18 ديسمبر، 2024 9:58 م

الأنبار .. حرب بلا شهود..!

الأنبار .. حرب بلا شهود..!

يسأل الناس في كل مكان تقريبا ؛ في العراق والوطن العربي ،وحتى دول أوربا والأمريكيتين : لماذا لم تنل الحرب على الأنبار بمختلف ذرائعها الحكومية أو المقاومة لها أهتماما إعلاميا يوازي حجم الخطورة التي تمثلها تفاصيلها ثم نتائجها على العراق والأقليم وبالتالي على مصالح العالم بإسره ؟ لماذا أمتنعت وكالات عالمية مهمة وفضائيات إخبارية بارزة وكذلك صحف تميزت بملاحقة الحدث وقراءة ما بين سطوره في كل مكان من العالم عن إرسال مراسليها لعين الحدث ونقل تفاصيله للمتلقي؟ 

ويتسائل الناس فيما يتساءلون : هل أن الحرب المحورية في الأنبار ، وهي تشكل ثلث مساحة العراق الكلية ، أو نصف مساحته في حال أستثنينا أقليم كردستان العراق ليست مهمة أو إنها من البساطة والمحدودية بمكان يجعل من صناع القرار في وسائل الإعلام المختلفة تتجاهلها ؟ وأخيرا كيف تتفق جميع الوسائل الإعلامية على إبراز حدث ما أو تجاهله؟

العالم اليوم ، حتى في داخل العراق ، وفي ظل غياب تام لدور المراسل الميداني المحايد ، بات في حيرة من موضوع الحرب على الأنبار ، فرئيس وزراء العراق نوري المالكي ، استطاع أن يستغل رعب العالم من مفردة ” الإرهاب” ليركبها على هدف إستراتيجي لديه يتمثل بالقضاء على أقوى الجهات التي تعرقل تنفيذه لإجندة حزبه ( حزب الدعوة)ومن قبلها الأجندة الإيرانية ومشروعها الكبير ، تلك هي منطقة الأنبار ذات الطابع العشائري والرجولي الخاص عبر تاريخ العراق الحديث ، وبالطبع لم يعد معيبا أن نقول ، ذات المذهب الذي يسعى المالكي لتقزيمه وحسر حضوره في مجريات الفعل السياسي العراقي لإجل غير محدود ، وقد توافق ذلك مع المشروع الأميركي الخاص بإنهاء أي وجود لقوة تذكر في عراق اليوم والمستقبل حفظا لإمن إسرائيل التي لم يهدد أمنها القومي فعلا إلا عراق قوي بقيادة وطنية خالصة . 

ورغم نجاح أهالي الأنبار في فضح أمكانيات جيش العراق ” الجديد” والذي بات يسمى الآن بجيش المالكي ، وإظهار هشـــاشة وضعف وتخبط مستوى هذا الجيــــش وقياداته بكل صنوفه ، ورغم تجلي غبار معارك المدن وما حولها التي خاضها هذا الجيش عن حقيقة محورية يعرفها كل من مارس العسكرية أو قرأ عنها ، ألا وهي فقدانه لمبدأ رئيسي من مبادئ القتال ، تلك هي ( العقيدة) ، إلا أن ما يهمنا في هذا المقال هو الإجابة عن تلك الأسئلة التي ذكرناها سالفا ، خصوصا وأن المالكي الذي يجد نفسه يمارس دور المراسل الإعلامي الوحيد في نقل نتائج المعارك في الأنبار ، معتقدا أن العالم الذي يسير الآن بالمعلومة الموثقة والصورة الأكيدة ، سيصدق رسائله المكررة ذات اللون الأصفر الباهت فيما تعرف جميع الوكالات العالمية، وكذلك وكالات الأستخبارات ، أن ما يقوله رئيس وزراء العراق حقيقة إلا تهريجا يجلب الضحك والإستهانة بمكانته في هذا المنصب السيادي الكبير كحاكم شبه مطلق للعراق اليوم .

إن وسائل الإعلام الرئيسة في العالم تأتمر بإمرة دهاقنة الإعلام وأساطينه ، وهم في حقيقة الأمر صناع القرار الإعلامي في العالم بإسره ، حيث يعتبر الإعلام الأداة الرئيسة للتغير بحسب الأجندة المطلوبة لحكم وتقدير مقدرات العالم من قبل المنظمة العالمية والتي هي خليط بين الصهيونية والرأسمالية العالمية ، لذلك تجد أن خبرا مثل معارك في أفريقيا الوسطى أو بعض عمليات أغتصاب من قبل جنود في مينامار وغيرها ، تقدمها جميع وسائل الإعلام بإهتمام واحد ، وتجد عمليات إبراز لعناوين معينة ضمن نشرات الأخبار توحد جميع الفضائيات وكإن مالكها شخص واحد ، تلك هي واحدة من عمليات تطبيع ذهن المتلقي وبالتالي توحيد الأتجاهات وردود الأفعال للرأي العام العالمي تجاه قضية معينة ، والعكس صحيح عندما تعمد هذه الوسائل الإعلامية بإوامر من صناع القرار الإعلامي العالمي إلى تجاهل أو تغييب قضايا أخرى أو تناولها بشكل هامشي مع التركيز على منحها ( الأخبار) الصفة الموجزة التي تجعل المتلقي ينأى عن الخوض فيها لضبابية الصورة وامتزاجها بالمحضورات من قبيل الأرهاب أو الطائفية أو غيرها .

