23 ديسمبر، 2024 11:29 ص

الأمتياز السياسي الزائف

الأمتياز السياسي الزائف

بعض مايقال : ” أن سلوكيات وتصرفات بعض السياسيين المتحزبين توحي على أنهم يمتلكون امتيازا سياسيا حقيقيا يمارسونه على سائر الناس وإن لم يخوضوا تجربة مخاض أو ممارسة ميدانية في المجال السياسي والجهادي، أو, وإن لم ينالوا ايضا حصة أكاديمية في موضوع السياسة، معتبرين ذلك أنه ملكة إستثنائية خصوا بها دون غيرهم من البشر!!” ومغالطة أخرى، مفادها: “ان أغلب من امتهنوا السياسة في العراق، لم يكونوا جديرين بادارة دفة الحكم في البلاد لضعف في منطلقاتهم السياسية والآيدولوجية، ولشبهة في ولائاتهم العقائدية وإنتمائاتهم العرقية، باستثناء أبناء سنة العراق، ذلك لأنهم عرب أقحاح تعودوا على ممارسة السياسة وحكم الآخرين لعدة قرون، كما، ولأن معظم بقية مكونات الطيف العراقي لم يتعودوا على تلك الممارسة بدعواهم وحكم الآخرين لعدة قرون كذلك”، ووفقا لهذه المدعاة الضالة صار المعيار الطائفي هو الفيصل السائد لحسم المعضلات التجاذبية، فظهرت الشعارات المتأتية من الجانب السني المتشدد والجماعات الإرهابية والاعرابية والسلجوقية المنتحلة لصفة السنة، والتي حسبت نفسها عليه، على حقيقتها المكبوتة، فأشارت لذلك المعنى بزعمهم، حيث أنهم قالوا صراحة: “أن بقية المكونات وعلى رأسهم الشيعة الرافضة غير مؤهلين لتبوء رفيع المناصب وادارة دفة الحكم، بسبب تبعيتهم الصفوية المجوسية”، وبالنتيجة فإن هذه الطريقة الاستفزازية خاصة عندما تكون مصحوبة بالتشتائم المتعلقة بالطائفة والمذهب والعشيرة والرموز،فإن هذا الفعل قد يولد العداوة والبغضاء والحقد والحنق, لوضع المقابل في زاوية ضيقة قد تضطره للتموضع نحو الانفلات للدفاع عن نفسه بطريقة قد لا تكون متحضرة أو لربما بدائية، قالوها مرارا وتكرارا دون وجل أو استحياء، وأدلها الشعارات التي تناقلتها القنوات المنحازة عن لسان من اعتصموا بمنصات الاعتصام التي أججت نار الفتنة والضغينة في العراق ومهدت لدخول عصابات الأعراب والاغراب المنتمية لداعش الإرهابية فدنست أرضه الطاهرة. ومغالطة ثالثة أن السنة في العراق “إن لم يحكموا جميع المكونات حكما شموليا وإستبداديا فهم والحالة هذه يعتبرون أنفسهم مهمشون حتى وإن شاركوا بأغلبية المناصب وارفعها”. وللإعتبار، وبغض النظر عن التجارب السابقة، التي تعتبر المؤشر الأكثر دقة وصدقا في الوصف، فان الوقائع والافعال الحالية المعاشة على أرض الواقع التي تلت ممارسات الأنظمة الحاكمة من الحقب السياسية المظلمة التي عاشها العراق والعراقيون، تعتبر هي المهماز الأكبر والشاهد الاصدق على هذا العصر ومجرياته المدعومة بالادلة الدامغة لكل كبيرة وصغيرة. فصارت هي الفيصل والمقياس لثقافة مكونات الفترة الزمنية هذه وابطالها، ووصمت تلك المغالطات بالبديهيات التي لايختلف على حقيقتها اثنين من ناحية ‘أنهم أبعد الناس من ممارسة السياسة بمعناها الديموقراطي المجبولة على مشاركة الآخرين والشركاء الافتراضيين وبناء دولة المؤسسات، بدالة انهم كانوا جزءا من الادارة ومن الجهاز التنفيذي للدولة، ولكن تحت يافطة حزبية من جهة، وتحت يافطة المنطقة والعشيرة والعائلة الحاكمة من