هذه المقالة هي بمثابة قراءة وتلخيص لدراسة هامة نشرت في مجلة التنمية المستدامة التي تصدر عن منتدى الموارد الطبيعية التابع للأمم المتحدة لأستاذة جامعية هي الاستاذة ندى الظواهري/ أستاذ مساعد/ جامعة كليفلاند/ أوهايو.
والدافع وراء قيامي بترجمة وتلخيص هذه الدراسة هو تصاعد القلق بسبب الانهار الدولية في العالم العربي وتناول الموضوع، احيانا ، من قبل بعض الصحف وبعض الكتاب في مواقع التواصل الاجتماعي بدون المام كاف بكافة جوانبه والمبالغة في تضخيم المخاطر او المبالغة في التهوين من جدية تلك المخاطر .
وتهدف هذه الدراسة إلى فهم دوافع الدول لكي تستثمر في جعل أنهارها الدولية أسباباً للصدام أو التعاون ،كما انها تبرز أهمية الأنهار الدولية في إقامة علاقات بين الدول المتشاطئة أو أن تكون سبباً لتهديد أمنها الوطني . فالنهر يفرض اعتمادية متبادلة ونوع من العلاقات الهشة التي تؤثر على قدرة الدولة على الاستجابة بكفاءة على حالات الجفاف أو الفيضان . أو الاستجابة لحاجاتها المحلية للغذاء والطاقة أو ضمان جريان النهر أو تخصيص موازنتها المائية المحلية بين الاستخدامات المختلفة .
ولا شك أن عدم القدرة على أداء هذه الواجبات من قبل الدولة يتسبب في خسائر اجتماعية واقتصادية وسياسية والتي قد تهدد الوحدة الإقليمية للدولة .
وتحاول الدراسة إن توضح إن فرضية كون الدولة التي في أعلى النهر هي وحدها قادرة على التسبب بخسائر للدولة التي في أسفل النهر ، فرضية غير واقعية وأن العلاقة والتأثير المتبادل بين الدول التي تتشارك في أنهر دولية هي أكثر تعقيداً مما تذهب إليه الكثير من الأدبيات حول الموضوع .
التغير المناخي والجفاف :-
من النتائج المتوقعة للتغير المناخي هو الانخفاض في كميات المياه العذبة وزيادة حالات حصول الفيضانات والجفاف . وأن تلك الظاهرة يتوقع أن تكون سبباً في ازدياد الخلافات بين الدول حول الأنهار المشتركة . ونظراً لوجود ثلاثة أنهار تمر ببلدان عربية ضمن الأنهار التي شملتها الدراسة (دجلة والفرات واليرموك) ، ولأهمية موضوع الدراسة ، نستعرض فيما يلي ابرز النقاط التي وردت في الدراسة .
1 – الاعتماد المتبادل على الأنهار الدولية :-
* اعتمادية الدول التي تقع أسفل النهر :
إذا لم تقّدم الدول التي تقع أعلى النهر بيانات سليمة وفي الوقت المناسب إلى جاراتها التي تقع أسفل النهر ، فان الأخيرة سوف لن تستطيع اتخاذ الإجراءات اللازمة بتقليل الآثار السلبية للفيضانات حيث أن التحذير المبكر من الفيضان مهم لتقليل الخسائر .
وعلى سبيل المثال فان خسائر الهند من فيضانات عام 2000م كان يمكن تخفيضها لو أن الصين التي تشترك معها في أحد روافد نهر براهما بوترا زودتها بتحذير من الفيضان . كذلك لو أن الهند زودت بنغلاديش بتحذير من الفيضانات لاستطاعت الاستعداد وتخفيض الخسائر والتي كانت تقدر بمليارات الدولارات إضافة إلى عشرات آلاف القتلى .
ونفس الشيء يحصل لو أن الدول أرسلت تحذيرات من الجفاف إلى جيرانها المتشاركة معها في الأنهار .
* اعتمادية الدول التي تقع اعلي النهر :-
تعتمد الدول التي تقع أعلى الأنهر على جيرانها أسفل الأنهار في عمليات كري وتنظيف مجرى النهر لضمان تصريفه والسيطرة على
الفيضانات الصغيرة . ولكن إذا امتنعت الدول أسفل النهر من القيام بذلك فإنها تسبب فيضانات للدول أعلى النهر .
ومن الأمثلة على هذه الحالة هي حالة نهر اليرموك حين امتنعت الأردن وإسرائيل طيلة الفترة 1967 – 1979 عن تنظيف النهر مما سبب مشاكل في جريانه .
ومن الأمثلة المفيدة التي تقدمها الدراسة عن إمكانية الدول الواقعة أسفل النهر على أن تلحق الضرر بالدول الواقعة أعلى النهر ، هو حالة سهل البنجاب في الهند الذي يعتبر سلة الخبز للهند والذي يزود الهند ب60% من حاجتها للحنطة و 40% من حاجتها إلى الرز . ويتم ري 80% من مساحة هذا السهل بواسطة نهر (الاندوز) . وتعاني ربع أراضي هذه المنطقة من التغّدق .
