العام 2013 كان العام الاكثر عنفا في العراق منذ 2008 – مما يذكر بان الحرب على العراق بعيدة عن النهاية. واندلاع العنف الاخير في محافظة الانبار يرتبط باخلاء خيم الاحتجاج والاعتصام واعتقال نائب برلمان هو احمد العلواني على ايدي قوات امنية، في اثناء ذلك قتل اخوه وخمسة من حراسه. فاستقال 40 عضو برلمان من نفس قائمة العلواني احتجاجا على الاعتقال العنيف، فيما تضمنت المواجهات المسلحة التي اندلعت في ارجاء المحافظة سيطرة مسلحي داعش «الدولة الاسلامية في العراق والشام» وأبناء العشائر المسلحين على اجزاء واسعة من عاصمة المحافظة الرمادي وعلى مدينة الفالوجة. وسيطر المسلحون ايضا على مواقع للجيش ومحطات الشرطة وحرروا سجناء؛ وبالتوازي ردت قوات الامن بقصف المواقع والمدن من الجو وبقذائف هاون وبصورة عنيفة.
الانفجار الاخير في محافظة الانبار خطير ولكنه واحدا من أعراض بعض من امراض العراق. فالاحتجاجات والاعتصامات ضد حكومة المالكي بدأت كموجة عفوية من المظاهرات غير العنيفة والعصيان المدني وتدهور الى تمرد عنيف يهدد باجتراث الدولة مرة اخرى الى حافة حرب اهلية. فأهالي هذه المناطق يتهمون الحكومة وتحديدا شخص رئيسها باستخدام الاعتقالات العشوائية والقمع الوحشي ضدهم مما يضاف الى التمييز في كل مجالات الحياة الذي يعانوه منذ بداية الاحتلال. ويعمل المالكي على حد زعمهم على أن يجمع في يديه المزيد من صلاحيات الحكم واخضاع اجهزة الامن له واستبعاد محافل السنة عن الساحة السياسية في العراق.
وقد استغلت هذا الاحباط منظمات كداعش التي ترى في المعركة على سوريا والعراق صراعا واحدا. وتعمل داعش على جانبي الحدود بالتوازي وتتطلع الى اقامة امارة اسلامية موحدة في المناطق التي تحت سيطرتها. وساعد تفكك الجيش السوري وسقوط العديد من مخازن السلاح لديه في ايدي المعارضة، وكذلك التبرعات السخية، التي تصل اساسا من جهات خاصة ومنظمات «خيرية» في دول عديدة، هذه المنظمات، الداعمة لتنظيم القاعدة، لرفع مقدارها في العراق بعد الضربة التي تعرضت لها في عامي 2007 – 2008.
في تلك السنين تحديدا، بالتوازي مع التعزيز المكثف للجيش الامريكي في العراق، بدأت القوات الامريكية بالتعاون مع الحكومة العراقية و القبائل والعشائر في محافظة الانبار، ممن ملوا تواجد القاعدة ونفروا من طريقها العنيف، بالصراع ضدهم. وكان التعاون مع الصحوة التي تشكلت من رجال هذه العشائر والقبائل وتلقت الدعم بالتمويل والسلاح من القوات الامريكية العامل الحاسم في نجاح العراق في تقليص عدد القتلى في العمليات الارهابية وفي المواجهات المسلحة. غير أنه منذئذ اهمل الامريكان الصحوة فبعد مغادرة القوات الامريكية، رفضت الحكومة في بغداد مواصلة دفع الرواتب لمعظم رجالها، بل واعتقلت العديد من اعضائها خشية أن تشكل الحركة بنفسها تهديدا على الحكومة.
التقى المالكي بقادة العشائر في المحافظة في محاولة لاعادة تنظيم الصحوة بل وأعلنت عن التقدم بعدة مشاريع كاقامة مدينة صناعية، مطار جديد ومنشأة لتكرير النفط، بهدف استعادة ثقة السكان والاظهار بانها تنصت لمطالب الاحتجاج. كما أنه في اعقاب الاحداث الاخيرة، نجحت الحكومة العراقية في الوصول مع بعض العشائر المسلحة في المحافظة الى اتفاق مؤقت يسمح لها بالتعاون معها ضد الاسلاميين. فالجميع يعرف نفور العديد من ابناء العشائر في المحافظة من المتطرفين ولكنها في نفس الوقت لا تثق بالحكومة وبقوات الامن العراقية . كما أن حقيقة أن داعش قادرة على أن تدفع الرواتب، حتى وان كانت قليلة، للسكان المحليين تدفع الكثير منهم الى الانضمام الى صفوفها. كما ان العمق الاستراتيجي لداعش، التي وسعت سيطرتها الى مناطق واسعة في سوريا، والتي توجد خارج متناول يد قوات الامن العراقية، او قوات الاسد، يمنح المنظمة اهمية لدى ابناء تلك المناطق.
كلما زاد العنف سارت الامور الى عدم الأستقرار في نظر السكان الذين يشكلون، الى جانب قوات الامن الهدف الاساس للعمليات الارهابية من الجماعات المسلحة المتطرفة. ومع ذلك، كلما استخدمت الحكومة قوة اكبر لقمع مراكز الاحتجاج فانها قد تفقد ثقة سكان هذه المدن المحتجة الذين يرون في اعمالها – هجوم على السكان و محاولة للقمع والسيطرة.