جهة أخرى، المعتمدات على مختلف إمكانيات الدولة الوظيفية والمناصبية والصفقوية، وعلى معايير شخصوية لاسياسية في التدرج الوظيفي والاجتماعي والمالي والاعتباري، ولم يتمكنوا من اطلاق الحريات وممارسة الديموقراطية ومشاركة الآخرين، ولا الحؤول دون استعمال القوة المفرطة والاضطهاد في ترسيخ نظام الحكم وسيادته بالقتل والحديد والنار في المجتمع من جهة ثالثة، وكانوا على بينة تامة يعرفها القاصي والداني، أن تواصلهم وتعايشهم الظاهر للعيان مع الشعب كانا تواصلا وتعايشا استعراضيان فارغان وغير حقيقين، وكان الغرض من وراء ذلك التواصل والتعايش الشكلي هو لدراسة طبائع الناس ومعرفة نواياهم وسرائرهم ونوازعهم تجاه النظام الحاكم، وتشخيص نقاط القوة والضعف عندهم لتدارك الأزمات عندما تأخذ طابع الثورة أو الانتفاضة لقمعها، -كما حدث في حالة قمع الانتفاضة الشعبانية من سنة 1991 -، رغم انهم لم يكونوا بحاجة إلى هذا التواصل بفضل تعسس العيون في جميع مفاصل حياة الناس ولحد مستوى العائلة، -ولكن ذلك يتم لحاجات في نفوسهم قد قضوها- وبفضل أن نجاحهم السياسي وحظوتهم وإمتيازاتهم الدنيوية لم تكن مرتبطة بالأداء الوطني السليم، بل بتقديم الولاء والطاعة المطلقين للقيادة المافيوية من جهة رابعة. من ناحية أخرى تميز مجيء الديموقراطية السياسية في العراق بعد سقوط الصنم بغياب الممارسة الطبيعية لها في البلد، “بسبب هيمنة الديموقراطيات اللقيطة التي إستفرخها بعض الشركاء الافتراضيين للسماح بممارسة مقاومة سياسية مدجنة داخل قبب البرلمان وموظفة لخدمة المقاومات الإرهابية والأعرابية المسلحة وشرعنة فعالياتها الاجرامية في الميدان على انها سلسلة من ثورات شعبية مشروعة بدعواهم الكاذبة”، دأبوا على ترويجها للرأي الدولي العام، ولأصحاب القرار في المجتمع الأممي والعربي على تلك الشاكلة العارية من الصحة والحقيقة، يؤازرهم في ذلك الاعلام المأجور الذي تسانده فتاوى الدين وخدمة المال السحت. وهذا يعني أيضا أن معظم الأيتام المنحدرين من تلك النواتج والذين ارتدوا عباءة السياسة وأحيانا عباءة الدين والقومية، كانوا هم أول ضحايا تجارب تلك الأنظمة، -بسبب العبودية الخولية والزبونية التي مورست بحقهم، وبسبب مصادرة عقولهم وشراء ضمائرهم بالمجان، وتحويلهم إلى أدوات وشياطين وثعالب بشرية مستأذبة لا إلا لها ولا ذمة، ولا عهد لهم بالمشتركات الوطنية والانسانية، ولا علم لهم بقراءة التأريخ قراءة صحيحة- التي عملت على تكريس ثقافة الاستبداد ورفض الآخر والتميز بالسنخية والعلو حتى داخل تلك الأنظمة والاحزاب التي اتخذت ذلك الأسلوب سلوكا لها ومنهجا، ولذلك فإن الخبرة السياسية والادارية والتنظيمية لهؤلاء لاتعتبر حجة لذلك الامتياز الذي حصلوا عليه كأمر واقع وتحصيل حاصل بسبب ظروف البلد وسذاجة بعض الناس الذين أوصلوهم لهذا المقام فحسب، بل ولا تعتبر حجة لهم على الآخرين ولا حتى على قاعدتهم السنخية، كما لايمكنها أن تكون فاعلة لإنضاج تجربة سياسية ديموقراطية تضع البلد في قائمة دولة المؤسسات تستطيع أن تنهض بالبلد والحفاظ على وحدته وأمنه واقتصاده، وهذا يعني بكل تأكيد زيف امتيازهم السياسي وجذوره المنتحلة، وصورته الزائفة.