قبل الحديث عن عن الانتماء الوطني مذهبيّا وقوميا في العراق , لابدّ لي هنا من عرض موجز عن بعض البلدان التي تأسست حديثا على حساب شعوب السكان الأصليين, مثل الولايات المتحدة الأمريكية الى استراليا وكندا , الى حتى بعض أهم بلدان امريكا اللاتينية مثل البرازيل والارجنتين , مروارا بما قبلها من دول وكيانات الامبراطورية الأسلامية, خاصة بعد سقوط الدولة العباسية , مثل الأمبراطورية العثمانية في تركيا, الى الدولة الصفوية الشاهنشاهية في ايران .
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية على حداثة عهدها منذ تأسيسها على يد بعض أهم زعمائها الثوريّين في حرب الاستقلال من بريطانيا في الربع الأخير من القرن السابع عشر الى تأسيسها على يد الأباء المؤسسيين في مطلع القرن الثامن عشر الى مطلع القرن التاسع عشر من أهم الدول الحديثة التي قد يضحي شعبها حدّ الموت من أجل الأنتماء لها .
لقد وضع القادة المؤسسون لأمريكا برنامجا حيّا وحرا لشعبهم المهاجر , وقد لمس المهاجرون الجدد في الوطن الجديد – أمريكا – تحقيق حلمهم الذي فقدوه في اوطانهم التي هجروها . فلم يكن امامهم غير السير في تحقيق الحلم الذي هم يطمحون اليه .
لم ينظر الأمريكي المهاجر الى بلده الجديد – امريكا – على أنّه الماني او ايرلندي او نورويجي او بولندي أو حتى افريقي . ولم يتطلع بعضهم الى اصل دينه او مذهبه ( هذا على الرغم من تحقيق حريّة الدين والمذهب لهم حسب الدستور الأمريكي ) كان الجميع ينظر الى بناء وطن , ومن ثمّ تأسيس أمّة جديدة أسمها الشعب الأمريكي , وقد تحقق هذا لهم بفترة قصيرعندما اشترت امريكا لوزيانا من فرنسا عام 1803 , والاسكا من روسيا , الى سيطرتها على فلوريدا من اسبانيا عام 1819, الى ضمّ ولاية تكساس الشاسعة من المكسيك عام 1884,عند هذا اصبحت امريكا بعد ذلك من اكبر القوى المسيطرة على المحيطات والبحار , ليمتدّ نفوذها بعد ذلك الى العالم أجمع .
سكان امريكا من البيض في الولايات المتحدة الأمريكية يقدر بأكثر من %90 في فترة التحرير الى بناء الدولة الأمريكية , اليوم يقدر عدد البيض في امريكا بدون الاسبان والسود الافريقيين بنسبة تترواح بين %50 أو اقلّ قليلا .
معظم البيض في امريكا الشمالية, تصل نسبتهم عرقيّا: الى %37 من الشعب اللألماني , %13 منهم من الأيرلنديين , والبقية تذهب الى الأنكليز والطليان والبولنديين والروس ,الى الشرق اوسطيين, الى غيرهم من العرق الابيض . انّ معظم هذه الشعوب المختلفة جنسا وعرقا الى قومية ودينا ومذهبا يعتقدون انّ بلدهم المقدس هو أمريكا , وعليه يجب علينا البحث في ولاء هؤلاء للبلد الجديد الذي يعيشون فيه مقارنة مع البلد الذي هجروه .
لا تختلف كثيرا كندا او استراليا عن النظام الامريكي هذا ,على الرغم من انّ نظام – الكومنولث – يفرض عليهما الطاعة الجبرية للتاج البريطاني , لكن شعوب هذين البلدين لهم الحرية الكافية في الأنتماء الى بلديهما .ومثلهم شعوب امريكا اللاتينية , مثل المكسيك والارجنتين الى البرازيل , فهم يعتقدون بأوطانهم الى الأنتماء اليها بمستوى لايقل ابدا عن انتماء الامريكي الشمالي او الكندي او الأسترالي .
