ما أسمعه من حملات تضليل دعائي، ولا أقول إعلامي ، عن الأنبار ، يدخل في نفسي الأسى والحزن والإستغراب، عن الأنبار ، يشيب لها الولدان، ويكاد تتفجر من هوله الجبال ، وتجف ينابيع الأنهر والوديان عن الجريان.
وعندما ما أتابع مايقال وما يكتب وما يبث عبر الفضائيات المأجورة عن الأنبار في حملات الصخب الدعائي الرهيبة ، وما تتحدث عن وجود حالات فساد في دوائرها هذه الأيام ، هو ليس بتلك البشاعة التي صورتها بعض وسائل الدعاية المغرضة ، وذات الأجندة المشبوهة المعروفة ، ولا بالطريقة التي صورتها بعض الشخصيات التي تعد محسوبة على الأنبار، أو من شخصيات من محافظات أخرى.
الأنبار ياسادتي الكرام..هي أرقى معادن العراق الأصيلة ، وهي موئل كفاءاته ومحطة انطلاقة نخبها ومبدعيها، بل هي مصدر قيادات البلد على مر التاريخ ، وقد سجل قادتها العسكريون منهم والمدنيون، وكذلك شيوخهم ورموزهم الوطنية ، صفحات بيضاء مشرقة ، تشهد لهم صفحات التاريخ، أنهم كانوا السباقون الى الفضيلة والى القيم العليا ، وكل ما يرفع رأس كل عراقي الى أعالي السماء!!
بل أن أهل الانبار يسوءهم أن يسمعوا تكرار حملات طائفية من قيادات عليا في الدولة ، وقد أعادت فيها تكرار إسطواناتها المشروخة في حملاتها الإنتخابية الجديدة، التي تتحامل على خلفاء الأمة وأوليائها الصالحين، وتراها تدق بين مضامينها طبول الثأر والحقد والكراهية من جديد، وتزبد وترعد وتتوعد بالإنتقام من التاريخ ، ومن كل ما هو عربي مسلم حقيقي ، رضي بالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبصحابته الكرام أولياء ومقامات عالية ، يتشرف بها كل أهل العراق، دون إستثناء، وكأن أهل الانبار ومحافظات أخرى هم المشمولون بحملات الثأر والإنتقام المستقبلية، كفانا الله شرها ، وواقف طبول حربها اللعينة.
صحيح أن هناك حالات بعض فساد في دوائر الأنبار ، بسب طبيعة لنظام السياسي الغارق حتى أذنيه بالفساد، لكن ما هو موجود منه في الأنبار، مقارنة بما يجري في بغداد مركز الدولة ومحافظات أخرى قريبة من ألانبار وأخرى بعيدة ، ربما لاتتعدى نسبته الـ 5 % ، وكما يقدره أهل الأنبار أنفسهم ، في أسوأ الأحوال!!
وبرغم أنني غادرت الأنبار منذ السبعينات، ولا أراها ربما الا كل سنوات متباعدة، إلا أنني أتابع أخبارها عن كثب، ولي علاقات طيبة مع نخبها ورموزها الأجلاء .. وما أتابعه من هجمة دعائية وسياسية شرسة من وكالات أنباء وفضائيات وشخصيات من داخلها ومن خارجها، يشكل غصة أليمة تحز في نفسي ، وأنا أعرف ، وكما يعرف الآخرون، أن الأنبار هي مركز قيادة العراق لقرون، وهي من كان لها القدح المعلى في مفاتيح السلطة والقرار، وهي من أعطت ووهبت خيرة رجالاتها وكفاءاتها لتعلي إسم العراق في مختلف شؤون العلم والطب والادارة العليا وحتى على صعيد الثقافة والفنون، ويشهد لها القاصي والداني بمنزلتها الرفيعة على مر التاريخ، ولم تكن إلا عراقية الهوى والمضنون العروبي، بلا حقد أو ضغينة على أي كان!!
ربما أسهمت شخصيات قليلة ممن هي محسوبة على أهل الأنبار، ونكن لها كل التقدير والإحترام، لأنها أرادت هي أن يكون لها أيضا دور في مستقبل العراق وفي الأنبار، لكي تسهم بدون قصد ، وآخرين ربما ، ممن لم تشبعهم الدنيا من نهمها وطمعها، في تكوين تلك الصورة المشوهة المعتمة عن أهل الأنبار وعن فساد مسؤوليها، إنتقاما من شخصيات سياسية تختلف معها في المنهج والتوجهات، وصورت الأنبار وكأنه إحدى قلاع الفساد في العراق!!
أما من خارجها فقد إستغربت تصريحا لشخصية فاضلة من أهل صلاح الدين، وهو مستشار في رئاسة الوزراء ، ليعلن أن الأنبار تحتل المركز الأول بعد صلاح الدين في الفساد الذي يجري في الأنبار، أو هكذا يتم تصويره للآخرين، بهذه الطريقة المبالغة في التهويل، لأن الأنبار لاتستحق أن يتم تشويه سمعتها وسمعة أهلها، بممارسات بعض رجالات الدولة ضمن إدارتها، ولاننكر أن هناك شبهات فساد تقع، لكنها ليست بتلك الخطورة ، حتى يقاس بفساد مئات المليارات أو مئات التريليونات من الدولارات ، كشف عنها في أعلى مراحل هرم الدولة ببغداد ومن مقربيها، وحتى في محافظات أخرى، ولم تكن هناك محاسبة ترتقي الى حجم الفساد المهول في بغداد ، إن لم يتم الإفراج عن فاسدين كبارا ومن الدرجات البالغة الأهمية ، وقد سرقوا مليات الدولارات، وهم يخرجون بعد أيام أو ساعات قلائل من إيداعهم السجون!!
