مرت العملية السياسية في العراق ومنذ العام 2003 بمخاضات شتى ادت الى ولادة عملية سياسية مشوهة لم تقو على لملمة مفاصلها لتتجاوز مراحل البناء الاولي والتي من الطبيعي ان تواجهها جملة من العراقيل بسبب صعوبة التحول من نظام دكتاتوري ضرب عميقا في ترسيخ سياسة القمع والاستبداد وربط منظومة ادارة الدولة بقرار الزعيم الاوحد ، نحو توطين نظام سياسي يعتمد اسس الديمقراطية الصحيحة .
وقد يعزى سبب ذلك لفقر تجربة الساسة الجدد في مراحل ممارساتهم التطبيقية وقلة تجربتهم في ادارة مفاصل بناء الدولة بعد خروجهم من افق وأسلوب العمل السياسي في فترة ألمعارضة والتي اجتمعت اطرافها بمختلف انتماءاتها السياسية والمذهبية للقبول بمبدأ الاتفاق على عمل مشترك يفضي للإطاحة بالنظام الدكتاتوري ومن ثم الدخول للعمل على بناء نظام سياسي ديمقراطي يتفق الجميع على رسم معالمه وأسسه وتثبيت ارضيته الصحيحة.
وبعد عشر سنوات من تقييم عمر التجربة ودراسة تداعيات نتائجها يمكننا الجزم ان الخلل بعدم استقامة العملية السياسية واستقرارها يكمن اساسا في مستويات بنية الوعي والثقافة السياسية التي تاطرت بموجبها سياسات وبرامج القوى والكتل التي مسكت بمؤسسات الدولة برمتها وتحكمت بادارة السلطات التشريعية والتنفيذية ، وتسبب فقر وقلة تجربتهم الميدانية وضعف امكاناتهم بتأخير عجلة بناء الدولة وفق اسس علمية صحيحة وفشلت في ترسيخ عوامل التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تصب نتائجها لخدمه المواطن العراقي وتغيير وتحسين نمط حياته العامة.
وغالبية هؤلاء الساسة جاءت بهم الى الواجهة المحاصصة المقيتة تغلبت فيها مفاهيم خاطئة في استيعاب قواعد الاستحقاقات الانتخابية ترسخت على الشك بالاخر وفقدان الثقة بين الفرقاء ادت الى تسليم مقاليد ومفاصل الدولة الى شخصيات موالية لأحزابها وكتلها وسمحت بموجبها الكتل السياسية ايصال عناصر ثانوية ضعيفة لشغل مناصب سيادية وإدارية لم يتمكنوا من خلالها تقيدم جهد يصب في صالح بناء مؤسسات الدولة ، بل على العكس ساهم وجودهم باستشراء الفساد الاداري وتغليب لغة القبيلة والعشيرة في الية توظيف المعارف والأقارب ووضع شعار الولاء للحزب او الكتلة في اولوية الاهداف عند تسلم المنصب او الحقائب الوزارية فأصبحت كل مؤسسات الدولة تجير بعنوان انتماء مسئولها وصفته الحزبية والمذهبية وهذا بالتالي سمح لنمو المفهوم الطائفي والحزبي وخلف ادارات فاشلة لم تقدم لبلدها اي خطوة بالاتجاه الصحيح انعكست اثارها على تراجع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ورغم مرور عشر سنوات على عمر التجربة الديمقراطية في العراق شهدنا خلالها اربع تجارب انتخابية الى انها لم تحدث تغييرا لاصلاح بنية العملية السياسية في العراق بل رسختها بسبب عدم التوصل لآلية انتخابية تقود الى تغيير واستبدال هذا الصنف من المسؤولين بعد ان عصف حب السلطة وشهوة منافعها وامتيازاتها في عقول قادة الكتل وممثليهم صار معها من الصعب توافقهم على وضع قانون انتخابي قادر على تغيير المعادلة قد يصيبهم بالضرر ويوقف حجم طموحاتهم التي وصلت الى مستوى الغرور والتبجح والتهافت على المناصب بمختلف الوسائل كان من اخطر ابعادها تنامي لغة التسقط السياسي التي شغلت هؤلاء الساسة في محاولة النيل من بعضهم البعض في المكون واتحالف الواحد لتعويض النقص الحاصل في افتقارهم للبرامج السياسية والخطط الادارية وغياب الرؤية والوعي السياسي في تسيير عجلة الدولة ، وبدأت النزعات الشخصية تتضخم الى حد اصبح الكثير منهم يجد في نفسه البديل الاوحد لخلاص العراق من محنه وأزماته وما سواه تكمن فيه اسباب العلة والمعلول في تاخير .