الامبروطورية العثمانية الأسلامية أو ما تسمى حديثا ب تركيا :
لم يعرف قبل الامبراطورية العربية الأسلامية في العصرين الذهبيين الأموي والعباسي مايدعى بوجود حتى أسم للاتراك في المنطقة التي تسمى الأن تركيا , نحن لاننكر وجود التركمان منذ الغزو الحيثي لبلاد الرافدين قبل الالف الثاني قبل الميلاد , لكن ككيان ووجود لهم في العراق وفي المنطقة لم يتحقق لهم الاّ بعد الغزو المغولي لبغداد الى فرض هيمنتهم على ما تبقى من الدولة العباسية قبل افولها . انّ منطقة جنوب تركيا المحاذية الى شمال العراق كانت تعرف بديار بكر , والاسم هذا مازال شائعا الى اليوم , اما الجانب الآخر مع اوربا فقد تمّ احتلاله من قبل الامبراطورية العثمانية , التي ضمّت فيما ضمّت لها القسطنطينية ( اسطنبول حاليا ) مقر المسيحية في العالم القديم الى بعض أهم المقاطعات الاوربية ااتي اقتطعتها من بلدان عديدة من دول اوربا الشرقية . ولا يخلوا العراق منها , حيث ضمّت الدولة العثمانية اراض شاسعة من العراق وسوريا الى دولتها الحديثة .
اليوم يعتقد الأتراك , مثلهم مثل الأمريكييين والأستراليين والكنديين, من أنّهم هم احفاد اولئك العظماء من امثال الجزار الفاشي هولاكو وجنكيز خان ممن قتلوا الملايين وهجروا عددا اكبر منهم, ليكونو في وطن جديد اسمه تركيا !؟
الامبراطورية الفارسية او الدولة الحديثة ايران :
تختلف الامبراطورية الفارسية قديما , او الدولة الحديثة ايران عن باقي الامبراطوريات الجديدة او الحديثة مثل تركيا المجاورة لها في المنطقة . فالدولة الفارسية لها تأريخ طويل وعميق في المنطقة يمتدّ جنب الى جنب مع حضارة بلاد النهرين , وتأريخ البلدين – العراق وايران – يشهد في جميع حقبه التأريخية حجم الصراع بينهما منذ العهد البابلي وقبله , الى فرض ايران سيطرتها على العراق في العهد الفارسي الساساني الى نقل مقرعرشها الى العراق – محافظة الكوت حاليا – ليستمر احتلالها العراق الى مطلع الفجر الأسلامي , حيث انتصر المسلمون على الأمبراطورية الفارسية , وتم فتح بلاد فارس لتكون خاضعة لقرون تحت الحكم العربي الأسلامي , الاّ انّ الدهاء الفارسي قد خرق الدولة الأسلامية العربية وقت ذاك للمصلحة الفارسية العليا , خاصة وانّ بلدهم كان يخضع للحكم العربي الاسلامي , والفرس الى يومنا هذا لم يغفروا لا للمسلمين ولا الى العرب سقوط امبراطوريتهم الفارسية . فقد دخل بعض أهم اعيانهم في شؤون الدولة العربية الاسلامية وقدموا الولاء والطاعة الى امرائها العرب المسلمين كأنهم من الدولة الاسلامية العربية نفسها , الاّ انّ هؤلاء قد حفروا للدولة العربية الأسلامية عندما سيطر بعض أهم ابنائهم على اركان الدين الأسلامي من خلال مراجعهم في الحديث النبوي الى التأريخ الاسلامي , الى تأسيس بعض المذاهب الجديدة المناهضة للدولة العربية الأسلامية , وقد تمّ لهم هذا عندما قام ابو مسلم الخراساني ثورته او تمرده ضدّ الدولة العباسية العربية الاسلامية بـأدعاء مظلومية أهل البيت !؟
لقد نخر الفرس الدولة العربية الاسلامية ونجحوا نجاحا عظيما في تأسيس الدولة البويهية الى دوليات أخرى تابعة لهم بعد سقوط الدولة العباسية .
