18 ديسمبر، 2024 7:56 م

الأمطار.. كأنك يا أبوزيد ما غزيت

الأمطار.. كأنك يا أبوزيد ما غزيت

الأمطار كشفت ضعف البنية التحتية للأمانات والبلديات، لا شيء يبرر الخسائر المادية والاحتجازات وانقطاع التيار، ومحاصرة السيول للكثير من الأحياء.

أخيرا “صحصحت” وزارة الشؤون البلدية في المملكة العربية السعودية من النوم معلنة عن البدء بتنفيذ “إستراتيجية وطنية لدرء مخاطر السيول وتصريف مياه الأمطار”. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.

هناك من سيلوم غزارة الأمطار التي أغلقت الأنفاق، أو أن معدل الأمطار الأخيرة تجاوز المقياس العالمي المحدد، بل قد يُقْسم أحد المسؤولين أن محطات تصريف الأنفاق “تعمل بكامل طاقتها القصوى”. في نهاية الأمر، الاستنتاج واحد؛ الأمطار جاءت “مفاجأة” لمعالي المسؤول (كما هو الحال في كل عام).

الرواية السنوية المعهودة هي أن أجهزة الأمانة “تعاملت مع تنبيه هيئة الأرصاد بمنتهى الجدية”. أما الجملة المكررة فهي أن “الأمانات ستكثف جهودها وستتم محاسبة المتسببين” في إصدار الفسوحات للمخططات في أطراف الأودية. ثم يأتي التنبيه الناعم بضرورة التزام المطورين والمواطنين “بالحرص على تنفيذ المشاريع لأداء دورها في حال هطول الأمطار”.

ولكن رغم صدور قرار وزير الشؤون البلدية منذ أكثر من عامين لوضع آليات اعتماد المخططات السكنية داخل النطاق العمراني، علينا الاعتراف بأن بعض مدننا تفتقر إلى أدنى مقومات البنية التحتية الصحيحة. لدينا ترهل في البنى التحتية القائمة، وعدم توفر شبكة الصرف الصحي، وانعدام الصيانة، أو بالأحرى انعدام الذمة والأمانة. أكبر دليل على ذلك غرق حي الفاخرية بالدمام بسبب عدم تغطية الحي بشبكات الصرف الصحي، وهنا أضع ألف علامة استفهام.

كما هي العادة بعد كوارث الأمطار في كل عام، تجتمع ما يسمى باللجان الفنية المشكلة من المجالس البلدية والبلديات “لتقويم الوضع بعد موجة الأمطار الغزيرة التي أدت إلى تضرر الطرق والأحياء”. الغريب في الأمر، أننا نادرا ما نسمع عن “تقويم” التخطيط العمراني أو شروط اعتماد المخططات السكنية.

كيف تغرق أبها وهي تقع على ارتفاع 1900 متر عن سطح البحر؟ ماذا قدم أعضاء المجالس البلدية من حلول لكوارث السيول غير صورهم الكبيرة الملونة أثناء الانتخابات؟

الشيء الوحيد الذي تأكد لنا هو أن شبكات تصريف مياه الأمطار في بعض المدن والقرى مازالت في عالم المفقود. أما في حال وجودها، فإن كميات المياه المحملة بالمخلفات أدت إلى إغلاق فتحات التصريف في الأنفاق.

لا شك أن الأمطار كشفت ضعف البنية التحتية للأمانات والبلديات. لا شيء يبرر الخسائر المادية والاحتجازات وانقطاع التيار، ومحاصرة السيول للكثير من الأحياء. هذه مناسبة لطلب كشف حساب عن المشاريع التي قيل لنا إنها كلفت الوطن المليارات من الريالات. كذلك هذه مناسبة لمحاسبة المتعدين على بطون الأودية الذين أهملوا التخطيط المسبق للطوارئ في تنفيذ المخططات. حان الوقت لمساءلة وزارة الشؤون البلدية: أين إستراتيجية درء مخاطر السيول وتصريف مياه الأمطار؟

الجملة، غير المفيدة، التي سنقرأها في الصفحة الأولى في صحف الغد ستقول: الأمانة وبلدياتها تستنفر كامل طاقاتها لنشر المئات من الآليات في جميع الأحياء وتشكيل خلية أزمة لسحب كميات مياه الأمطار.

فاتكم القطار وانكشفت العورات، مياه الأمطار تسربت إلى داخل المباني الحكومية والمنازل والمستشفيات. ضعف الرقابة على تنفيذ المشاريع، تسبب في تحويل الشوارع والأنفاق والمزارع إلى بحيرات، ومازلنا لا نعلم من يتحمل مسؤولية المليارات التي أهدرت في مشاريع لم تنتج إلا بركا راكدة ومستنقعات.

نقلا عن العرب