انقل ما يطرح من تساؤل في الأوساط الثقافية والسياسية ممن يعيب على المجلس الأعلى بقيادته ، هذا الغموض بالموقف السياسي ، وعدم وجود مثل هكذا مواقف في مجمل العملية السياسية ، وما شابها من تشنجات ،وصراعات وصلت إلى حد المواجهات في البعض منها ، حتى اعتبر البعض أن المجلس الأعلى وحكيمه لا يملكون رؤية لمجمل هذه المواقف السياسية ، حتى عده البعض انه تغريد خارج السرب ، أو انه جالس على الجبل ينظر ما يجري في الأسفل ، وكل تلك الأقاويل والتساؤلات ربما تكون مشروعه لمن لم يقرا بوضوح أيدلوجيه المجلس الأعلى وقيادته .
عندما نتابع الحركة السياسية لشهيد المحراب (قدس) نجد أن اللبنة الأولى قد وضعت في بيان صيغه خطاب المجلس الأعلى ، فنجد النمط السياسي العالي الذي استخدمه في علاقاته مع الجميع بدون استثناء ، فنجد علاقات متينة مع المعارضة في الخارج ، وعلى مختلف التوجهات ، منها الشيعية والسنية والكردي هوائها من القوى المعارضة للنظام البعثي ، كما انه أعد رويه جيده العلاقة مع الوضع الإقليمي ، فنجد أن الحكيم ومجلسه يملكون مقومات وأسس العلاقات الدبلوماسية مع دول مجاوره مؤثرة تأثيرا مباشرا على الوضع السياسي الداخلي ، وما حققه المجلس الأعلى الذي هو جزء مهم من مكونات تيار شهيد المحراب (رض) سواء في المعارضة العراقية أو بعد سقوط الديكتاتورية لا يمكن لها أن تتحقق لولا التجارب التي خاضها المجلس الأعلى طيلة ثلاثة عقود من التصدي للنظام الشمولي الديكتاتوري البائد، فهذه التجارب سواء كانت سياسية أم أمنية أم عسكرية أم اقتصادية أم دينية أم اجتماعية اعتمدت بالدرجة الأساس على الواقع العراقي المؤلم آنذاك لذلك جاءت كل الخطط التي اعتمدها تستند بالأساس لخلاص الشعب العراقي من الظلم والقهر والاستبداد والتهميش فضلاً عن السجون والقتل الجماعي الذي تعرض لها الشعب العراقي تحت ظل حكومة البعث الصدامي البغيض، فوضع في رأس أهدافه إسقاط الحكم الجائر وتخليص الشعب العراقي من العبودية.
لقد كان الحكيم حريصا على تعزيز ارتباطات العراق بأشقائه في الدول العربية والإسلامية وعلى عدم انسلاخ العراق عن الجسد العربي والإسلامي ولذلك بادروا جميعاً إلى العمل على ردم الهوة بين العراق ومحيطه الإقليمي والى تقريب المسافة بين وجهات النظر إزاء كل المشاكل التي تعترض طريق العراق أو تحول بين العراق ودول المنطقة، لهذا نجده سخر كل الإمكانيات من اجل تهدئه الأجواء المتوترة مع الحكومة من هنا أو هناك ، والتي كثيراً منها ما وصل إلى حد التواجه العسكري أو التراشق والتقسيط الإعلامي المنظم .
أن أهم إفرازات المشهد السياسي العراقي وما تمخض عنها خلال السنوات الستة الماضية التي أعقبت سقوط النظام البعثي ان قوى تيار شهيد المحراب (قدس) هي الأكثر تأهيلاً دون سواها لممارسة الدور الريادي ولحسم الكثير من القضايا المصيرية التي ماتزال عالقة دون حلول ناجعة لها لما تمتلكه هذه القوى الخيرة من إرادة عراقية صلبة وجادة ومن رؤية سياسية واضحة لحاضر ومستقبل العراق في الانفتاح على دول الجوار (العربية والإسلامية) كما ان مواصلة العمل ووفقاً لمناهج وتصورات قادة هذا التيار المجاهد سيساعد في جعل العراق دولة فاعلة ومهمة في النظام الإقليمي بسبب قدراته الاقتصادية وخاصة الثروات النفطية الهائلة وإمكاناته البشرية الخلاقة وقياداته الإسلامية المجاهدة وبالتالي يمكن له ان يعود لممارسة دوره الطبيعي في السياسة الإقليمية سواء كان ذلك في الجانب الأمني أم في الجانب الاقتصادي أم في الجانب السياسي والثقافي.
أثار الكثيرين من السياسيين اللغط أمام موقف الحكيم من دخول الجيش العراقي إلى الأنبار ، وهناك من اتهمه بالتخاذل أو دعم القوى الإرهابية ، وهذا الشيء مستغرب تماماً من قوى إنها المفروض متحالفاً تحت سقف يسمى التحالف الوطني ، والذي لم يبقى منه سوى الأطلال ، والمتابع المنصف يجد أن موقف الحكيم كان واضحاً جداً ،ليس الآن ، فكان تصريحه الذي عبر عنه في الخطاب العاشورائي في بداية محرم ،لهو خير مصداق لموقفه السياسي من ضرورة ملاحقه الإرهاب أينما وجد ، والشد على أيدي القوات المسلحة بكافه صنوفها في ملاحقتها لفلول الإرهاب ليس فقط في صحراء الأنبار بل في كل أرجاء العراق العزيز .
هذه المواقف ليست مواقف انتخابية أو إعلاميه ، بل هي امتداد لتلك القراءة التي أكد عليها شهيد المحراب في اغلب خطاباته سواء في زمن المعارضة أو بعد عودته إلى العراق ، وهي إيمان بضرورة قيام دوله مؤسساتية قائمه على احترام التعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة ، بعيدا عن التناحر والتقسيط السياسي ، والذي جعل العراق في مهب ريح الحرب الطائفية لأكثر من مره .
يبقى على التحالف الوطني ، أن يحترم تحالفه ، وان يضبط حركه نوابه ، وتصريحاتهم فيما بينهم ، وكان الحرب هي حربا بين مكونات التحالف أنفسهم ، وليس بين الإرهاب والعراق ،فبدل التسقيط السياسي ، وكيل الاتهامات ، عليهم ان يحترموا من انتخبهم ، ويوجهوا سهام تصريحاتهم النارية على القوى الظلامية ، التي تريد بالعراق الشر وتمزيق ما تبقى من روابطه الاجتماعية .