وسنبين في سلسلة من المواضيع بعض هزال هذه الشخصيات من مختلف الكتل السياسية التي كانت سببا في تعطيل وتأخيير مفاصل الدولة وعرقلة مسار العملية السياسية برمتها .
ومن ابرز الشخصيات التي اتصفت بفقر امكاناتها ومارست لغة الغرور والتبجح السياسي هو ” باقر جبر صولاغ” الذي كان ابان المعارضة شخصا فاشلا وهامشيا انتفخ حجمه وتضخم وسط هلوسة العملية السياسية المفككة لينمو ويترعرع وسطها بعد ان اسندت له كتلته (المجلس الاعلى) جملة من الوزارات لا يصلح ان يكون فيها موظفا وليس وزيرا !!
والأدهى من كل ذلك صار الرجل بين ليلة وضحاها مضرب الامثال ، فعندت سلمته كتلته وزارة الداخلية فحاز على لقب الوزير ابو “الدريلات” عندما عاث في وزارة الداخلية فسادا وحولها الى ثكنة عسكرية ، في عهده شهدت بغداد اكبر مشاهد لملحمة الجثث المرمية في الطرقات وكثرت في عهده السجون السرية المجهولة العناوين.
وبدل ان تبحث كتلته عن بديل لفشله واصلت توزيره في دورة جديدة ليصبح وزيرا للمالية ، سادت في عهده الفوضى في اجراءات الموارد المالية للعراق ووصلت مافيا التحويلات في البنك المركزي على اشدها ولا زالت الكثير من ملفاتها الخافية لم تكشف بعد وكان صاحب اخطر قرار تبنى فيه فكرة عدم الموافقة على تمرير قرار تعديل سلم رواتب المدرسين والمعلمين بسبب مقولته الشهيرة “انهم طبقة لا تستحق لأنهم ظلوا يعملون في ظل نظام صدام في مدارسهم ولم يلتحقوا في المعارضة في الاهوار وهذه مقولة موثقة بحقه !!!
ورغم كل ذلك يخرج مصرا و متبجحا بانجازاته الوهمية والتي يتغنى بها عبر اكثر من لقاء تلفزيوني ليصور للعراقيين بلغة الانا التي يعلن من خلالها ان خلاص العراق سيكون على يده اذا ما انتبه الشعب العراقي الى هذه الحقيقة وتوسل لصالح تسلمه منصب رئيس وزراء العراق القادم لانه زاهد في المنصب ولا يسعى اليه !!! .
السيد جبر كما يطلق المثل العراق الشعبي “جبر من بطن امه للقبر” يريد ان يستبدل هذه المقولة بـ”جبر من السوك الى رئيس الوزراء”
ويريد ان يقنع العراقيين بانتقاداته المتكررة لإدارة “المالكي” لحكومته بأنه هو وليس شخص اخر قادر على ان يأخذ بالعراق الى ضفة الخلاص وحين يسال من قبل مقدمي البرامج في الفضائيات التي صار بطلها عن اسباب قناعته هذه كثيرا ما يكون جوابه “لأنني ابن سوك ” يعرف كل الامور ولا يعرف الناس منها شيء فهو البزاز ابن البزاز كان يمسك سجلات ابيه وهي شهادة تمنحه القدرة على ادارة اقتصاد العراق بنجاح !! وان عمله بزاز في دكان والده يذرع له القماش يعطيه الخبرة لان يذرع للعراقيين بالجنة !!!
ولأنه “ابن سوك” فهو العارف بكل الحرامية والعصابات والمجرمين والارهابين الذين يمكرون في العراق وبالتالي تفيده هذه القدرة ليكون القائد العام للقوات المسلحة مخلصا بلده منهم !!
ولأنه “ابن سوك” فهذا يعني ارتباطه الوثيق بالمشترين يراجعه الكثير منهم يوميا ومن سوالفهم وأحاديثهم يقدر ان يستوعب مشاكلهم وهمومهم وهذه القدرة تجعله رئيس وزراء ناجح للشعب !!!
جبر صولاغ تفاقمت عنده لغة الانا النرجسية الى درجة اصبح لا يمكن ان يتخلص منها إلا بوجود نفسه بديلا عن نوري المالكي في ادارة الدولة ففي كثير من الاسئلة التي طرحت عليه عن تقييم تجربة المالكي كان وبإجابات مغرورة تهكمية يعلن انه كثيرا ما كان ينصح الاخ المالكي ليفعل هذه ولا يفعل تلك لكن الاخير لا يلتزم !! مما جعله يخطا كثيرا الامر الذي يترك الخيار للسيد جبر ليقوم بنفسه بالتغيير ويطرح اسمه كبديل ليستلم في المرحلة القادمة رئاسة الحكومة القادمة ويصحح مسار الاخطاء !!!
