حين بدأت عمليات تحرير الأنبار ، أو حين لاحت بوادر التوجه نحو الأنبار ، كالعادة ظهر أصحاب (( المشاريع الوطنية )) لمغازلة بوادر النصر القادم .وظهر تجار الخراب والأيام السوداء ، تجار الحروب والدم العراقي أظهروا رؤوسهم من بين شرفات الفنادق والقصور و(( مواقع جهادهم وكفاحهم . . !)) البعيدة ، من بين أنوار الصالات والمطاعم والبارات .
ظهر المعتاشون على الأزمات والمحن والمستفيدين من دخان حرق العراق وشعبه .
فكل مجموعة ممن يسمون (( شيوخ )) تضع تحت ابطها ماتسميه مشروعا وطنيا لأنقاذ (( سنة )) العراق .
وهذه المشروعات لم تكن وليدة اليوم أو نتيجة للحدث ، وانما هي مشاريع قديمة غذتها ايادي المخطط الغربي الذي يتم تنفيذه عربيا واقليميا لتفتيت العراق .
ومن خلال استذكار التاريخ القريب للأنبار نجد : ان الأنبار قد عاشت فترة من الراحة والسكون بعد طرد تنظيم القاعدة منها الذي تم تشكيل (( الصحوات )) على اثره . وقد انتعشت المحافظة واصبحت فيها حركة اعمار غير مسبوقة خلال فترة تولي (( قاسم الفهداوي )) المحافظة ، وتوجهت المحافظة بهذا الأتجاه .
غير ان الأنتخابات اللاحقة التي أفرزت صعود الأسلاميين الى مجلس الحكم المحلي في المحافظة ، وصعود عدد من الشخصيات ذات الأرتباطات المشبوهة مع الأميركان وبعض الدول في الخارج ، وكذلك انعدام المتابعة والرقابة الأمنية المركزية وضعف اجهزة المخابرات والأستخبارات ، وانعدام الرؤية المطلوبة لدى الحكومة المركزية بتعزيز تلاحم النسيج الأجتماعي العراقي وتعزيز الوشائج الأجتماعية . وفي ظل تسيب متصيدي الجوائز والمشاريع والأجندات واتاحة حرية الحركة وترك الأبواب المفتوحة لهم على مصراعيها للتلاقح مع المخططات الغربية المرسومة من قديم الزمان التي تسعى الى حرق العراق وتفتيته .
فظهر شيوخ الفتنة ، وشخصيات الفتنة التي لايمتاز بعضها بتاريخ مشرف ، رجال الدولار .
فتعدد الشيوخ وتعددت المشاريع وانفتحت الأبواب على مصراعيها لأكداس الدولارات المتدفقة من الخارج الى العراق التي تحمل بين طياتها علب الكبريت والبارود .
انشأ بعض هؤلاء (( الشيوخ )) هيئات ومؤسسات لها أبواقها ودعايتها وفضائياتها ولها دعمها وخزينها ومن خلفها الداعمين (( المخفيين )) لمؤسسة (( الشيخ فلان )) الوطنية المقدامة التي وجدت بريقها ورواجها لدى شيوخ ووجهاء الداخل المتلهفين للجاه والوجاهة بأي ثمن ، وشيدت المضايف التي لايعرف أحد مصادر دخلها وتمويلها تحت ستار وشعار الدلة والديوان والكرم العشائري والنخوة العشائرية التي افقدتها هذه النماذج معناها الحقيقي .
وأخذت هذه الخيوط دورها الواضح والصريح وانتعشت من خلال ساحات التظاهر والأعتصامات ، فأظهرت وجوهها ورفعت راياتها للعلن و (( قادمون يابغداد )) . وقامت بتأزيم
الفوضى واقتياد الأمور ليتم تتويجها بتسليم الأنبار اسوة بمحافظات اخرى الى داعش التي سيطرت بظلامها وجرائمها على المحافظات المعروفة ومن ضمنها الأنبار .
ولم يلاحظ أي دور يذكر لهؤلاء الشيوخ والمشايخ والوجهاء في تخفيف وطأة التهجير والتشريد القسري الذي تعرض له أبناء محافظتهم التي يتشيخون عليها ويبنون لأجلها مشروعهم الوطني واختفوا عن الأضواء فجأة بعد أن تسببوا بتمزيق البلاد وتشريد العباد ورميهم تحت السماء عرضة للحر والبرد والمطر والعوز والمرض والجوع بدون حلول أو بدائل منطقية .
فأين كان أصحاب المشاريع الوطنية ، وأين شيوخ العشائر التي تطارد الخيل في مضيف كل منهم .
وكانوا فقط ينبرون عبر شاشات الفضائيات من الأثير البعيد ومن أضواء الصالونات بين مطبل وعازف ومروج .
لقد كانت الظروف التي مر بها أبناء هذه المناطق كشفا واضحا لعمالات وخيانات وتجارات الكثير من الرموز المعروفة والكثير من المبطنين غير البارزين على شاشات الأحداث ، وقد اثبتوا ان الطائفية لديهم أهم وأغلى من كونهم عراقيين .
ان ماحصل في الأنبار كان درسا يجب ان يكون قد استوعبه أهل الأنبار أولا ، وان الأبناء الذين قدموا أنفسهم للتضحية والقتال دفاعا عن الأنبار وغيرها هم فقط من يستحقون ان يكون لهم الصوت والتصرف وهم الأحق بالبقاء على أرضها .
يجب ان نتعلم الدرس ، وان هذه (( المشيخات )) والوجاهات ليست سوى تماسيح تخرج لتلتهم ثم تعود تغطس بالطين ، أو ثعالب تخطف غنيمتها وتهرب الى الخارج .
وتظهرهذه الثعالب والتماسيح رؤوسها في الأوقات التي تلوح ثمة غنيمة في الأفق ، أو ثمة موجة لابد من ركوبها ، أو التبجح بانجازات وانتصارات لاذكر لهم فيها .
E.MAIL: [email protected]