23 ديسمبر، 2024 12:27 ص

الأمية السياسية في العراق ..الأسباب وبداية التصحيح

الأمية السياسية في العراق ..الأسباب وبداية التصحيح

على عكس بقية الشعوب يبدو أن الشعب العراقي من أكثر الشعوب حديثا بالسياسة بعد عام 2003 ، إذ كان يؤدي مجرد الهمس بها إلى حبل المشنقة قبل هذا التاريخ وهو ما أسس لبداية يمكن أن نطلق عليها الأمية السياسية والتي يمكن ان تعرف بإنها : الجهل العام للوضع السياسي ومحركاته الداخلية والخارجية وتجاذباته المتعددة وربما يتعدى الى ما يحيط به من اوضاع لبلدان أخرى تؤثر فيه إضافة الى الجهل في الفكر السياسي و الأدوات السياسية وجزئيات نظام الدولة ودستورها وقوانينها مما يؤدي الى انعكاسات وردود فعل سلبية ونتائج غير مرضية .
وقد حفزت الديمقراطية المصدرة والإنفتاح الواسع في جوانب الإعلام وحرية الرأي وغيرها من جزئيات الحريات الشخصية والعامة ومبادئ الديمقراطية على خوض الشعب العراقي في موضوعة السياسة وتفصيلاتها.
ورغم مرور حوالي 20 عاما على هذه الإنفتاح السياسي وأكثر بالنسبة للاحزاب المعارضة للنظام الدكتاتوري إلا أننا ما زلنا نعاني من الأمية السياسية شعبيا بل وحتى نخبوياً. ويمكن أن نقر بان هناك اسباب ادت الى ذلك نوجزها بـ :

1-الجهل بالأساسيات والأبجديات التي أصابت روح الفكر والرأي والرأي الآخر .
2-غياب التخصص الأكاديمي والتجربة الناضجة في المتصدين للعمل السياسي وبالتالي غياب النخبة العاملة التي تهيئ قاعدة الوعي السياسي وتصنع وتسيطر على الحدث السياسي وتهيئ لقرارات وأهداف سياسية ستراتيجية سواء على مستوى المنظمات والأحزاب السياسية او على مستوى الجماهير.
3- ضعف ما يمكن أن نطلق عليه الثقافة السياسية لدى المتصدين وغياب الوعي السياسي وإن حضرت المصطلحات السياسية والشعارات الثورية السياسية.
4- تحكم القاعدة غير الواعية في صنع الحدث السياسي مما اوصلنا إلى قرارات وأحداث وأهداف ونتائج غير منتجة بل نتائج عكسية لا تصب في خدمة البلد وتطوره .
5- غياب التحديث ومواكبة التطور في العمل السياسي في جانبي الحكم والمعارضة مقارنة بالتجارب الناجحة في أماكن أخرى فضلا عن محاولة تطبيق نماذج لتجارب أخرى فاشلة او لا تلائم الوضع العراقي رغم نجاحها في أماكن اخرى. 6- وجود خلل في ضخ دماء جديدة للعملية السياسية وصناعة ودعم الأدوار الشبابية وتقديم الدعم الشباب الذين يتصدون لهذا العمل خصوصا أصحاب الأفكار الحيوية والتحركات المنطقية وناقلي التجارب الناجحة وحصر العمل بالتجارب والشخصيات الكلاسيكية التي هرم بعضها واصبح عالة على العملية السياسية من جانب وعلى المعارضة الشعبية من جانب .
7-غياب التقييم الحقيقي المبني على معايير ثابتة سواء داخل التنظيمات السياسية لمعرفة الاخطاء وتقويمها او من قبل الجمهور الواعي، إذ باتت التقييمات مبنية على المصالح ويسيطر عليها التضليل والاهواء وخلط الصالح بالطالح مما يزيد في أزمة الأمية السياسية التي ابتليت بها تجربتنا الحديثة بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣.
في الواقع أن ما يزيد في هذه الأزمة أيضا هو عدم الاعتراف بوجودها وبالتالي عدم السعي لمعالجتها، والأكثر ضررا أن المصابون بها يعتبرون آداءهم السياسي ناجحاً ويعملون على تصدير تجربتهم الى الآخرين مما يساهم في تفاقم أزمة الأمية السياسية ويعقد من محاولة التصحيح على مستوى النخبة أولا وعلى المستوى الجماهيري ثانياً . لذا نعتقد أن بداية التصحيح تكون بمجرد الإعتراف بوجود خلل سواء على جانب الفكر او التنظيم او الأفراد او الأداء هو بداية لحلحلة ذلك الخلل شرط أن يعطى دور التصحيح لاصحاب الخبرة والإستماع الى رأيهم وتطبيق خططهم واستقطاب أصحاب الفكر لبداية تصحيحية حقيقية لصناعة ثقافة سياسية عامة وأداء سياسي مختلف عما هو موجود على المستوى القيادي اولا ثم الجماهيري يمهد لتصحيح ما أشرنا له من أخطاء تفاقمت لتصل بنا إلى هذه الأزمة , ولعلنا نحتاج الى وقت طويل لهذه المعالجة بعد أن تفاقم تأثير هذه الأزمة السلبي على جميع القطاعات في بلدنا الحبيب .