولية الكبرى؛ حول اعادة تشكيل النظام العالمي؛ لأن هذه الصراعات وما سينتج عنها من تغيير للواقع السياسي وحتى الجغرافي في دول المنطقة العربية، سيكون ميدان مساومات ومقايضات بين هذه القوى الدولية، والاقليمية معا وعلى حد سواء، التي هي في حينها من تقدم الحلول بالتشاور فيما بينهم، اولا لغياب الفعل العربي المؤثر؛ لعدم امتلاكه ادوات فرض الارادة بفعل التبعية والقبول بالدور الوظيفي لصالح القوى الدولية الكبرى؛ الاتحاد الروسي، والولايات المتحدة الامريكية ومع الاخيرة الكيان الصهيوني كمعقب لها او كظل لها مع انه اي الكيان الصهيوني فاعل مؤسسي للقرار الامريكي. في الجانب الثاني، في جوار المنطقة العربية؛ تركيا وايران، عملا على ترسيخ وجودهما في اي حل مقبل للأوضاع المتأزمة في دول المنطقة العربية وجوارها، او بلغة هي الاكثر تمثلا للواقع المعيش لحروب العرب العبثية مع بعضهم بعضا، وهنا نقصد الحروب التي لا تمثل ارادة الناس بل هي في الضد تماما من تلك الارادة. نلاحظ بوضوح ان القوى الدولية الكبرى او العظمى؛ الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي، يعملا في الغرف المغلقة، وراء ابوابها المؤصدة؛ على ايجاد مخارج او حلول لتلك الحروب او النزاعات، بالتشاور ولو بعد أجل معروف التوقيتات لديهم مع القوى الاقليمية الفاعلة في المشهد السياسي، كل حسب مناطق تأثيره، في غياب كامل للإرادة العربية في انتاج تلك الحلول في دول المنطقة العربية التي تعاني من الفوضى والحروب الاهلية. أن الدول الاقليمية الكبرى التي تقاتل على الارض العربية، بأبناء دول المنطقة العربية، في ايجاد وجود لها، يسمح لها في انتزاع اعتراف دولي بدورها الاقليمي، حين يجري وكما هو حاصل في بعض الدول العربية؛ في البحث عن حلول لتلك الصراعات؛ لأنها بكل بساطة نجحت في ايجاد كتلة ايديولوجية دينية، وسياسية وعسكرية صلبة، في قواعد اللعبة الايديولوجية والسياسية والعسكرية في بعض دول المنطقة العربية؛ لبنان، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، والدولتان الاخيرتان، التدخل العربي فيهما؛ مخربا ومدمرا، وليس مفيدا بل العكس هو الصحيح.. ايران مثلا تتناطح مع الولايات المتحدة الامريكية، بمواصلة الصمود في مجابهة عقوبات الولايات المتحدة الامريكية عليها، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لكسر إرادة الاخيرة، هذا اولا، وثانيا هز الارض في مناطق تواجدها( أمريكا) لزرع القلق الامني والخوف في نفوس عسكرييها، ودبلموسييها، في العراق مثلا، وفي غير العراق من الدول العربية، لبنان مثلا وليس حصرا؛ لإجبارها في اخر المشوار، على الاعتراف بها كلاعب اقليمي لا غنى عنه في اي حل اقليمي لصراعات دول المنطقة العربية سابقة الاشارة، بفعل ما تمتلكه من كتلة ايدولوجية دينية صلبة، لها، قوة ضغط سياسية وعسكرية، قادرة على ابطال اي حل ان لم تكن هي من تشارك فيه، بما يجعل منها؛ لاعبا سياسيا معترف فيه دوليا اي امريكيا في دول المنطقة العربية.. وما ترتب على هذا الاعتراف من مغانم ومكاسب وتحقيق للطموحات القومية. ان النظام الدولي في السنوات الاخيرة يعاني من خلل كبير، وفوضى واضطراب. أذ، لم يعد مجلس الامن الدولي قادر على صناعة السلام والاستقرار في جميع اركان كوكب الارض. ان كل دولة تمتلك القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، وقوة اصدار القرار من مجلس الامن او قوة ابطاله؛ تتصرف سياسيا وعسكريا بما تمليه عليها مصالحها بصرف النظر عن قانونية هذه المصالح او عدم قانونيتها. عليه، تصاعدت