واحدة من سمات المؤتمرات المتنوعة الاهداف التي عقدت وتعقد في العراق منذ 2003 حتى مؤتمر اعادة الاموال المنهوبة الحالي، هي انها تنتهي بلا مخرجات حقيقية تستجيب لأهدافها وشعاراتها المعلنة !
مؤتمرات المصالحة بشقيها المجتمعي والسياسي الرسمية منها والشعبية ، كانت مخرجاتها المزيد من التمزق والافتراق والاختلاف الى حدود استخدام السلاح كحل من حلول فك الاشتباك الاختلافي على المستويين السياسي والمجتمعي ، رغم انها اقيمت وعقدت تحت شعارات وثائق الشرف التي كانت تمزق خارج قاعات المؤتمرات قبل ان يجف حبرها !
مؤتمر قمة بغداد عام 2012 في زمن السيد المالكي ، من يستطيع ان يذكر منجزا من مخرجاته سوى قضيتين ، الاولى دعائية سياسية والثانية صفقات فساد بملايين الدولارات في اطار ماتم صرفه على المؤتمر !
مؤتمر بغداد الاقليمي 2021 ماذا فهمنا منه وما الذي وضعناه في جيوبنا المالية والسياسية سوى ادعاءات عن دور اقليمي للعراق في الوقت الذي تتصارع على ارضنا الاجندات الاقليمية والدولية حتى دون اذن منّا !
مؤتمرات للمصالحات العشائرية نتج عنها على الدوام المزيد من الصراعات العشائرية التي ارتفع مستواها باستخدام الاسلحة المتوسطة ومرشحة لاستخدام الطائرات المسيّرة !
مؤتمرات حزبية لرأب الصدع والوحدة تنتج لنا المزيد من الانشقاقات في أجواء اعلامية عن شق الصف والانحراف السياسي والفكري والتخوين الوطني في آخر المطاف !
مؤتمرات محاربة الفساد مازادت البلاد الا مزيداً من الخوض في مستنقعات الفساد التي حوّلت البلاد من دائنة الى مدينة ، بل ومتسوّلة في مؤتمرات مانحة للعراق لم نستلم منها فلساً واحدا بسبب “نظافة” أيادي الطبقة السياسية التي تحكم البلاد !
المؤتمرات الناجحة بامتياز هي مؤتمرات تقسيم وتشظية الجسد العراقي وتوزيع الحصص بين الفرقاء ولفلفة الكراسي كلّ تحت عباءته المشوّهة بشعارات حب الوطن من الايمان ، مؤتمرات من هذا النوع تبدأ وتنتهي بوقوف الجميع اجلالاً للوطن على انغام نشيد موطني !
واليوم نشهد مؤتمراً في بغداد لاعادة الاموال المنهوبة المهربة خارج البلاد ، وهي بمليارات الدولارات ، دون ان نسأل انفسنا :
ايهما اسهل واكثر اماناً ان ندخل الآن في نفق مثل هذا أم نركز الجهود ونشحذها على اعادة الاموال المسروقة (المنقولة وغير المنقولة) داخل البلاد ثم ننطلق للبحث عنها خارج البلاد كما نبحث عن ابرة في كومة قش !
اذا كنّا لانستطيع استعادة اموالاً من مسؤولين سياسيين ورسميين قالوا لنا علناً جهاراً انهم فاسدون وانهم تقاسموا الكعكة ..!
اذا كنّا لانستطيع فتح ملفات فساد يشيب لها الرضعان في داخل البلاد، كما صرًح مسؤولون من الخط الاول في أكثر من مناسبة ..
فكيف سنستطيع ملاحقة الاموال التي عبرت المحيطات والبحار وضيّعت في ممرات تائهة لامداخل لها ولا مخارج !
لقد شخّص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في كلمته التي افتتح بها المؤتمر احدى بديهيات واقعنا بالقول ” إن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة.. نعم، الفساد والتبديد قدرات الدولة وإمكاناتها إرهاب صريح، وقد مهد الفساد الطريق لعصابات داعش لتدنيس أرض العراق المقدسة واحتلال مدن عراقية عزيزة”.
ان تشخيصاً بديهيا معروفا ومشاعاً مثل هذا يتوجب ان تضرب به حيتان الفساد دون خطوط حمر ودون مخاوف من المواجهة وليس الاكتفاء بأكباش صغيرة تنفذ اجندات الحيتان والغيلان التي ابتلعت البلاد ، ويتوجب التعامل مع هذه الحيتان بنفس جدّية وقوة محاربة الارهاب والاطاحة بها أمام الجمهور ومصادرة اموالها بجرأة وشجاعة .
ولا اشك لحظة واحدة بأن الحضور من الاشقاء يعرفون جيداً ان بنوك بلدانهم والاستثمارات فيها من مسؤولين عراقيين ، هي من اموال الفساد المهربة من افواه فقراء هذا الوطن ، وربما الكثير من ارباحها تذهب لتمويل كل انواع الارهاب الداعشي وغيره المتستر تحت عباءة العملية السياسية وهي مأزقها الحالي !
نعم نحتاج الى جهود الآخرين ودعمهم ، لكننا نريدها جهوداً حقيقية صادقة قائمة على اهداف وبرامج واضحة وليس مؤتمرات تعارف ينطبق عليها المثل الشعبي العراقي ” لاحظت برجيلها ولاخذت مله علي ” !