لم تشهد العلاقات العربية – العربية أنقسامات وأختلافات وعداءات مذ قضية دخول القوات العراقية الى الكويت يوم 2 أغسطس 1990 وحتى قيام ما سمي بالربيع العربي ، صحيح أن الحالة العربية مرّت بإزمات عديدة لكنها كانت تنحسر دائما بإتجاه يضم كتلة كبيرة تجاه عضو أو عضوين او ربما ثلاثة من أعضاء جامعة الدول العربية كحالات الملف الفلسطيني والتفاوض مع الكيان الصهيوني وما شهده هذا الملف عبر عقود عديدة من موجات أفضت إلى تكوين ما يسمى بدول الممانعة ودول الأعتدال وحالة الحرب العراقية الإيرانية وشذوذ سوريا حافظ الأسد وليبيا القذافي عن قاعدة الأجماع العربي بدعم العراق وكذلك موضوع التدخل الأجنبي في الحرب على العراق عام 1991م ثم حرب أحتلاله عام 2003 .
نعم ، فمنذ أن بدأت الجماهير التونسية 2010 حراكها الطبيعي للمطالبة بتحسين الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والحريات ، ثم فرار الرئيس التونسي (القوي) تحت مظلة وحماية قيادة الجيش بخطوة أعدها (القليل) من المراقبين والمحللين أنها مفبركة وستفضي إلى حالة جديدة وغريبة على المجتمع العربي كانت قد سمتها من قبل بضعة سنوات(9/4/2005) في لقاء مع جريدة “الواشنطن بوست” ، وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس ، حيث أعلنت رايس في هذا اللقاء “أن امريكا ستلجأ الى نشر الفوضى الخلاقه Creative Chaos في منطقه الشرق الاوسط لنشر الديمقراطية و الحرية في هذه الدول بدل أستخدام القوة المباشرة لإن هذه الطريقة لم تؤتي أكلها في العراق وكبد بلادها الكثير من الخسائر في الأرواح والأموال إضافة إلى تدهور سمعتها الدولية” .
ومع وصول الرئيس التونسي إلى المملكة العربية السعودية التي منحته وعائلته حق اللجوء السياسي دق أول مسمار في توتر العلاقات التونسية – السعودية ( الخليجية) فيما أضافت الولايات المتحدة نكهتها لمجريات الأمور فأعلن البيت ألبيت الأبيض عشية هروب بن علي ووصوله الى اراضي المملكة ” ان من حق الشعب التونسي اختيار زعمائه” وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي ان “الولايات المتحدة تتابع ما يحدث في تونس عن كثب ولكن نظرا لسرعة التطورات فإنها ملتزمة بالتعامل مع الحكومة في تونس وتريد حلا للمشاكل الحالية” .
وفي مصر ، وجه الشباب المصري عبر مواقع التواصل الاجتماعية على الإنترنت ( فيسبوك ، تويتر ،يوتيوب ، وغيرها ) نداءا إلى جميع المصريين إلى إعلان يوم الثلاثاء 25 يناير2011 م (يوم غضب) ، وقد كان لنجاح الحراك الشعبي في تونس أثره الكبير على حجم ونسبة التلبية الجماهيرية لهذه الدعوة فخرجت مجاميع لا تتجاوز بضع الآف في مظاهرات سلمية في مختلف أرجاء مصر مطالبة (كما في تونس) ، بإجراءات حكومية ضد الفقر، والبطالة وارتفاع الأسعار ثم رفع سقف الحريات ، ولكن وبشكل غريب وغير متوقع لجأت السلطات هناك لمحاولة فض هذه الحشود بالقوة مما غير أتجاه ومطالب المتظاهرين من تحسين الأوضاع إلى المطالبة برحيل الحكومة ، ولم يفضي الدم الذي أريق لفض التظاهرات والأعتصامات إلا إلى المزيد من أعداد المعتصمين وتركيز واضح ومبرمج من قبل وسائل الإعلام العربية والعالمية كان نتاجها النهائي كما هو معلوم تنحي الرئيس محمد حسني مبارك ومطالبة دول خليجية بترحيله إليها لضمان سلامته لكن طلب هذه الدول رفض وأودع مبارك السجن ، فكان هذا مسمارا آخر في رؤية القادم من نتاجات هذه المتغيرات المتسارعة في المشهد العربي ، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تعاملا مع الأحداث في مصر بشكل مبرمج بدقة متناهية وذلك لإهمية مصر في ميزان القوى الأقليمي وخاصة مع الكيان الصهيوني ، ولإنها قلب العروبة الذي يعني فلتان الأمور فيها إلى أضطراب في عموم الوطن العربي.
