الامن حاجة بشرية و مطلب اساسي للحياة و لا تعرف أهميتها إلا حين فقدانها فالذي يعيش تحت سياط التهديد و التخويف اليومي يحلم بلحظات الامن الذي كان يقظيها دون شعور منه …
يوماً بعد آخر تزداد و تتنوع مصادر التهديد لأمن الفرد و المجتمع من اقصى العالم الى اقصاه ، فسباق التسلح النووي قطعت اشواطاً ، و صناعة الاسلحة الفتاكة باتت مهنة انسانية و ظهور الجرائم المتنوعة مشاهد شبه يومية ناهيك عن العناوين المتعددة للجماعات الارهابية التي لا تعرف الحدود و الدين و القومية ، و انها وجدت لسفك الدماء و ملئ الارض فساداً و قهراً و قتلاً و تشريداً و تدميراً و ما ان تنتهي احداها لتظهر اخرى بعباءة جديدة تحمل نفس الافكار بل اشد .
(داعش) الجماعة الارهابية التي ولدت بين ظهراني القاعدة تحمل افكاراً دينية متشددة و اختلطت بالشوفينية القومية , ظهرت قبل سنوات و استطاعت ان تبني دولتها على نهج الخلافة المزعومة على الجماجم و الدم و انتهاك الحرمان و بسطت سيطرتها على اراضي واسعة من العراق و سوريا .
شعر العالم بخطورتها فتوحدت الجهود و تكاتف الايدي من اجل انهاءها من الوجود و بعد ثلاث سنوات متتالية من المعارك و القصف الجوي المكثف استطاع التحالف الدولي من دحره عسكرياً و لكنه زرع بذرة التشدد في الرؤوس عن طريق الدورات و المدارس الدينية لأنها كانت على علم بعدم قدرتها الصمود عسكرياً فلابد من مسك العقول لأنها لاتفقد بسهولة ماتم خزنه ..
ان تداعيات هزيمة داعش تظهر الى السطوح يومياً فأن (ايتام داعش) أي الاطفال الذين ولدوا في ظلها سواء من الشرعيين او اللقطاء و التي لا يزال بعضهم في السجون او من الطليقين باتوا تهديداً لأمن البلد الذي يسكنونه , هذا الموضوع الذي بات نقطة خلاف بين الدول عند مطالبتهم بضرورة تسليمهم .
كما ان مقاتلي داعش و الذين نجوا من القتل او القبض تختلف الاراء عنهم بين ضرورة التخلص منهم و تصفيتهم او عدم السماح لهم بالعودة الى بلدانهم و فريق ثالث يرى بأنه ينبغي السماح لهم بالعودة الى بلدانهم مرة اخرى طالما تخلصوا من هذا الفكر المتطرف و لكن الرأي الثالث اضعفها ، لأن التجارب السابقة برهنت مدى خطورة هؤلاء المقاتلين لأنهم تدربوا على استخدام الاسلحة و انخرطوا في القتال لفترات طويلة و انهم سيحملون الاسلحة ضد دولهم كلما سنحت لهم الفرصة بحجة تطبيق الشريعة .
هؤلاء المقاتلين يشكلون تحدياً كبيراً لجميع دول العالم و هي قضية شائكة لأن الاساليب و الطرق التي تلجأ اليها داعش متباينة و غير متوقعة حيث يوجه اتباعه حول العالم للقيام بعمليات فردية يطلقون عليها (الذئاب المنفردة) و لا تتطلب هذه العمليات التنسيق مع الجماعة الارهابية بل يكتفي داعش بتوضيح الخطوط العريضة للعمليات و هذا يجعل كل من انظم الى داعش قنبلة موقوته قد تنفجر في أي وقت و بأي مكان .
ان مصطلح (العائدون من داعش) شهد تفسيراً كبيراً بعد هزيمة التنظيم الارهابي في كل من سوريا و العراق ففي البداية كان المصطلح يطلق على المغرر بهم بدولة الخلافة و لكن الاوضاع على ارض الواقع كانت تختلف اختلافاً جذرياً عما كان يروج له داعش ، و لكن المصطلح اخذ مدى اوسع بعد هزيمة داعش فأصبح يشمل كل من يحمل الفكر الداعشي و انهم مصدر خوف شديد لدى الدول . اذ تشير الاحصائيات المختلفة الى وجود اعداد كبيرة منهم لا يزالون على قيد الحياة فمثلاً الاتحاد الافريقي قدر عددهم بخمسة آلاف مقاتل يحاربون في الشرق الاوسط و اعلن مركز الدراسات الالماني (فيريل) ان عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات اوروبية و امريكية في صفوف داعش بلغ (21500) و ان العائدين الى دولهم بلغ (8500) شخص و تشير تقديرات الولايات المتحدة في عام 2016 الى ان عدد مقاتلي داعش في سوريا و العراق يبلغ (36500) مقاتل بينهم (6) آلاف اجنبي (غير عربي) اما الامم المتحدة فقد قدر عددهم ب (30) الفاً بينهم (7) آلاف اجنبي حسب قائمة نشرتها الشرطة الدولية الانتربول ((المصدر جريدة الشرق الاوسط العدد (14363 في 26/3/2017)).
ان وجود هذا العدد الكبير من المقاتلين المنتشرين في اغلب الدول يشكلون تهديداً مستمراً لأمن هذه الدول و ان اختلف اساليب عملياتهم بين وضع العبوات الناسفة او الدهس بالسيارات او الرسائل التهديدية و هذا ما يضع الاجهزة الامنية و رجال الأمن و القضاء امام امتحان صعب و يزيد من مهامهم اليومية و يطلب جهوداً مكثفة في سبيل تحديدهم و متابعتهم و جمع المعلومات عنهم و القبض عليهم كلما تطلب الامر لينعم المواطنين بالأمن فأنهم الورم السرطاني في الجسم يجب استئصاله متى لزم ذلك و هكذا هي الحياة فأن الاحداث تخلف وراءها الاثار مثلما هي الجماعات الارهابية تترك بصمات لا يمكن التخلص منها بسهولة .