23 ديسمبر، 2024 3:40 م

الأنف والذيل في .. (فيلسوف الكرنتينة) للروائي وجدي الاهدل

الأنف والذيل في .. (فيلسوف الكرنتينة) للروائي وجدي الاهدل

حين انتهيت من قراءتي الثانية لرواية (فيلسوف الكرنتينة) للروائي اليمني وجدي الاعزل حصلت على حزمة من المفاتيح، منها :
* ثريا الرواية

*..الاهداء

*تعريف زيمة

*الصفحة المابعد الاخيرة للرواية

(*)

فيلسوف الكرنتينة هو(مشعل الحجازي) الشخصية الرئيسة في الرواية، اما إهداء الرواية فهو كالتالي..(الى كل الشرفاء الذين ساندوني للتغلب على محنة المصادرة والملاحقة القانونية)..

والمحذوف هنا : طبيعة محنة المؤلف،هل بسبب (جسارة التعبير)في هذه الرواية في طبعتها الاولى في 2007 عن مركز عبادي للدراسات والنشر في صنعاء؟

*زيمة هي الفضاء الروائي، وهي المسلخ البشري..(في مقبرة زيمة تجري أحداث هذه الرواية .لن أتحدث عن المدفونين من البشر ،بل سأكتفي بإيراد حكاية مسلية عن عالم مجهول بالنسبة لكم،سأتحدث عن ديدان الجثث، تلك الكائنة الصغيرة التي لايفصلها عن أحذيتكم سوى أمتار قليلة)..المكان هنا ينتسب لجغرافية المخيال الشعري..ومهمة التأليف السردي: اخراج الجواني المجهول الى البراني المعلوم..يلي هذا الكلام التشخيص الوقائعي للمكان من قبل المؤلف نفسه..

(الزيمة : قرية تقع على مسافة أربعين كيلومترا من مكة وتعد من ضواحيها،فيها عين ماء وبساتين تزرع الموز والخضار والتمور، فيها قبر(أبو رغال) دليل أبرهة الحبشي وجيشه الذي سار لهدم الكعبة، كانت العرب تمر بقبره وترجمه. ويقال ان النبي مر بقبره في غزوة الطائف فأمر برجم قبره. وقد توارث أهل مكة عادة الخروج مرة في العام لرجم قبر أبي رغال. ولكن بمرور الازمان بقيت العادة ونسيت عادة الرجم وانطمس مكان القبر، فأصبحوا يخرجون الى الزيمة للنزهة فقط..)…من هذه المعلومة التي تشمل حاضر المكان وتاريخيته، سيضعنا فعل التروية في أحدى ضواحي مكة..وسنلتقي ونحن نتجول في الزيمة ، (المطواعة) رجال الأمر بالمعروف الذين يقودهم شيخهم الاكبر( متعب الماضي)..ومعالم المكان تشير الى..(عملية التزييف الواسعة التي طالت كل شيء تقريبا..حتى التاريخ غيّروا ملامحه،وألغوا الاسم الاصيل لمقبرتنا، مقبرة أمنا حواء،واستبدلوه باسم إمامهم زيمة../9)

(*)

زيمة : ضمن الفضاء الروائي تأخذ شكل ومضمون معسكر أعتقال ،والاشياء كلها مصنّعة كمسوخ لاشمس سماوية ولاماء فرات، ولاطعام طبيعي:

*ماء البحر ملوث عمدا بالنفايات النفطية / 10

*من خلال قراءة الدكتور مشعل الحجازي في مؤلفات ابن رشد ،أكتشف خاصية تميزت بها تربة مقبرة زيمة : ان ترابها لايمسك الماء لإتساع مساماته ،وان الكتب تمحى حروفها بعد أيام معدودة لقساوة مناخها وهول عواصفها الرملية/ 11

*بواسطة جهاز التحكم عن بُعد قام القحطاني بإطفاء شمسه الاصطناعية إيذانا بحلول الليل /21

*هذا ليس برتقالا..إنه لحم جثث بنكهة البرتقال /23

*المطاعم كلها تقدم وجبة واحدة أزلية لاتتغير (لحم الجثث) ولافرق بينها إلاّ في طريقة طهيه

وهناك لحم جثث بنكهة العنب أونكهة البرتقال/27أما الخضار والفواكه والأجبان والبيض،فهي محرّمة على الجنوب الفقير وموعدهم معها في الجنة /27