في السنوات الاخيرة، من الدول الكبرى التي وجدت نفسها غير قادرة على مواجهة التغول الامريكي في ظل النظام الدولي الحالي، وبالذات من الاتحاد الروسي، والصين؛ لذا، أخذت تتبنى الدعوة أو تدعو الى اعادة صياغة مجلس الامن الدولي او توسعته بما يلبي او ينسجم مع التطورات في العالم، وبما يضع حد للتجبر الامريكي. الولايات المتحدة هي ايضا، على الرغم من جبروتها، وجدت نفسها هي الاخرى في حالة ضعف وتراجع؛ قد يقود الى اختفاء دورها الريادي في العالم، في ظل صراعها الحالي او المقبل مع الصين التي تنازعها على زعامة العالم. اذاً، ان العالم مقبل لا محال على تشكيل نظام دولي جديد. مستشار الامن القومي الامريكي، صرح مؤخرا، على ما يجري من مفاوضات بين امريكا وروسيا في الحد من السلاح النووي الاستراتيجي، بما معناه وليس حرفيا: ان المباحثات بين الولايات المتحدة وروسيا بناءة وقد نقاشنا؛ عقد مؤتمر للدول الكبرى، الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي، في اقرب وقت ممكن ومتاح؛ لمناقشة اعادة صياغة النظام الدولي بما يحفظ الامن والسلم والاستقرار في العالم( بما يحفظ مصالح الدول الكبرى اي تقاسم النفوذ والمصالح على حساب مصالح دول العالم الثالث..). هذا يعني في جانب منه؛ خلق بيئة سياسية عالمية ملائمة، لأعادة تشكيل النظام العالمي من جديد؛ مما يؤكد ان هناك طبخة تعد لتصفية بؤر النزاع والحروب.. في المنطقة العربية وايضا في غيرها من بقاع الكرة الارضية. بكل تأكيد سيكون هنا دور للدول الاقليمية الكبرى كما اسلفنا القول فيه، في هذه السطور المتواضعة؛ في وضع الحلول او المشاركة والمساعدة في وضع تلك الحلول بفعل امتلاكها لمراكز عسكرية وسياسية، قوية، وصلبة، وفاعلة في اللعبة، لا يمكن للدول الكبرى، امريكا وروسيا على وجه التحديد بقادرة على تجاوز هذه القوى الاقليمية الكبرى، ان ارادت لحلولها النجاح في تصفية مناطق الحروب والاضطراب والفوضى في دول المنطقة العربية، وفي الوقت ذاته تحقيق مصالحها التي من اجلها اشتعلت المنطقة بالحروب والفوضى أو انها هي من اشعلتها كي تتمكن من الوصول بالمنطقة العربية الى الوضع الراهن الذي تعيش فيه؛ حتى تحقق مصالحها عبر تقديم الحلول لأنهاء الفوضى والاضطراب والحروب، بما يضمن لها نيل تلك المصالح. هنا وفي هذا الوقت اي الوقت المقبل؛ تبدأ المساومات، والمقايضات في المصالح، بين القوى الدولية الكبرى، روسيا وامريكا والكيان الصهيوني كمعقب لخطوات عرابه الامريكي، وبين القوى الاقليمية الكبرى.. يبقى السؤال المهم والمصيري؛ اين نحن العرب؟!.. من كل هذا الذي يدور على ارضنا وبدماء ابناء شعوبنا العربية، وبالضد في نهاية المسارات من مصالح شعوبنا واو طننا العربية، بل انها حطب للنار التي اشعلتها انظمة الحكم العربي سواء بطغيانها او بقبولها راضية بالدور الوظيفي كوقيد لقدح شعلة النار في حطب الفوضى والاضطراب والاقتتال الاهلي وتمزيق النسيج المجتمعي لأمة العرب، وتراجع الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية. بانتظار حلول الراعي الدولي، الذي سيستعين بالفاعل الاقليمي من القوى الاقليمية الكبرى، بمساومات وترضيات؛ تضمن المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية العظمى، ومصالح القوى الاقليمية الكبرى في اطار وحدود الاوطان العربية.. ان هذا الذي افترضناه او هو ما يخطط لأوطننا العربية؛ افشاله يتوقف على وعي الشعوب العربية.. بالتصدي له في جميع ميادين المواجهة.. ان هذا المخطط في نهاية المسارات لن يكتب له النجاح بل ان الفشل هو مصيره..