ليبيا وإن أختلف السيناريو الخاص بها لإختلاف زعيمها ( معمر القذافي) وأختلاف كل التركيبة الحكومية هناك عن المنظومات المتعارف عليها في الحكم ، ولإن للقذافي ، وعلى القذافي ، ثارات ومشاكل وعقد مع الجميع فقد كان تصرف الغرب والولايات المتحدة مختلف تماما في حراك ليبيا حيث تسارعت الأمور ليضع الغرب سلاحه الجوي واساطيله العسكرية الضخمة في خدمة ثوار ليبيا وساهم هذا الأسناد الغير محدود في منح الحراك الليبي فوضى مبرمجة لتكون هي سيدة الموقف وصورة الإطار الليبي المقبلة بعد القذافي وحتى اليوم .
خلال وبعد هذه الأحداث ( الربيع العربي) بدأت الولايات المتحدة ترسل رسائل بعضها واضح وصريح والآخر إعلامي ظاهر ومبطن مفادها : إن الدور قادم على الجميع ، وإن ما من دولة في مأمن من حركة الربيع التي تجتاح الوطن العربي .. الخ ، وحقيقة الأمر أن هذه الرسائل كانت موجهة تحديدا لدول الخليج العربي ، وقد تلقتها هذه الدول بحرص وجدية وحذر ، فشهدت جميع دول الخليج العربي تقريبا حركة أصلاحات قانونية وأجتماعية وأقتصادية وأنسانية ، حصنّت من خلالها قدر المستطاع من قدرات شعوبها على درء الفتن والوقوف بوجه من يحاول إثارة القلاقل والمشاكل ، ولو إلى حين ، حتى ينقشع غبار التغييرات التي طرأت وجاء بها الربيع العربي على سدة الحكم في تونس ومصر وليبيا .
في كل ما جرى كانت الأمور تمضي بتوازن بين الولايات المتحدة وبين معظم الدول العربية المتناغمة مع سياساتها في المنطقة من المغرب العربي وحتى سلطنة عمان ، حتى جاء موضوع سوريا ، ثم موضوع الأخوان المسلمين في مصر وتأييد الولايات المتحدة لهم ( بحسب الرؤية الخليجية) ، ففي سوريا التي قالت الولايات المتحدة أنها تقف مع ثوار سوريا وتؤيد حقهم في الخلاص من حاكمهم ( بشار الأسد) سواء بعبارات مباشرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو وزير خارجيته أو من خلال الرسائل التي كانت تصل بإستمرار إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وتحثهم فيها على تقديم الدعم المالي والفني واللوجستي للثوار لتمكينهم من أسقاط النظام السوري بسرعة بما يفضي إلى إضعاف حزب الله اللبناني وبالنتيجة إيران وكذلك الدولة الطائفية في العراق ، لقد ذهب الخليجيون وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرهم إلى أقصى درجات الأصطفاف خلف ثوار سوريا ضد حاكمها بشار الأسد ، وبدون مقدمات ، وبدون مشاورات ، غيرّت الولايات المتحدة من موقفها تجاه سوريا ، والأدهى ، تجاه إيران أيضا ، وبدأ وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لاهثا وراء مقاربة أمريكية – روسية مما عبرّت عنه المملكة بحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز”، إن خيبة الأمل التي أصابت الرياض ترجع في المقام الأول إلى تصرفات واشنطن أقدم حلفاء المملكة الدوليين التي انتهجت منذ بدء ما سمي بالربيع العربي سياسات عارضها الحكام السعوديون بشدة وأضرّت كثيرا بالعلاقات بين البلدين ، وكان من إفرازات الغضب السعودي حقيقة رفضها مقعدها في مجلس الأمن الدولي مبررة ذلك بفشل المجلس في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واتخاذ خطوات لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ووقف الانتشار النووي في المنطقة وقالت إنه رسخ بدلا من ذلك النزاعات والمظالم( وهي تقصد بالتحديد الولايات المتحدة ) .