*جغرافية المدينة ذات هوية صلفة في إشهار طبقيتها، فالجسر الذي يفصل المدينة (جسر العدالة) : الشمال الغني والجنوب الفقير المهمل المنسي..وادرك الفيلسوف مشعل الحجازي المغزى الخبيث وراء مسمى الجسر/22 ..والمدينة كأنها (موران) في (الأخدود): الجزء الثانية من خماسية مدن الملح للروائي عبد الرحمن منيف /ص284

*والناس في مقبرة الزيمة لايشربون سوى النفط أما الماء النقي فهو من الممنوعات وهكذا نراهم..(في عجزهم عن الانتاج والابداع وتكاسلهم عن العمل وتطوير أنفسهم/ 21)

في القسم الشمالي من المدينة الامر يختلف.ابراج تجارية شفافة، كتل إلماس مركوزة في الشارع تنتظر زبائن لاتقل أرصدتهم من عدة ملايين..شركات ازياء..مطاعم غالية..كوفي شوب موسيقى صاخبة، سيارات فخمة..قناديل عجيبة..بأختصار الشمال جنة البستان

(*)

في الصفحة الاخيرة من المطبوع والمعنونة (ملاحظة من المؤلف) يعلن المؤلف مع السطر الاول..(قمتُ باستلهام الملامح الخارجية واللمحات الداخلية للفيلسوف مشعل الحجازي، من شخصية حقيقية تربطني بها علاقة صداقة واعجاب هو الأديب (زين السقاف ) الذي يعد واحدا من كبار المثقفين اليمنيين وشاعرا مرهفا وقاصا مبدعا له مجموعة قصصية (العم مسفر)

كما يعلن المؤلف عن زمكان كتابة الرواية..(ولما عقدت ُ العزم على كتابة الرواية، غادرت صنعاء وأقمت ثلاثة أشهر في غرفة صغيرة بفندق متواضع في دمشق ورحت أعمل بسلاسة)..

يستوقفني ماسوف يجري بين السقاف والاهدل عبر قناة الحلم من تماه تلباثي بينهما..

(*)

الرواية من فصلين : (الخيالات الكبيرة أصل كل خديعة: ص9- ص 115)، والفصل الثاني (المفتاح يرن، الابواب تضحك :ص 119- ص 219)..يرد النص الروائي على تمسيخ الطبيعي من خلال تمسيخ الكلمات فالمدينة تسمى مقبرة، وامريكا : همبركر، والسنة تسمى جثة والبشر : ديدان..والولايات المتحدة الامريكية حاضرة بكل شراستها في الرواية من خلال شخصية (ويلسون) ممثلها المطلق والدي بيده كنترول مقبرة زيمة..(المستر ويلسون سفير مقبرة الهمبرغر..تم تعينه سفيرا لدى مقبرة زيمة في اعقاب جريمة الاغتيال البشعة التي تعرض لها الحاكم السابق نوفل الذي اظهر في فترة حكمه الاخيرة ميلا متزايدا لمعادة الهمبرغريين ومناكفتهم وقد اضطرت حكومة مقبرة الهمبرغر الى سحب سفيرها السابق نظرا للأقاويل التي طالته حول ضلوعه في تحريض القاتل وتعبئته ضد قريبه الحاكم../86) وهناك

صراع حاد بين ويلسون ومتعب الماضي، ويشتد الصراع بعد نسف برجي التجارة في الحادي عشر من ايلول ،وهذا الويلسون يريد ان تكون مقبرة زيمة نسخة رملية طبق الاصل من مقبرة الهمبركر..فهو يسعى الى تسفيل الثقافة وجعلها ثقافة مراحيضية..(الحمام ليس فقط لقضاء الحاجة، إنه مكان ثقافي !بإمكاننا أن ننشر ثقافتنا هناك بيسر وسرعة، حين يكشف المرء مؤخرته يفقد حاسته النقدية، ويصبح بإمكانه تقبل أية قكرة تعطيها له في تلك اللحظة المقدسة..نحن في مقبرة الهمبركر جربنا هذا الاسلوب وحققنا نجاحا باهراً/ 81).. ولايتوقف الامر عند هذا الحد بالنسبة لويلسون (هناك اشياء كثيرة تنقصكم حتى تصبحوا مقبرة عصرية، هذا بطء منكم في استيعاب الحضارة/ 83)..