انّ ايران الحديثة الأن تضمّ اراض واقاليم كبيرة من العراق الى اذربيجان وافغانستان , والايرانيون يفتخرون بدولتهم سواء كانت الامبراطورية الفارسية أو الايرانية الحديثة , وهم يعتبرون كلّ ما تضمّه ايران لها من دول الجوار هو فخر وعظمة تضاف الى عظمة فارس والأمة الفارسية , هذا على الرغمّ من انّ الفرس لايمثلون من الشعوب الأيرانية غير نسبة قليلة لا تتجاوز 30% مقارنة بالأذريين في ايران , ولا ننسى انّ السيد المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في ايران علي خامنئي هو اصلا من القومية الأذرية الايرانية .
العراقيون وأنتمائهم القومي والوطني :
أعتقد, ومن خلال قراءتي للتأريخ العراقي من انّ العراق قد سقط قوميّا ووطنيا عندما سقطت الدولة البابلية على يد الأخمينيين الفرس . فمنذ سقوط الدولة البابلية العظيمة في بلاد النهرين لم تكن هنالك انتفاضة او ثورة من قبل الشعب العراقي ضدّ الاحتلال الفارسي وأمبراطوريته القمعية لهم(( نعم كان هنالك تمرد واضح من قبل القبائل العربية في وسط وجنوب العراق ضد الاحتلال الساساني الفارسي , لنه لم يكم بمستول الطموح , وانحصر عند القبائل العربية وحدها )) . انتظر العراقيون دخول الجيش العربي الاسلامي لتحرير بلدهم من الفرس , وبعد سقوط الدولة العباسية وأنهيارها الى دوليات بين هذا المحتل وذاك, ظلّ الشعب العراقي يتطلع الى من يحرره من بعضهم .
كلّ من وضع نظاما او دستورا أو مذهبا للعراقيين لم يكن بعراقي البتتة , والمصيبة هنا, أن جميع ابناء الشعب العراقي ليس عندهم اعتراض أو اختلاف على من يدير شؤونهم وادارة وطنهم !
دخل هولاكو وصفق له اجمعهم , ودخل العثمانيون مرة اخرى كمحتلين بأسم الأمبراطورية العثمانية ليهرول الشعب العراقي خلفهم . حتى عندما دخل الأحتلال البريطاني العراق , وكانت ايران وتركيا تعقد الصفقات هنا وهنالك للسيطرة على المزيد من الاراضي العربية الى العراقية والسورية لمصالحهم القومية , في ذلك الوقت قد ثار الشعب العراقي بأسم نصرة الدين والمذهب لمصلحة ايران وتركيا على حساب ارضهم وشرفهم الوطني .
يتميّز العراقيون عن باقي دول الجوار الى شعوب الشرق الاوسط بضعف حسّهم الى شعورهم المخجل والمعيب في الأنتماء الوطني , يقابله هنا الافراط الهستيري في الشعورالقومي الشوفيني للبلدان المحيطة بالعراق مثل المملكة العربية السعودية وايران وتركيا الى جميع دول الخليح العربي .
المواطن العراقي , وعلى الرغم من عيشه في العراق آلاف السنين لم يتعلم دروس المحتلين في وطنه , فضل المواطن العراقي العيش في ايديولوجيا المحتل لوطنه على ابتكار وصنع فهم جديد يخصه وشعبه الى وطنه .
قد تكون ثمّة اسباب علمية لضعف الشعور الوطني عند العراقيين , من أهمها , وخاصة في المنطقة الشمالية الى الغربية منها , انّ معظم سكان هذه المدن لاعتقدون حقيقة بأنتماء الوطني للعراق , فمعظم هذه الشعوب هم من التركمان والأكراد الى بعض الأرمن والشركس ومن بقايا من جلبتهم الدولة العثمانية الى العراق , وهؤلاء الى اليوم يعتقد بعضهم انّ وطنهم الأم هو تركيا , مثل التركمان , اما الأكراد فهم يعتقدون , هذه على الرغم من تأريهم الحديث في العراق الذي لايتجاوز القرن من الزمن , من انّ العراق هو صنيعة الاحتلال البريطاني , وانّ الارض التي هم يعيشون عليها هي ارض كردية وليست عراقية , وما الاستفتاء الاخير لمسعود برزاني على الانفصال من العراق الى دليل آخر على موت روح الأنتماء الوطني عند هؤلاء .