أما موقف الولايات المتحدة من أحداث مصر، فهو غريب جدا ، فمصر ذات المعاهدات الأستراتيجية والعسكرية والأمنية معها ، تركتها في مهب الريح ، وبدت ردود أفعالها تجاه مجريات الأمور فيها متخبطة وغير حاسمة ، وهو أمر رفضته معظم دول الخليج العربي ، كما لم تقدم واشنطن بدورها تفسيرا منطقيا له ، وكنتاج لمواقف أمريكا من هذه القضايا الخطيرة وذات المساس المباشر بإمن دولنا العربية أعلنت المملكة العربية السعودية ، وقد يكون هذا لإول مرّة بهذا الحجم والشكل والوضوح ، عدم رضاها عن سياسات واشنطن تجاه قضايا كبيرة ومحرجة ومهددة للأمن القومي العربي ، ودخل الطرفان غرفة التبريد السريع مما نبّه الطرف الأمريكي بضرورة التحرك السريع لإعادة الدفء وموازين الثقة بين الطرفين إلى حدودها المعقولة ، فكانت زيارة كيري للرياض وأبوظبي ثم القاهرة ليعلن من هناك بتصريحات (لافتة) زادت حقيقة من عدم وضوح رؤية صورة الإدارة الأمريكية الضعيفة وتخبطها في حسم المواقف من قضايا حساسة أربكت ألأمة العربية وزادت من فرقتها وعمقّت ازماتها !
إن مفهوم الأمن القومي العربي قام بحسب ميثاق جامعة الدول العربية على فكرة قدرة الدول العربية على حماية الأمة العربية من الأخطار الخارجية والداخلية القائمة أو المحتملة وتحقيق فكرة القومية العربية ، وهو ما لم يتحقق مطلقا منذ تأسيس جامعة الدول العربية 1945م وحتى اليوم ، فلا أستطاعت الدول العربية إيجاد صيغ تتناسب وحجم الخطر الصهيوني وكيانه وسط وطنهم الكبير ، ولم يتمكنوا من بلوغ الدرجات الدنيا من موضوع رفض الوجود الأجنبي على أراضيهم ، بل جعل البعض منهم أراضيه منطلقا ومثابة للهجوم على دول عربية أخرى وأحتلالها ، كما لم يستطيعوا حسم موضوع التدخل لإنهاء حالات الفوضى التي أعترت أو تعتري وستعتري دولنا العربية بدل الأستعانة بالأجنبي أو بتقوية الحاكم الظالم على شعبه حفظا لمصالح قصيرة النظر .
أساس الأمن القومي العربي إذن هو القومية العربية ، وهو ما أنتبه له بعض القادة العرب جراء إفرازات الربيع العربي ، حيث وجدوا ( بحسب رؤيتهم ) أن الحلول الأسلامية التي أتى بها التغيير كانت وبالا على النظام العربي بأسره ، فلا الذين قدموا لسدة الحكم في تونس ومصر وليبيا من الخبرة السياسية والإدارية والأيدلوجية بمكان يؤهلهم لقيادة هذه الدول إلى مرحلة أنتقالية تهيأ لمرحلة ديمقراطية حقيقية ، بل بدل ذلك حاولت بعض قوى الأسلام السياسي تصدير ( ثورتهم) لبعض دول الخليج !! ، ولا الأوضاع التي تمر بها بقية أقطار الأمة تسمح بإن يكون الحكم فيها مطلقا للأسلام السياسي ، خاصة في ظل المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الحكم في العراق ووضوح خندق الطائفية في سوريا وزيادة وتيرة التدخل الإيراني في البحرين واليمن وغيرها ، فكان القرار الصائب : العودة إلى القومية فهي الوعاء الذي يحوي الجميع بإختلاف أديانهم ومذاهبهم وأصولهم بل وحتى قومياتهم كما في موضوع الأكراد والتركمان وغيرهم .