(*)

تزييف الوعي الجمعي

ما تدعو اليه السلطة من تشدد أصولي لاينطبق عليها ..فهناك دائما ذلك ..( التناقض الحاد بين حياة القحطاني الكبيرة المتحررة من كل قيد، وبين حياة الزيميين المقيدة بعدد لايحصى من التعاليم الدينية المتشددة، فكأن الشعب كلّه مسجون في قفص حديدي قضبانه مطاوعة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبأستثناء القحطاني الكبير الطائر الوحيد الذي يطير ويغّرد على هواه ويتفرج ضاحكا على ملايين العصافير الحبيسة في القفص المحكم المزين بشعارات رملية تبرر وجود القفص، بل وتزعم ان الصبر على آلام القفص ستقودهم زرافات الى الجنة/ 86-87 )..والتزييف ليس له حالة قارة فهناك من يتصدى للفعل التنويري الذائد عن انسانية الانسان بفعل مضاد ينضح بالخساسة والدونية،فالدكتور مشعل الحجازي عاد من لندن عودة التنويريين من رجال النهضة العربية في آواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين..فهو تلقن المذهب الرملي ونبغ فيه (ونال مبكرا لقب الشيخ الذي يسيل لعاب الكثيرين من أجل تحصيله وعلى كره منه ابتعثته وزارة الشؤون الدينية الى مقبرة نائية في أوربا ليعلم الديدان المهاجرة من الشرق الصلاة/ 11)..لكن جماليات المكان الجديد، شحنته بفكرها، فرمى بتذكرة العودة في فتحة المرحاض،ثم تتطهر من المذهب الرملي بالانغماس في متع الحياة الاوربية، متحللا من كل قيد، ومتفرغا في الوقت نفسه لدراسة الفلسفة ليقرر بعدها..(العودة الى مسقط رأسه ليبشر بالفكر الجديد)..

*ساعد الآلاف على تجاوز حالة العوز المادي والاضمحلال النفسي

*تخريجه لحوالي ثمانين عالما انسانويا من مركزه

وهذا يعني (ان فلسفة الدكتور مشعل الحجازي قد وجدت لها تربة خصبة وان أفكاره المبثوثة في الكتب وزوايا المجلات والصحف قد نمت وتشعبت وأتت أكلها على غير توقع من أحد ولاحتى من صاحبها نفسه/ 100)..ومابين القوسين هو من كلام لولوه دعسان رئيسة تحرير مجلة الأدب الرملي الحريمي، مقتطف من الحوار الذي اجرته مع الدكتور مشعل ،وسيتعامل ويلسون مع حوار لولوه بطريقة ميكافيلية، من خلال عرضه على القحطاني الكبير..وتركيزه على توصيف لولوه لجمال وجه وشخصية الدكتور مشعل 101 وهنا سيمزق القحطاني اوراق الحوار فالصحفية لولوه ..(الأثيره الى قلبه) ويدمدم من بين اضراسه التي تطحن بعضها..في هذه اللحظة..(أحس ويلسون بأن سهمه قد أصاب فريسته في مقتل، أصابه في أحبّ شيء الى نفسه..) من هذه الفجوه سيقدم ويلسون مشروع المضاد لمشغل الدكتور مشعل الحجازي، فاذا كان مشعل يدعو الى تصعيد الانسنة بشكلها الصحيح ،فأن ويلسون يقترح ..(إصدارقرار

ممهور بتوقيعكم الكريم يقضي بأن تتخذ ديدان زيمة أذيال أسفل ظهورها) فيحدجه القحطاني بنظرة شزراء قائلا..(ماهذا المقترح الغريب يامستر ويلسون ؟) فيجيبه ويلسون..(هذا هو الحل الوحيد لضرب الفيلسوف وفلسفته الانسانوية في الصميم/ 102)..وفعلا فهذه الميكافيلية، ستخلص السلطة من المواجهة المباشرة..وبحسب ويلسون..(سننتصرعليه من دون إثارة أية ضوضاء أو اتخاذ أيّ نوع من الإجراءات التعسفية ضده أو ضد مركزه../103)..والرابح من هذا المقترح ليس القحطاني الكبير، بل ويلسون الذي حوّل المقترح صفقة ً تجارية ً..(توقيع عقد حصري بين حكومة سموّكم وبين شركة ويلسون للصناعات البتروكيميائية، يتم بموجبه تزويد مقبرة زيمة بكافة احتياجاتها من الاذيال / 104) أما وقع الأثر على الدكتور مشعل الحجازي فقد (نزل خبر قرار الاذيال كنفط بارد في عز الشتاء..شحب لونه وتوقف عن القراءة وأحس بالأرض رخوة تحت قدميه / 106-107)..*تزييف وعي العامة : يجسد ذلك الشاب منيف الذي يلتقي لأول مرة برجل علماني الافكار وعلى حد قوله..(أنطبعت في ذهني منذ صباي صور شنيعة للعلمانيين زرعها في عقلي إمام مسجد حارتنا، قال إنهم مثل الذباب بثمانية اعين تساعدهم على رؤية الحرام، وإنهم يطيرون بجناحين : جناح الكفر وجناح الفسق والانحلال الأخلاقي،وإنهم يبدّلون عقائدهم وأفكارهم كما يأكل الذباب../ص37) نلاحظ هنا ان عقل لغوي متشدد يشتغل على التشبيه فقط والسبب ان هذا (العقل) ملقّن عبر قنوات مقبرة الهمبرغر، فهو لايحق له الاطلاع على النسخة الاصلية من الفكر العلماني ومهمته اصطناع المصدات امام المصلين وهو فعلا كما شخصه منيف..(لديه قدرة بارعة على التشبيه البليغ )