في الجانب الأخر من العراق , وهو الجنوب العراقي ووسطه, القضية تختلف كثيرا عن الوضع الشمالي للعراق , فالقبائل العربية العراقية لها حضورها منذ فجر التأريخ الأنساني , واذا كان النبيّ ابراهيم – عليه السلام – ابّ الانبياء وسيدهم من ارض اور والناصرية , فهذه القبائل العربية تنحدر منه وترجع اليه . القبائل العربية التي تعيش في المدن السومرية التي تعبق بعطر الانبياء ورسالتهم الى اوصيائهم قد استسلموا بدون علم منهم الى رسائل ونصائح رجال دينهم , والكارثة هنا انّ معظم رجال دينهم الى من يرشدهم هم ليسوا من ابناء وطنهم , فقد انتصر الدين والمذهب على ابناء أهل الوسط والجنوب العراقي على وطنهم , في وقت انّ الرسول العظيم محمد – صلوات الله وسلامه عليه وأل بيته – لم يعلن رسالته الأسلامية العظمى , الاّ بعد أن أستتب له الامر , وفرض سيطرته على مكة والمدينة , يعني كان شغل النبي العظيم محمد هو بناء وطن للاسلام للانطلاق منه , ومنه وعليه ومن المدينة المنورة الى مكة انطلقت رسالة الاسلام الى الشعوب الأخرى .
لاتجدّ هناك شعور عند العراقي في الانتماء الى وطنه بقدر الانتماء مثلا الى المذهب ؟! يعلمهم بعض الملالي انّ التضحية من أجل المذهب هي اقدس من الوطن ؟! لكن هذا يحصل في العراق فقط . فأنت عندما تسأل الفارسي عن قدسية ايران والمذهب , الايراني يردّ عليك بلسان طويل : ايران اولا , ومثله يفعل التركي والسعودي والامريكي والبريطاني … الاوطان يمكن ان تفقدها الى أبد الابديين , لكن الدين والمذهب يمكن لك ان تذهب اليه في ايّ مكان وايّ ارض تعيش فيها .
تعلم الأفارقة بعد اللتي واللتيا وحربهم الشعواء في تبني بعض العقائد المسيحية في بلدانهم من أنّهم وبعد ان كسبوا معركتهم ي تبني الدين المسيحي قد فقدوا أوطانهم دون رجعة اليهم .
ليس غريبا الآن , وبعد الأحتلال الأمريكي للعراق الى جلب مرتزقته معه من الأحزاب الاسلامية مثل الدعوة والمجلس الاعلى الى غيرهم , ممن تربّع على عرش العراقي في المنطقة الخضراء من نوع منظفي احذية بول بريمر ان ينحدروا بالعراق وشعبه الى مستوى يكون فيه الاستاذ الجامعي بدون شهادة علمية ولا حتى مدرسة تخرج منها او تعلم فيها .
يعتبر العراق تربويا الآن من اكثر شعوب الشرق الاوسط أميّة وتخلفا , ويعتبر العراق الأن اقتصاديا في ذيل الأمم المتخلفة , ويعتبر العراق كبلد غني ومالك لثراوات عظمى الاول بالفساد العالمي حسب أخر تقرير صدر قبل ايام من منظمات دولية محترمة .
الخلاصة :
العراق يحتاج الى جيل من الابطال الشباب الوطنيين العراقيين الشرفاء , ليس من جماعة الدين والمذهب والمعتقد . العراق بحاجة الى شباب عراقي يؤمن كما يؤمن الفارسي والتركي والامريكي والبريطاني بوطنه , العراقي عليه أن يخلق المعجزة التي حرمها منه المحتل فكريا وثقافيا, الى العمل واقعا على تفعيل العراق أولا والباقي يأتي . لقد أكلت بنا الشعوب ودول الجوار بما يكفي . العراق واحد من أغنى بلدان العالم قاطبة , ولا يجوز السماح لمرتزقة وسراق حكومة المنطقة الخضراء مصادرة املاكه , وهذه رسالة ارسلها الى كلّ عراقي شريف مازال في قلبه علي العربي والحسين العربي الى رسالة سيدنا العظيم رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه .
وانا لله وانا اليه راجعون