الأمن القومي العربي شتت بطريقة مأدلجة ومدروسة بعناية ، فمنذ أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش (الحرب على الأرهاب) أبان أحداث سبتمبر 2011 ، كان هذا الإعلان في حقيقة الأمر إعلانا لإنهاء الأمن القومي العربي حيث قال قولته المعروفة : “من ليس معنا فهو ضدنا ” ؛ ومذ ذلك الحين وحتى اللحظة لم يتمكن أحد من القضاء على الأرهاب ، بل أنتشر وتوسع وزادت دائرته نتيجة أطلاق يد الولايات المتحدة على جميع دول العالم الفقير ، والشرق الأوسط تحديدا لتحتل دولا منه ولتضرب دون استئذان كل من يوسم بالأرهاب بحسب تصنيفها في دول أخرى وهو ما يجعل الشكوك تدور حول ماهية المنظمات الأرهابية الحقيقية ومن يقف وراءها ؟
إن تحسس الدول العربية من موضوع الأمن القومي يختلف بإختلاف موقعها الأقليمي ، ففي حين تخشى دول الخليج العربي بشكل واضح وتاريخي من الدور الإيراني وخاصة بعد سقوط شاه إيران وظهور منهج “تصدير الثورة” وأكتشاف خلايا وتنظيمات وأشخاص يعملون لصالح المشروع الإيراني في دولهم ، وأكتشافهم أيضا أنهم أخطأوا في مجاراة الولايات المتحدة للخلاص من حكم صدام حسين في العراق والذي كان ندا كفوءا لإيران وخبيرا بالتعامل مع الأستراتيجيات الإيرانية وتورطهم الآن بنظام حكم طائفي يستمد جل قوته وإمكاناته من إيران ، لا بل يشكل قاعدة شمالية إيرانية ضد دول الخليج العربي ، وهذا الأمر زاد من حاجة دول الخليج للأستعانة بالقوى الدولية الأجنبية لغرض الحفاظ على أمنها القومي ، وهو أمر اتمنى أن تستفيق منه قيادات هذه الدول وتعويض هذه القوى بقوات نخبة عربية سواء من المغرب العربي أم من المملكة الأردنية وتمكينها من صفقات الأسلحة الحديثة التي تحصل عليها دول الخليج بشكل مستمر من مناشىء متعددة ، وهو رهان يعزز من مفهوم الأمن القومي العربي ويجعل من دول الخليج رائدة ونموذجا لتفعيله ، كما يبدد مخاوف المتغيرات الدولية ومواقف الدول الكبرى ، وقد بدى ذلك واضحا في الموقف الأخير للولايات المتحدة من مواضيع إيران وسوريا ومصر ومن قبلهم جميعا العراق .