(*)

الفهم المغلوط للأنسنة

(1): مشاركة بندر بن طحيمر في تفجير برجيّ التجارة في 11/أيلول، فالمبدأ المثير للجدل الذي دعى اليه الدكتور مشعل (ان تكون الأفضل في مجالك على مستوى /119) فهمه بندر بن طحيمر كما (كان في أول عمره فتوة يجبي الاتاوات )..والسبب هنا ليس دكتور مشعل ولا الفهم المغلوط للمبدأ، بل تكوص بندر أثناء عمله في سفارة الهمبرغر ودخوله في لعبة القمار بالارواح، جعله يتجه للدين حتى صار اكثر تزمتا من دعاة المذهب الرملي وتفوق على (متعب الماضي) رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(2) بقاء مركز الانسنة الذي اسسه الدكتور مشعل الحجازي ،اسميا وتعيين كادرا يسيرّه متعب الماضي

(3) تشويه سمعة مشعل الحجازي : اذا يرى متعب الماضي ان مايجري من ارهاب ضد مقبرة الهمبرغر سببه الفلسفة التي نشرها مشعل الحجازي..(الفلسفة هي أساس البلاء منذ جاءنا الفيلسوف مشعل الحجازي من الغرب والمشاكل عندنا بدأت زرع الفلسفة حصد شبابا مجنونا لايتورع عن فعل أي شيء/168)..نلاحظ ان متعب يكيل بمكيالين يغض النظر عن هيمنة الهمبرغر على بلاده ، رغم ان هذه الهيمنة غربية !! ويرى ان ابن البلاد مشعل الحجازي سبب كل مايجري وليس هو متعب الماضي الذي فرّمت دماغ بندر بن طحيمر وجعله متشددا اصوليا

(*)

الكتاب كشخصية ملازمة للشخصية الرئيسة في الرواية

بمؤثرية المكان الضديد ،أوربا أكتشف حقيقة ما يجري في المكان الرحم الذي انبثق منه مشعل الحجازي ،وبمؤثرية المكان اطلع على المحرّم الجسدي والعقلي فأكتشف العوار الذي تكابده زيمة لأسباب جيولوجية 11..(منّى الفيلسوف مشعل نفسه بحصول مراده وارتفاع قدره بين فلاسفة العالم إذا ماتمكن من جعل رمال مقبرة زيمة تحتفظ بالماء فتصيّرطينا صالحا للزراعة والكتب تطبع بورق مقاوم فتحيا الحروف سليمة أزمنة مديدة /12)

(*)

في الرواية مفهوم لرقي الانسان ،نسخة مجاورة لمفهوم السوبرمان لدى نيتشة . والرواية تذكر اهمية نيتشة كفيلسوف إرادة.(إن أولئك الذين ولدوا بتشوهات خلقية ستختفي تشوهاتهم كأن لم تكن إذا مانجحوا في الارتقاء بأنفسهم الى الانسانية، لأن الإنسان الكامل يعمل جسده بطريقة صحيحة فيعالج نفسه ذاتيا من الامراض وتنمو الاطراف الناقصة من تلقاء ذاتها كأغصان الشجرة الحية../151)

رغم ان المؤلف من خلال شخصية مشعل الحجازي ينسب (الدليل الانطولوجي) الى الفيلسوف الايطالي انسلم( 1033- 1109)/ ص43 من الرواية..ويتعايش مشعل الحجازي مع تنويعات من الفكر الانساني، فهو يصغي للفيلسوف الصيني تشانغ زاي(1077-1020) فمشعل يتصور ان فعل القراءة هو السلّم الذي يوصله الى الانسان السوبرمان ،فيفهمه الفيلسوف الصيني ان فعل القراءة معرفة حسية وهو يملأ كأسه للنصف وحتى تمتلأ الكأس لابد من المعرفة ما فوق الحسي /24 وهكذا يتحد الجواني بالبراني في استجابة مشعل وينال مبتغاه..وبفضل الكتاب تمكن من البقاء حيا في زنزانة انفرادية لفترة لايستهان بها ومن خلال انصاره الذين كانوا يزورنه في السجن ثم بفعل الزمن تناقص الانصار../121 والكتاب هو الدواء الشافي .