ولأنه كان يشرف على صحيفة “نداء الرافدين” ابان المعارضة كانت واحدة من اضعف وافشل الصحف التي كانت تصدرها المعارضة باعتراف كل من عمل فيها كونها صحيفة بائسة وهزيلة المضامين بسب فقر”ابن السوك” لأبسط معايير وتجربة العمل الصحفي وفجاجة وضحالة ما كان يكتبه … ولكن ذك منح “ابن السوك” مسوغ ليعلن في اكثر من مرة انه اعلامي ناجح يعطيه الحق في تسلم وزارة الثقافة اذا ما سنحت الفرصة بحكم تجربته وباعه الطويل في العمل الصحفي تمنحه صفة العارف بكل حيثيات ومتطلبات تصحيح مسار الاعلام العراقي المتهرئ عند تسلمه رئاسة الوزراء القادم !!! .
كما اجتمعت به كل صفات التكامل في الشخصية القيادية لإدارة الحكومة والدولة فهو بزاز يجيد فن الاقتصاد والموارد المالية واختلط بالناس فصار مخبرا لأحوالهم فنجح في وزارة الداخلية تمهيدا له لاستلام مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وعمله صحفيا يؤهله ليكون مدافعا عن خطاب ومعلومة ألناس وثقافتهم !! بأي ساسة سذج نساس نحن ؟؟
جير صولاغ يريد ان يقنع نفسه والعراقيين بان بظهوره المتكرر على شاشات الفضائيات البائسة الاسئلة عندما تحاوره بات اقرب او قاب قوسين او ادنى من الجلوس على مقعد ادارة البلاد في المرحلة القادمة متناسيا ان ماضيا فاشلا يوسم تجربته الفقيرة لا يقوى معها الجمهور ان يعطيه ثقته ليكون وزيرا او مديرا عاما والخطأ كل الخطأ عندما جلس نائبا في البرلمان لا هم له وفريقه سوى عرقلة عمل الحكومة او الاصطفاف مع مناوئيها من اجل ان يقال ان رئيس الحكومة فاشل و”نحن” البديل …
وكثيرا ما يتبج وكتلته في البرلمان بالتنازل عن امتيازات سبق للآخرين المطالبة بإقرارها بقوانين لكنهم اكتفوا اعلاميا برغبتهم لتحقيقها ويعلنون رفضهم لها بالخفاء حين يجد الجد في مناقشة قوانينها فتصبح اكاذيب يتظاهرون فيها دعائيا في الاعلام ، كان اخرها المطالبة في ايقاف رواتب نواب البرلمان ومجالس المحافظات والتي سبق وان طالبت فيها كتلة اخرى مرارا وتكرارا وبلا تبجح اعلامي امتنعوا هم ملتزمين الصمت ازاء تأييدها وصاروا اليوم بأسلوب دعائي واضح من اشد المتحمسين لها في وسائل الاعلام ومن اشد الممانعين على تنفيذه قانونيا !!!!
وليس غريبا لغة الانا الطاغية عند جبر صولاغ، لأنه سليل كتلة ترفع شعار “نحن” عندما تروج لنفسها انتخابيا مخاطبة العراقيين ..نحن الخلاص …ونحن الطائر المحكي والآخرالصدى ….نحن الامل .. نحن “محفظتي أولا” وهو اصدق خطأ لشعار يمكن لباقر جبر صولاغ وكتلته تطبيقه بنجاح وأيام قادمة ستثبت صحة ما نذهب اليه……
ولحين حلول الكارثة على العراقيين ان لا يستوحشوا فراغ محفظاتهم بعد ان تبوأ اخوة صولاغ المحافظات ليفرغوا خزائنها بانتظار ان يستحوذوا على سدة الحكم ليحققوا فيه وعدا قطعه الاب الروحي الراحل”عبد العزيز الحكيم ” ليسدد ما بذمة العراق من دين مقداره مائة مليون دولار تعهد بسدادها كتعويضات للحرب مع إيران وغادر الدنيا مغفورا له ولم يتحقق الوعد ولابد لأحفاده ومواليه من الالتزام بالعهود والمواثيق لسدادها وسيكون للخبير العارف بكل بواطن الامور وظواهرها باقر جبرصولاغ” القدرة على ادارة هذه المسؤولية ،وحتى ذلك الحين سنستعرض في مواضيع لاحقة نماذج اخرى من شخصيات الأنوية في السياسة العراقية وللموضوع صلة …. “الانوية في السياسة العراقية من ساسة الخيل الى سياسة الدولة …صالح المطلك انموذجا ج 2