بقية الدول العربية تتقاسمها هموم الأمن القومي العربي وبألوان شتى ، فالمغرب العربي ، يخشى الأرهاب وتطور خلاياه ، كما بدأ يخشى النفوذ الإيراني الأيدلوجي المتنامي مستغلا حالة ضعف التشغيل والبطالة التي تستشري في شعوب هذه الدول ، السودان مهدد بإمنه القومي من عدة جهات بعضها يرتبط بإقليم دارفور والمشاكل مع الجنوب ثم مياه النيل إضافة إلى التدخل الأجنبي الواضح في العراك السياسي فيه ، ليبيا ، لم تنجح حتى الآن بإنشاء دولة بالمعنى الصحيح لذلك فإنها كلها مهددة وأمنها القومي على محك خطير ، مصر ، أدخلت أمنها القومي في نفق مظلم أقتصاديا وأجتماعيا وسياسيا ، وتحتاج إلى أن تتخلى بسرعة عن سياسة المواجهات لصالح سياسة الحوار للملمة الشعب المصري بدل سياسة الأقصاء التي لن تجدي نفعا وستزيد الخطر الذي يستهدف مصر وأمنها تعقيدا ، الصومال ؛ لا أعرف إن كانت لدى جامعة الدول العربية وأمينها العام فكرة عن الصومال وما آلت إليه الأمور فيها ؟ أم أن سكرتارية الجامعة تستذكر عروبتها عند توجيه الدعوات الرسمية لحضور الأجتماعات الدورية أو الطارئة !
حتى موضوع سوريا تخبط العرب فيه دون أن يمتلكوا القدرة على إيقاف التخبط متى شاؤوا ! فهذا البلد العربي الذي انتفض شعبه ضد الطغمة الحاكمة ، وضع تحت رحمة ضغوطات إقليمية تركية وإيرانية وعراقية وعربية شتى وأمريكية وإسرائيلية مما شتت فصائل الثورة وجعل لكل منها أجندته التي تتعارض مع أجندة غيره وبحسب آلية الدعم والأسناد التي يتلقاها ، فمن دفع ثمن ذلك ؟ الشعب السوري ، التراث العربي في سوريا ، الأقتصاد السوري ، وحتى الجهد العربي الطيب لدعم الثورة في سوريا .
وبدراسة نشرها مركز أسبار للبحوث والدراسات والإعلام في الرياض(فبراير 2012 ) بين فيها أن “حجم القوات العربية وميزانية الدفاع للعام 2011 وترتيب بعض هذه الجيوش ضمن أفضل خمس وخمسين جيش على مستوى العالم يتضح أن جيوش الوطن العربي تضم 2,921,800 جندي بميزانية تقدر بـ 108,305 مليار دولار ، أيضا يتبين أن الجيش المصري يأتي في المرتبة الأولى عربيا والسادسة عشر عالميا يليه الجيش السعودي ثانيا عربيا وبالمرتبة 26 عالميا، وهذه الجيوش العربية مجتمعة تشكل قوة لا يناظرها أي جيش بالمنطقة سواء في عددها أو ميزانية تسليحها ، وهو ما يعطى مؤشرا عن القدرة العالية للجيوش العربية وإمكاناته التي تستطيع حسم أي صراع مسلح لصالحها ، وتحقيق إستراتيجية عسكرية رادعة في حال اتحادها ، غير أن الواقع ينافى هذه الصورة المثالية ، حيث أن الجيوش العربية لا تشكل كيانا واحدا بل هي جيوش تحمى الأمن القومي القطري”.
لقد شكل (نجاح) و (فشل) الربيع العربي إحباطا قويا لآمال النهوض بالأمن القومي العربي كأستراتيجية ، ففي حين يشهد الدور الأمريكي تراجعا واضحا ، وظهور قوى دولية وأقليمية جديدة ، كان المواطن العربي ، بل حتى بعض الأنظمة العربية ، تتمنى أن تشكل أنتفاضة الجماهير في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها ، ممرات آمنة وحتمية لتحقيق المشروع القومي في الأمن ، لكن من أعتلى السلطة الجديدة في دول الربيع لم يمنح الفرصة حقها ، كما لم تتعلم بقية الدول ، والتي قالت عنها الولايات المتحدة أنها تنتظر دورها في الربيع ، لم تتعلم من دروس (الربيع) ، لإن إيجاد منظومة أمن قومي عربي ستحمي الجميع وستحافظ على الديمقراطيات وعلى الأقتصاد وبنيان المجتمع بنفس القدر الذي تحمي فيه جميع اقطار الوطن العربي من أي تهديد عسكري كان أم أقتصادي خارجي ، ولا أدري حقيقة ، متى سنتعلم من دروس تجري علينا بإثمان باهضة .