..وحده يجترح المعجزات ، ويعيد الذاكرة الى عافيتها الاولى ويخلص الجسد من العوق الولادة وغير الولادي../191/203..

(*)

نظرية مشعل الحجازي المبثوثة في كتابه..(معا على طريق التأنسن )/34..تذكرني ربما بسبب الفضاء الرملي للرواية بنظرية المربع للدكتور صبحي المحملجي ، في رواية الاخدود الجزء الثاني من خماسية مدن الملح للروائي عبد الرحمن منيف ،مع الاختلاف الحاد بين النظريتين

كما ان رجال الامر بالمعرف، يذكرونني برواية سمر المقرن (نساء المنكر)..التي كتبتُ عنها قبل سنوات وتدور الرواية في المملكة العربية السعودية..وشخصية المستر ويلسون ، تعيدني الى المستر هملتون في (التيه/ الجزء الثاني من مدن الملح )

(*)

يصدر الديوان الأميري قرارالاذيال ويعتبر ساري المفعول من تاريخ صدوره وينشر القرار في الجريدة الرسمية، والقرار الاميري، هو محض تنفيذ اميركي للأمر الذي اصدره هملتون سفير مقبرة الهمبرغر ..لذا (قرر صاحب الجلالة القحطاني الكبير المعظمّ إلزام جموع الديدان الزيمية بأتخاذ الاذيال أسفل ظهورهم…/106).. وحده مشعل الحجازي عرف الغاية الرجعية ..(فحين يخبط شيء ما خلفك على الإليتين ستظل تفكر على الدوام بما وراءك ويتضاءل أهتمامك بقطع اشواط طويلة نحو الامام .الذيل يسحب صاحبه الى الخلف…/ 107)..والذيل

يتصل بالتضاد مع الانف البشري..(حين يسير الكائن الى الأمام فإن أنفه هو أول شيء منه يصل الى كل نقطة جديدة في الحياة .الأنف هو الأداة رقم واحد للتطور والارتقاء…) والأنف هو من رموز الكبرياء بالنسبة لنا نحن العراقيين واهانة كبرى للشخص حين تهدد احدا قائلا

(أكسر خشمك) أي اكسر انفك..

(*)

العلاقة بين ويلسون والقحطاني الكبير علاقة مصلحة محض (وكل واحد منهما يلعن الآخر في سره) والقحطاني الكبير صاحب المذهب الرملي ،يسخر من حرص ويلسون..(عشنا وشفنا سفير مقبرة الهمبرغر يدافع عن المذهب الرملي وكأنه أبا عن جد )..فمستر ويلسون يسمى الشفاط حين يعلن عن مقدمه في بلاط صاحب الجلالة القحطاني الكبير(وقد شاع هذا اللقب بين حاشية القحطاني الكبير،لأنه بزعمهم يشفط الهواء فيشعر الشخص الذي يقترب منه بأختناق ونقص الاوكسجين فأذا ابتعد عنه زال الاختناق وتدفق الهواء بصورة طبيعية/ 98)..لكن ويلسون يشفط الحياة بأسرها ليتحكم بكل شيء في مقبرة زيمة، وبخبرته الميكافيلية يعي جيدا ان القحطاني الكبير (يريد استخدام الفيلسوف كورقة يلعب بها مع مقبرة الهمبرغر/99) فنكاية

بمشروع مشعل الحجازي صاحب مركز انسنة الديدان ،الذي انتج آثار ايجابية على الاقتصاد الوطني مما أدى الى زيا دة الثروات وفق ارقام وزارة التجارة والاقتصاد..

(*)

ترى قراءتي المنتجة ،ان الرواية تنحو كثيرا نحو الرواية الفكرية ، هذا التوجه ،يجعل سيرورة الرواية مصنّعة أعني تفقد مستواها التلقائي، ولها خطة لاتحيد عنها ، وهي الحتم التاريخي : يزول الظلم وينتصر العدل وفق ..(قدرة الإنسان اللانهائية على الترقي في مدارج الجمال /219)..نحن هنا امام يوتوبيا متشكلة روائيا…

*وجدي الأهدل/ فيلسوف الكرنتينة/ دار كيكا للنشر/ لندن/ ط1/ 2014