يؤشر السباق في الانتخابات الامريكية، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السنوات الاخيرة، عن وجود مشاكل عميقة في النظام السياسي وآلياته التى تتحكم او هي الحاكمة في المداخيل والمخاريج والأسس التى تنهض وتقوم عليها هذه الانتخابات. أن النظام الامبريالي الامريكي العميق الذي يشرف ويدير هذه الانتخابات بصورة غير مباشرة، نظام تتحكم فيه الشركات الامريكية العملاقة بحكم سيطرتها على صناعة القرار الامريكي، وعلى الاعلام الذي به تمتلك،الأمكانية الكلية للوجود، المؤثر الفعال بل كلي الفاعلية على الرأي العام الإمريكي، وعلى مؤسسات البحوث والدراسات الاستراتيجية التى تقوم بتقديم النصح والارشاد كما يظهر في الاعلام ويتم تسويقها على هذه الصورة، ولكن الحقيقة ان هذه المؤسسات تقدم لكل رئيس، حتى قبل دخوله الى البيت الابيض، حزمة من خرائط الطرق للعمل بها في مواجهة المناطق الساخنة في العالم والتى تهتم بها الولايات المتحدة مصلحيا ونفعيا على مدخليَ؛ ديمومة النفوذ والاستراتيج الامريكي في تلك المناطق من الكرة الارضية، لذا فأن هذا النظام العميق، وبشتى الطرق والوسائل، هو من يمسك بمفاتيح الترشيح للانتخابات من قبل احد الحزبين للشخصية التى تخوض الانتخابات بالانابة عنهما، للوصول الى البيت الابيض، وهي وبكل تاكيد من شخصيات المال والاقتصاد، اي من اصحاب الشركات العملاقة أو من المساهمين الكبار فيها، ولو انها قد تختلف من شخصية الى اخرى في حجم وكمية ما تحوز عليه او ما تمتكله من مال واعمال، بالاضافة الى ما يتوافر عندها او لديها من مرونة الحركة والهامش الواسع وربما غير المحدود او هو كذلك بالفعل من حيث الواقع المعيش في السياسة الامريكية، في الذي يخص رسم السياسات الامريكية في الداخل والخارج وفي جميع الحقول، تبعا للمرجعية الفكرية والسياسية لهذه الشخصية أيً كانت، والتى هي، ضمن الاطار العام للنظام الامريكي الرسمي العميق،بشرط ان لاتخرج عن الاهداف المرسومة لهذه السياسة سلفا مع ترك الحرية لرئيس الادارة الامريكية في اختيار الوسيلة والطريقة الملائمة من وجهة نظره للوصول الى هذه الاهداف من دون المساس او حرف او تغير هذه الاهداف. ان معاينة سريعة للانتخابات الامريكية وخلال عمر الولايات المتحدة منذ البداية والى الآن؛ نلاحظ ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهما حزبان يمثلان تمثيلا تاما وكاملا، الطبيعة الامبريالية للنظام الامريكي ولو ان الأخير، يصنف على انه حزبا يساريا او اشتراكيا وهذا التوصيف مجافيا او مخالفا تماما الى تركيبة هذا الحزب من حيث الجوهر والبوصلة والاتجاه ولو انه يميل الى الطبقات المتوسطة ومنفتح على جميع مكونات الشعوب الامريكية، وفي التطبيق السياسي والاقتصادي في المجالين، الداخلي والدولي، اكثر ميلا ومرونة من منافسه، الحزب الجمهوري، لكن هذا لايلغي من حقيقته الامبريالية اي شيء، الحزبان يتناوبان على رئاسة الادارة الامريكية، ولم يحدث في جميع او في كل تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ان جاء او دخل الى البيت الابيض، شخصية من خارج الحزبين ابداً. أن الحزبين وفي السنوات الاخيرة، عانيا الكثير من الانشقاقات والتناحر، اللذان لم يصلا الى حد القطيعة، لكن هذا الاضطراب والارتباك في العلاقة البينية، موجود بدليل ما أو وهذا هو ماتعكسه تصريحات مسؤوليهما ومواقف الحزبان من الوضع الداخلي الامريكي او من السياسة الامريكية في العالم؛ كلا الحزبان يلقيان باللوم على الأخر في اسباب اخفاق السياسة الامريكية وتناقضها وارتباكها في السنوات الاخيرة. أن هذا الارتباك والاضطراب في سياسة الحزبين ومن ثم وبالنتيجة؛ يعكس وبصورة جلية وواضحة اخفاق سياسة الولايات المتحدة الامريكية في التصدي الى المشاكل التى يعاني منها العالم، في خضم التغييرات المتسارعة في جميع اركان المعمورة، بالاضافة الى عجزها عن حل مشاكلها البنوية والاقتصادية ومحاولاتها المتكررة، احالة وترحيل ما تواجهه من مشاكل في الاقتصاد، وحين يتعرض أقتصادها الى الكساد والركود او الانهيار أو الانكماش، الى مناطق نفوذها،التى تتحمل وزر هذا الأنهيار وكلفته المالية كما حدث في عام 2008، بما سوف يؤدي مستقبلا الى نفور تلك الدول والأوطان وشعوبها وحكوماتها، منها وبما يؤدي لاحقا، بضرورة تغيير موقفها من الولايات المتحدة الامريكية ومن سياستها الاستفزازية والاستغلالية في ظل تراجع قوتها في الفعل والتاثير في السياسة الكونية، أمام منافسيها من القوى الدولية الاخرى، مما يمنح فرصة كبيرة لتلك الدول، انفة الذكر في الافلات من سيطرتهاوهيمنتها، حين يضيق بها الحال ويجرها التأمر عليها والسلب الامريكي لها في آن واحد( المملكة العربية السعودية، مثالا للبند الأخير..)