22 نوفمبر، 2024 1:35 م
Search
Close this search box.

الأمن المائي العراقي .. بين السياسة الترقيعية والرؤيا الاستراتيجية

الأمن المائي العراقي .. بين السياسة الترقيعية والرؤيا الاستراتيجية

يعد الأمن المائي من الاولويات الوطنية الاستراتيجية في عراق الرافدين، الذي شكل القطاع الزراعي منذ الازل موردا اقتصاديا هاماً، يؤمن السلة الغذائية ويحقق الرخاء الاقتصادي لشريحة واسعة النطاق من سكانه.
          ولأهمية الموضوع لابد لنا اولا ان نسلط الضوء على المعاهدات الدولية لحماية منابع الرافدين “دجلة والفرات” وجوانب الاختلاف في تفسير القانون الدولي للبلدان المتشاطئة، لكون الصراع على المياه بات يرسم ملامح الصراع المستقبلي بين تركيا والعراق، وما يضيفه على المشهد من عواقب وخيمة، لكون المياه تشكل الركيزة الأساسية للرؤيا الاستراتيجية، ولكونها العنصر الفاعل في بناء القوة الاقتصادية المهيمنة والفاعلة في الأمن الغذائي، وما يتصدر المشهد من احتكار دولة المنبع للمياه واستخدامه كسلاح تهدد به دول الحوض الأدنى.
             منذ عام ١٩٢٣ ولغاية ١٩٤٦ عقدت أربعة اتفاقيات: الاولى عام ١٩٢٠ كان اطرافها بريطانيا وفرنسا تنص على بنود اتفاقية حول استخدام مياه دجلة والفرات، والثانية عام ١٩٢٣ اتفاقية لوزان كان اطرافها تركيا وبعض الدول الأوربية، حيث نصت على ان تتشاور تركيا مع سوريا والعراق قبل تنفيذ الاعمال الهيدرولوجية، وتبعتها اتفاقية حلب عام ١٩٣٠ بين تركيا وفرنسا والتي تنص على الحقوق المائية لسورية في نهر الفرات، والاتفاقية الرابعة بين تركيا والعراق عام ١٩٤٦ تتضمن اضافة الى الصداقة وحسن الجوار التعاون حول المياه المشتركة.      

 وتشكل هذه الحقبة التاريخية جزءا هاما من الاتفاقيات مع تركيا اما ما لحقها من اتفاقات وبرتوكولات فهي على النحو التالي:         

وجود بروتوكول تعاون اقتصادي بين سوريا وتركيا عام ١٩٨٧أعطى لسوريا تدفق مائي بزيادة ٥٠٠م٣ / ثا عقبها اتفاق عراقي سوري عام ١٩٩٠ينص لتقاسم مياه نهر الفرات بنسبة ٤٢٪‏ لسوريا و٥٨٪‏ للعراق، وكان اخرها عام ٢٠٠٩ بين تركيا والعراق حيث وعد الرئيس التركي بزيادة إطلاق المياه في حوضي دجلة والفرات، وحيث لا وجود لضوابط علمية وقانونية لتحديد الوعد بمنظور بروتوكولي فلا يعول على ذلك الاتفاق.       

تلك الاتفاقيات تؤشر ان العراق لم يوفق منذ عام ١٩٤٦ بعقد اي اتفاقية ملزمة للجانب التركي تؤمن الحصة المائية في النهرين (دجلة والفرات)، مما يشكل شحة المياه خللا بيئيا وانحسار الرقعة الزراعية، ناهيك عدم استخدام التقنيات الحديثة في نظم الري المستعملة، اضافة الى إصابة المحطات الكهربائية بالخلل نتيجة انخفاض مناسيب المياه.
           اما اختلاف وجهات النظر في تفسير قواعد القانون الدولي وما ذهبت اليه تركيا بالتفاسير الانتقائية لاحكام القانون حول مفهوم الأنهار العابرة للحدود واعتبارها انهارا لا تشكل انهارا دولية بخلاف ما ذهبت اليه لجنة القانون الدولي ILC التابعة للأمم المتحدة ١٩٩٣ الذي أكد:   

   (انه لا يوجد خلاف جوهري بين مفهوم الأنهار الدولية والأنهار العابرة للحدود).
         اضافة لما تنص عليه احكام القانون الدولي: (بوجوب دخول الأطراف ذات العلاقة بمشاورات قبل البدء بتنفيذ اي مشروع في الحوض … وعلى دولة الحوض ان تتوقف عن بناء أية منشات في حالة وجود نزاع بين دول الحوض)، ولكن تركيا تجاهلت احكام القانون الدولي منذ شروعها بتنفيذ مشروع GAP جنوب شرق الأناضول على منابع دجلة والفرات وروافدهما في ستة محافظات تركية.
       ولما تتركه تلك المعضلة من اثار اكتمال المشروع على الحياة الاقتصادية في العراق، والحاجة الضرورية دون توفير البدائل يشكل أمرا خطيرا بل يدق ناقوس الخطر، لان المياه تشكل مصدرا هاما على الحياة الاقتصادية بشقيها الصناعي والزراعي ولتعاظم السياسات الخاطئة في التقنين للثروة المائية وضعف استعمال التقنية الحديثة في العملية الزراعية، وانعدام البنى التحتية في المحافظة على الثروة المائية من التبذير، علينا اليقظه والحذر لاتخاذ التدابير اللازمة على تشكيل مجلس اعلى للنظر في السياسة المائية تتلاقح أفكاره الأكاديمية والفنية والقانونية مع السياسة الخارجية وتوظيف جميع الامكانات المتاحة من خبرات في وزارات الموارد المائية والزراعة والصناعة والتجارة والخارجية.
          ومن وجهة نظري في استثمار الفرص التاريخية، هو مقايضة تركيا بمنظمة B.K.K الكردية التي تقطن شمال العراق، بمعاهدة تحقق للعراق تقاسم الحصة المائية وفق ضوابط وأسس العلاقات الدولية للبلدان المتشاطئة وفق القانون الدولي، اضافة لاستثمار معدلات ارتفاع قيمة التبادل التجاري ومرور خطوط الأنابيب النفطية، لإغراء تركيا لتحقيق مصالح خاصة بغية الموافقة على عقد الاتفاقية، حتى نؤمن الحصة المائية للعراق دون الركون للمجهول. 
              واعلم ان هذا المقال لا يفي بالمناقشة الكاملة للمعضلة، وسأحاول تسليط الضوء في مقالات تفصيلية لاحقة بالمتابعة والدراسة لجميع محاور المشكلة المائية في العراق. 

أحدث المقالات