الفضائيات العراقية ليست إستثناء من ذلك ، فهي أسيرة المصالح الضيقة التي تتحكم بممتلكيها والذين بدورهم يساقون بمرجعيات دينية طائفية أو أقليمية تجعلهم غير موضوعيين ولا محايدين في نقل الأخبار وتغطيتها ، لذلك نرى هذه الفضائيات بين مؤيد لحملة المالكي على الأنبار ، أو مستغلا لها لبناء هجومه التسقيطي إنتخابيا له ، بإستثناء واحدة أو أثنتين تحاولان نقل الحقائق لكن تمنعها القيود التي تفرضها الآلة الأمنية والعسكرية للمالكي من جهة ، وضعف و ندرة أمكاناتها المالية من جهة أخرى، لهذا السبب ظلت الأخبار المتناقلة عن ساحة العمليات مغيبة ولا يستمع أو يشاهد المتابع ما يستحق أن يوصف ب”الخبر” عن هذه العمليات ، بل حتى التقاليد التي تكون عادة معروفة في مثل مستوى ونوع وحجم مثل هذه العمليات في العراق وغيره من دول العالم غابت عن حرب الأنبار كأن يكون هناك ناطق عسكري يلتقي بمراسلين لوسائل الإعلام ينبأهم عن تطوراتها ويسمع منهم اسئلتهم وقد عزى سبب ذلك مسؤول قريب من المالكي إلى “الطبيعة الحساسة لحرب الأنبار” .

لقد نقل لي بعض العراقيين تخوفهم من ضبابية الأخبار التي تصل بشكل متضارب وعام عن حرب الأنبار ، فلم يعد العراقي و العربي يعرف حقيقة طبيعة الموقف على الأرض ، وللتاريخ يجب أن نقول ، أن رئيس وزراء العراق بما يملك من دعم أمريكي إيراني مباشر وما يعنيه ذلك من شلل متعمد للإعلام العالمي عن تغطية الأحداث هناك ، إضافة إلى ما يسيقه من أخبار كاذبة وملفقة عن مجريات الأمور ، فإن الواقع الفعلي في مدن الفلوجة والرمادي والكرمة وأبو غريب وغيرها ، ينطق عن حقائق تدحض حتى هذه اللحظة كل ما يروج له المالكي ودوائر البنتاجون الأميركي والحرس الثوري الإيراني وأتباع المالكي في العراق ، فليس كل من غطى وجهه تحسبا للمستقبل هو من ” داعش” ، وليس كل من دافع عن بيته وعرضه وحقه في الحياة والتعبير عن الرأي هو من تنظيمات ” القاعدة” ،والدليل أن المالكي لم يستطع حتى اللحظة إثبات وجود “داعش” و”القاعدة” في هذه المدن ، وهو ما تعرفه واشنطن جيدا .

إن حرب الأنبار قد تكون فرصة كبيرة لقلب الأمور على رأس صناعها رذا ما توافرت صفة واحدة لثوار الأنبار المنتفضين ؛ تلك هي الصمود ، ولا شيء سوى الصمود ك ذاك أن العالم لن يستطيع تناسي هذه الحرب لمدد لا متناهية ، فالعراق ليس نقطة لا أهمية لها علي خارطة العالم ، ولعل تخبط المالكي في قراراته وتخوفه من القادم ، وهو قادم ، يدفعه لإرتكاب المزيد من الأخطاء ، من ذلك إغلاق مكتب جريدة ” الشرق الإوسط” في بغداد وإيقاف طبعتها الدولية التي تطبع هناك ، ثم تصدي أجهزة المالكي لكل المنابر الإعلامية بالتهديد تارة وبالإغراء تارة أخرى ، والأهم، إستمرار منعها للمراسلين المتواجدين ضمن مكاتب وكالاتهم أو فضائياتهم من التحرك تجاه مناطق الصراع والعدوان العسكري على مدن الأنبار .

إن ما يمكن أن نقدمه للأنبار كقضية تشكل مدخلا لتخليص العراق من مواطن الرذيلة والفساد الذي عم العراق كله منذ أكثر من عشر سنوات ، وكمعركة مفتوحة تعني القصاص من خونة العراق وتخليصه من النفوذ الغربي والإيراني المتحكم بكل عناصر تحرره ونموه وتطوره ، كل واحد منا ، أينما كان ، وبإي موقع كان ، عمل واحد يجعلنا نقلب الأمور رأسا على عقب ، ونسمح للعالم أن يفتح عينيه من جديد على العراق وما يعانيه شعبه حقيقة ، لا تضليلا ، هذا العمل هو أن نشجع المراسلين الصحفيين ، الغربيين بالدرجة الأولى ثم العرب ، ونحفزهم للمغامرة التي تستوجبها مهنة الصحافة والسفر الى العراق ثم الوصول الى مناطق القتال لينقلوا الحقيقة كما هي ، وليخبروا العالم أجمع عن حقيقة وجود “داعش” و”القاعدة” ، وعندها ستجدون كيف يتغير الميزان الدولي تجاه ما يحدث هناك في الأنبار ومن خلالها في العراق كله ، ولكي لا ننسى علينا أن نتذكر المراسل النشط ، وائل عصام ” العربية” ، وأحمد منصور ” الجزيرة” و دورهم التاريخي في نقل تفاصيل الفلوجة من الداخل ، وتفاصيل عن المقاومة الباسلة التي قاتلت وتصدت للقوات الأميركية المحتلة ، نحتاج إلى مراسلين مثلهم ليقولوا للعالم أن من يقاتل في الفلوجة اليوم هو ذاته من صورته كاميرا القناتين عام ٢٠٠٤، أولئك الرجال الذين أجبروا الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن للقول 

«لقد واجهت قواتنا اسبوعاً قاسياً.. وانا اصلي كل يوم من اجل ان تتراجع الخسائر.. لقد ملأت أرقام الموتى قلبي بالعذاب.»