ويأتي الاضطراب ايضا على خلفية المخاوف على وحدة للدولة العراقية. فقد أعلنت عدة محافظات حتى الان عن تطلعها الى تشكيل اقاليم وبعض الأقضية تريد ان تصبح محافظات وربما نشاهد القرى الصغيرة والنائية تطالب بأن تكون اقضية، وهو الحق المحفوظ لها حسب الدستور العراقي. متخذين من اقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع اقتصادي وامني جيد اكثر من العديد من المناطق الاخرى في الدولة مثالا لهم. وبينما أثبت الاكراد استقلالهم في شمال العراق، بقي جنوب العراق بنظر البعض منطقة تحت النفوذ الايراني. فايران ترى في العراق، منطقة نفوذ طبيعي لها وجزء هام من التواصل الذي يربط بين الجمهورية الاسلامية وحلفائها في الهلال الخصيب – نظام الاسد وحزب الله.
لا ترتاح الولايات المتحدة لمايجري في العراق فعي تعتبره مساعدة لأايران على توسيع نفوذها في المنطقة، ضمن امور اخرى في انها تسمح للاخيرة بنقل العتاد والمقاتلين الى سوريا من اراضيها. كما ان الولايات المتحدة لا ترى بعين الايجاب مايجري في المسيرة السياسية في العراق . ورغم المصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة والعراق (وايران) في صد المتطفرفين والمسلحين، فقد ردت الادارة الامريكية حتى الان بشك وتردد على طلبات الحكومة العراقية زيادة كمية ونوعية السلاح المنقول اليها. فثمة تخوف من أن يستخدم هذا السلاح بين صراعات مكونات الشعب العراقي كوسيلة لنيل المساعدات الامريكية، السياسية والعسكرية، مما سيساعده عمليا في تثبيت قوته.
من المتوقع للولايات المتحدة أن تنتظر حتى تتيقن ان العراقيين سيتمكنون من استغلال الازمة الحالية كي يحققوا المصالحة بينهم قبل أن تتخذ بادرات طيبة اخرى تجاه العراق. فالادارة الامريكية، التي تشدد كل الوقت على ان هذا صراع عراقي داخلي، تسعى الان الى تزويد الجيش العراقي بوسائل قتالية (صواريخ جو – ارض، طائرات بلا طيار واذا ما رفعت المعارضة في الكونغرس، فمروحيات اباتشي ايضا) وذلك لمساعدته في صراعه ضد المسلحين. وسيكون هذا التزويد بالسلام اختبارا لمدى نفوذ الولايات المتحدة على الحكومة العراقية وكفيل بان تستخدمه الادارة الامريكية لخلق رافعة ضغط لتغيير السياسات الحالية في العراق وتقليص المساعدة التي يمنحها العراق لايران وسوريا. فالمساعدة العسكرية، حتى وان كانت غير مباشرة، يمكنها أن تساعد الادارة الامريكية للاثبات بانها لم تهجر العراق تماما، حتى وان لم تكن مستعدة لان تتدخل في ما يجري فيه بشكل مباشر.
الى جانب ذلك يجب أن لاننسى، هناك الايرانيون، الذين عرضوا مساعدتهم في القتال الدائر حاليا بينما يقف في المقابل السعوديون المتهمون بتقديم المساعدة للمتطرفين لضعضعة الاستقرار . ومع أنه لا توجد ادلة حقيقية مباشرة على ذلك، الا ان الكثير في العراق بشكل عام ينظرون نحو الرياض ويأملون بمساعدتها.
على الرغم من عدم الثقة بين اطراف العملية السياسية والنزاعات الدائرة حاليا في العراق، فان محاولة داعش السيطرة على مدن مركزية والرغبة في فرض صيغة متشددة من الشريعة الاسلامية في المناطق التي تحت سيطرتها كفيل بان يدفع بعض زعماء العشائر بالتعاون مع الحكومة بل ويسرع مساعي الحوار بين الطرفين. الكثير من السكان، الذين يعملون في اطار الميليشيات المحلية، يقاتلون ضد الاسلاميين بسبب النفور من ايديولوجيتهم ومن الرؤيا التي يمثلونها ولان الكثيرين منهم غرباء («متطوعون» من خارج العراق).
ان التوتر في محافظة الانبار- الذي يشكل ثلث الاراضي العراقية تقريبا – يرتبط في اساسه بغضب اهلها من بعض مايجري في العراق . كما يرتبط هذا التوتر بتسلل الحرب الاهلية في سوريا الى جارتها والغضب المحلي الناشيء عن المساعدة التي يتحدث عنها الكثير والمتمثلة بما تمنحه الحكومة في بغداد لنظام الاسد – الامر الذي يخدم الاسلاميين. لذلك فأن قدرة الحكومة على احلال الهدوء ورفع فرصه نجاح ذلك والمضي بأنتخابات برلمانية نزيهة منوطة بالمعركة العسكرية التي تديرها في الانبار وبقدر اكبر بقدرتها على رأب الصدوع الطائفية العميقة في العراق.