، الى الاختناق الذي ربما اذا ما استمر يقود الى التهديد الوجودي للوطن والشعب و(كرسي الحاكم). في هذا الصدد اي في الذي يخص البند الأول؛ نلاحظ كيف ان جمهورية مصر العربية، مثلا؛أخذت في السنوات الاخيرة، تميل في سياستها الخارجية في التعاون وحتى المشاركة مع الاتحاد الروسي في حقلي التسليح والبرنامج النووي وربما غيرها من الحقول في القادمات من السنين، وبالذات في الذي يخص وكما بينا قبل القليل من الجمل، التأمر الأمريكي مع الكيان الأسرائيلي على الأقتصاد المصري( سد النهضة..). من الجانب الثاني، تمارس سياسة الضغط الاقتصادي على دول اخرى،كي تجبرها على ان تخضع لما تريد منها، في تغير سياستها سواء الداخلية او الخارجية بما يتمشى ورؤيتها الى التغييرات في العالم اي محاولة اخضاع هذه الدول والاوطان والشعوب لمشيئتها،فنزويلا، ايران، كوريا الديمقراطية الشعبية، مثلا. أن النظام الامريكي العميق بدل من ان يبحث عن اسباب هذا التراجع الامريكي وضعف تأثيرها في السياسة الدولية في السنوات الاخيرة مع اضطراب العلاقة بين الحزبين وايضا ارتباكها في داخل الحزبين وهذا هو ماتعكسه تصريحات مسؤولوا كلا الحزبين بشأن نتائج الانتخابات السابقة التى فاز فيها ترامب وأحالتها اي احالة فوز ترامب الى التدخل الروسي.في الاسابيع الاخيرة او في الايام الاخيرة على وجه الدقة والتحديد؛ يجري الحديث عن اتهام الاتحاد الروسي في التدخل المفترض في الانتخابات القادمة والتى سوف تجري في شهر تشرين الثاني من هذا العام. في هذا السياق يظهر لنا السؤال التالي: هل ان التراجع الامريكي، يعود او ان اسبابه هي سياسة ترامب او في العموم سياسة الحزبان الجمهوري والديمقراطي؟ للاجابة على هذا السؤال يقتضي منا وعلى قدر ما تسمح به قدرتنا المتواضعة اصلا، على التحليل والاستنتاج الواقعي والموضوعي لهذا التراجع والاخفاق؛قبل البد ء به، نشير الى امر مهم جدا بل هو في غاية الاهمية؛ أن معضلة التراجع الامريكي يعود في الاساس وفي صلبه، الى الطبيعة الامبريالية للدولة الامريكية فهو وفي هذه الحالة، هو مشكلة بنوية؛ اخفقت حين تقلص مجال حركتها في العالم لوجود منافسين لهم القدرة الكبيرة على المنافسة، يمنحهما اي المنافسين؛انعدام استغلالهم للدول الاخرى او قلته الى ابعد حد في العلاقة الاقتصادية والتجارية والمالية والتسليحية وما يتصل بكل ذلك مع الدول في العالم الثالث وغيرها من الدول متوسطة القوة او الكبرى، وهنا نقصد المحور الصيني الروسي، وشراكتهما الأقتصادية والمالية والتجارية مع المئات من دول العالم بما في ذلك دول في الاتحاد الاوربي، وغير هذا، الكثير، ومن هذا الكثير، ابدال الدولار في التعامل التجاري والمالي، بالعملة المحلية، مثلا، ومما يؤشر على قوة وتاثير هذه المنافسة على أضعاف قوة الولايات المتحدة و تقليص، مساحة سيطرتها وهيمنتها على دول المعمورة، مستقبلا، ان هذا المحور وكما اوضحنا قبل سطور، يضم المئات من الدول، والمنظمات؛ البريكس، اوراسيا، شنغهاي، في الوقت الحاضر والى المديات المتوسطة، ومستقبلا الصين التى تشكل هاجسا مقلقا للولايات المتحدة الامريكية، هذا اولا وثانيا وهذا هو المهم؛ عدم فرض الشروط السياسية ومصادرة القرار الوطني، في التعامل الاقتصادي والتجاري والمالي، او في نقل التكنولوجيا او في التسليح..عليه، فأن التراجع الامريكي هو في الكينونة الامبريالية للدولة الامريكية وفي الطبيعة الكابوية للسلوك السياسي الامريكي في التعامل مع دول العالم الثالث وحتى الدول الكبرى والتى هي من حيث جوهر نظامها الاقتصادي والسياسي من ذات النظام الامريكي وطبيعته في الاستغلال والنهب.ان الولايات المتحدة تحمل بذور تراجعها في داخلها،وهي بذور تدخل في أس كنيوننتها وليس من خارجها ابدا..وما تحميل اخفاقتها على سياسة ترامب او على غيره او على من سوف يأتي في السنة القادمة، على رأس ادارتها والذي في حينها، سوف يزداد تراجعها، لأنه وببساطة تراجع وكما اسلفنا، تراجع بنوي أمبريالي..في ظل التغييرات المتسارعة في العالم والصعود السريع للقوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة؛ بأداوت وآليات مبتكرة وجديدة وبطرق خلاقة في المنافسة وفي التكتل الاقتصادي والتجاري والمالي والهيكل الصناعي المنتج والمعزز بالاستعانة بالعملة المحلية البديلة عن الدولار، وايضا في التسليح والجيوش، وكما اوضحناه في الذي سلف من هذه السطور المتواضعة..