أجل..كلما تمعنت في تلك الحملات الدعائية المغرضة التي تشنها وكالات أنباء وفضائيات، وأبواقها اللعينة ، لتشهر بأهل ألانبار ورموز سلطتها، وبهذه الطريقة المقرفة والموغلة في النفخ والتهويل غير المبرر، يساورني قلق كبير وألم قاس وثقيل، لأن الأنبار حتى الى ما قبل أشهر، كان تعد هي الأولى فيمن قدمت أبهى صور عن البناء و الإعمار في تلك المحافظة ، وعن قدرة مسؤوليها ومواطنيها عن تجاوز محن داعش وطغيانها وتأثيرات ومخلفات العمليات العسكرية على محافظتهم ، حيث تحولت دوائرها وبيوت عشرات الآلاف من أحيائها في فترة إحتلال داعش البغيض لها الى ركام، وها هي بعد بضعة أشهر من عودة أهلها من خيم التهجير وجسور المذلة ، التي واجهتها ، لتستعيد عافيتها، وقد تحولت الى قلاع شامخة يفخر بها وبجمالية شوارعها ودورها العامرة بالبنيان الراقي ، ويشيد بسرعة إعمارها وجمالية عمرانها أهل الوسط والجنوب قبل أهل الأنبار!!
ولأن الأنبار، هي شمعة العراق وموطن رجالات سلطته الكبار الميامين الأبطال، يعرف كرمهم وطيبهم وشجاعتهم في الملمات ومواقفهم المشرفة القاصي والداني، ولأن بؤس الحياة وفسادها في بغداد راح يزكم الأنوف، ودخانها الأسود المتطاير أعمى الدولة وأقعدها عن الحركة ، فقد وجدوا في الحديث عن حالات فساد قليلة في الأنبار تحويلا للانظار عن فواجع الفساد المهول في بغداد، وفي محافظات الوسط والجنوب وفي محافظات قريبة من أهل الانبار ، ووجدوا في تلك الحملات الظالمة مدخلا ، لأن تقع الانبار على لسان كل من أراد بها سوءا ، أو إغتاض من حكم اهلها، خدمة لأجندات خارجية وطائفية مقيتة ، يعرفها أهل الأنبار قبل غيرهم، وهم من كانوا ضحايا تلك الدول والقوى ، وقد خبروا أجندتها التي إختارت لهم داعش، لتلقي بأهل الأنبار في التهلكة ، عسى أن تطيح بهم ويذهب ريحهم، وتخلص من رجال أشداء ، إستمروا على منهجهم يطالبون بأن يبقى العراق عربيا يدافع عن كل العراق، وهم ، أي أهل الأنبار يفتخرون بعروبتهم وبدفاعهم عن الإسلام الحقيقي وليس المزيف والمغلف بحقد أزمنة التاريخ البغيضة، التي تستهدف من خلال تلك الحملات الرخيصة أن ينالوا من مكانتها ، وعلها تنحني أمام هجماتهم البربرية الشرسة ، ولم يتركوا بابا من أبواب تفاهات الكلام ومضامينه البذيئة ، حتى القوها عليها ، للحط من قدرها ومن قدر أهلها ، وهم الشموس والاقمار والجبال العالية المقام، الشامخة بكل ما يرفع الرأس عزا وكرامة ورجولة وإباء وشرفا وحماة عز، ومواقف تسر صفحات التاريخ التي يعرف كنهها كل من عرف أهل الأنبار أو عاشرهم، وها هي أخلاقهم وقيمهم وكرمهم وسخائهم ودفاعهم عن العراق، يشكل مصدر فخر ليس للعراقيين فحسب بل للعرب والمجتمع الدولي، الذي يعرف أن تاريخ الانبار غائر في تراب الأرض وفي نخيلها الشامخ علوا وكبرياء ، وهو يدق جذوره في أعماق الأرض، وهيهات لريح خبيثة أن تقتلع الأنبار أو أم تهز من كيانها الصلد الغاطس في جذور حضارات الزمن العريق ، من أرض الرافدين المعطاء.
الا تبت ألسن السوء المغرضة التي إمتدت الى الأنبار، لتقتص من أهلها، بدوافع الحقد الأعمى وتاريخها اللعين، وتنفذ سموم أفاعيها.. لكن أهل الأنبار بالمرصاد لكل تلك الأفواه الرخيصة ، التي ما تركت موبقة إلأ وأفرغوها على أهل الأنبار، لأنهم تذوقوا السم الزعاف من مواقف أهلها في دفاعهم عن حماها، وهي أي الأنبار، الصخرة الصلبة المنيعة التي تتحطم عليها كل مؤامرات الحاقدين ، حتى تتهشم رؤوسهم العفنة، وتبقى الأنبار عصية على مر الزمان، وهي تحمل نياشين عزها وفخرها التي تملأ الصدور، فما زالت سيوفها لم تصدأ بعد، ولم يكن بمقدور الزمن الأغبر الحالك ظلمة وسوادا أن يغطي شمسها بغربال..ولتخرس ألسن السوء .. وتندحر فلول الطامعين والحاقدين من أين أتوا..أيها ألانبار.
تعاليت أيها الأنبار.. يا شمس الكبرياء والثوار .. يا أنبار الصمود والعز والفخار، وقد تكللت جباه رجالاتك بنياشين البطولة وتيجان الغار .. أما الفاسدون في الأنبار، فلن يقبل أحد بهم، وهم سيلاقون حسابهم الذي يستحقون.
عاشت الأنبار..عاشت الأنبار..وليسقط المتخاذلون من أعدائها الأشرار.. أما شهداؤها ممن دافعوا عن حماها ففي جنات النعيم ، وهم الأحرار الأبرار..أيها ألانبار.