ألا أن المفارقة هي أن الهند التي تقع أعلى النهر تعتمد تماماً على باكستان الواقعة أسفل النهر للحفاظ على خصوبة ارض البنجاب ومنعها من التغدق بالمياه . وتنشأ هذه الاعتمادية أصلاً من كون شبكات التصريف في البنجاب كلها تلقي مياه السقي الزراعي الفائضة كلها في النهر المتجه إلى باكستان . وان باكستان إذا أعاقت تدفق مياه النهر إلى أراضيها فان ذلك يؤدي إلى تخريب سهل البنجاب وإلحاق ضرر فادح بالأمن الغذائي الهندي لان الإعاقة سوف تتسبب في تغدق مزيد من تربة البنجاب وجعلها غير صالحة للزراعة . كذلك تعتمد تركيا على سوريا في قبولها استقبال مياه الري الفائضة فيها والناجمة عن نشاطات المزارعين الأتراك . ويعتمد ذلك على استعداد سوريا لفتح الحواجز المائية القائمة على نهر الفرات والتي ما لم تفتح ستؤدي إلى ارتفاع مستوى مياه النهر في الأراضي التركية مسبباً أضراراً مدمرة .
كذلك فان من مظاهر تحكم الدول أسفل النهر بالدول أعلى النهر هو عندما ترغب الأخيرة باستخدام النهر كطريق ملاحي يربطها بالبحر أو بدول أخرى كما هو حالة (نيبال) الدولة القارية التي ترغب باستخدام نهر (غانغ – براهما بوترا) للوصول إلى البحر لكن تحقيق رغبتها يعتمد على موافقة الهند وبنغلاديش .
* هشاشة أوضاع الدول التي تعتمد على انهار دولية مشتركة :
أن الكثير من الدول تعتمد في بقاء الحياة فيها أو في أجزاء منها على نهر دولي أو أكثر مما يجعلها عرضة للمخاطر في حالة توقف أو انخفاض أو تلوث مياه النهر القادمة إليها من الدولة الجارة .
فسوريا تعتمد على نهر الفرات لتجهيزها بمعظم حاجتها من المياه وكذلك يعتمد العراق في سقي أراضيه الجافة على نهري دجلة والفرات وإسرائيل والأردن تعتمدان على نهر الأردن . وكذلك فان نهر الاندوس هو مصدر المياه الوحيد لباكستان البلد الجاف .
* سلاح المياه :
في إحدى المناسبات قال وزير تركي : إذا توقف النفط تتوقف المكائن ولكن إذا توقف الماء تتوقف الحياة . وهذا صحيح من الناحية الفعلية حيث أن الدول تلجأ إلى التفنن في استخدام المياه لإلحاق أضرار مقصودة بجيرانها الذين يعتمدون على مياه نهر مشترك بينهما .
أسلحة الدول الواقعة أعلى الأنهار :
أن هذه الدول ببساطة تستطيع أن تحجب البيانات الخاصة بمستويات تدفق المياه والفيضانات وما شابه أو أن تقدم بيانات ناقصة لكي لا تسمح لجيرانها أسفل النهر باتخاذ الاحتياطات لتجنب الفيضانات المدمرة .
كذلك فإنها قد تلوث مياه الأنهار لكي يحصل جيرانها أسفل النهر على مياه ملوثة .
ولا شك أن قدرة الدولة أعلى النهر على إن توقف لفترة قصيرة أو تبطأ من تدفق النهر لإلحاق الضرر بجيرانها أسفل النهر يعتمد على عدة عوامل هي مقدار طاقة سدودها وخزاناتها على الخزن وعلى التصريف وكذلك على طوبوغرافية المنطقة وكمية المياه في النهر . لأنه بدون الاكتراث بهذه العوامل فان تلك السياسة قد تنقلب بالضد وتلحق الضرر بالدولة نفسها بدلاً عن جيرانها .
تركيا مثلاً لديها خمسة سدود كبيرة على طول مجرى نهر الفرات مما يمكنها من إيقاف النهر تماماً لمدة ثلاثة سنوات متتالية . وتستطيع أن تطلق من (سد كاراكامس) القريب من الحدود السورية 20.000 متر مكعب في الثانية وإذا قارنا ذلك بتدفق نهر الفرات في أعلى مستوياته والبالغ 3150 متر مكعب/ثانية نستطيع تخيل حجم التدمير الذي يمكن أن تسببه تركيا لسوريا إذا أطلقت بوابات السد . ويساعد في ذلك كون الأراضي التي يمر فيها النهر في سوريا هي مسطحة مما يساعد في نشر الآثار المدمرة للفيضان .