8 أبريل، 2024 10:17 ص
Search
Close this search box.

الأمة العربية ما بين الديمقراطية الأمريكية وتصدير الثورة الخمينية: العراق وسوريا أنموذجا!

Facebook
Twitter
LinkedIn

من دون أدنى شك أن الغرب ينظر لإيران كحليف استراتيجي انطلاقا من كونه يمثل إمبراطورية فارس التي انهارت أمام الإسلام مع إمبراطورتيهم. ومن هذا المنطلق يسعى الغرب بل يعمل بكل طاقته ووضع خططه التآمرية مع إيران ضد الأمة العربية، لكي نبقى رعاع ويتم استغلالنا بكل احتقار. وبهذا مُنحت إيران حق التوغل في العراق وسوريا بضمانات عدم تهديد مصالح الغرب وأمريكا وأمن إسرائيل.

وإذا حاولنا القفز لما بعد التقسيم الاستعماري مع بدايات القرن العشرين، ثم فرض دولة اسرائيل كقاعدة عسكرية للغرب في الشرق الاوسط، مع زرع جالية يهودية كبيرة جرى تهجيرها من كل بقاع العالم لتكون مصدر قلق دائم ومعطل للاستقرار الإقليمي، من هنا سنفهم أسباب كل جوانب عرض المشهد التراجيدي لمسرحية الإرهاب بكل تجليات فصولها المأساوية ابتداء من احتلال العراق الى مانتج وتطور عنه في انهيار منظومة توازن المنطقة، أما القوى الفاعلة فبدون شك تتقدم الولايات المتحدة الامريكية لتمثل الدور الرئيس على المسرح ثم تليها إيران على الأرض في أجندتها وأذرعها المسلحة مع تنظيم القاعدة بمختلف الألوان وروسيا التي دخلت في الفصل الثاني من المسرحية، لنعترف صراحة إن كل الحسابات وتوقع الأحداث لم يعد متاحا خارج دوائر صناعتها، لذلك قد تسرح وسائل الاعلام خارج أبعاد رسم واقع الحدث، أو ربما يتم تسخير الإعلام للتشويش وتشتيت الأذهان لكي يتم تمرير المياه تحت السطح . ثمة حقيقة تستوجب أن لا نغفل عنها تُفيد بأن التطور النوعي للأسلحة الحربية خصوصا ما يتعلق بالدمار الشامل أنتج معه فضيلة ابتعاد الدول الكبرى عن الحرب المباشرة بين جيوشها، هذا التطور مع سباق التسلح قد أجبر الدول أن تعوضه بحروب الوكالة من خلال تجنيد الجماعات وتأسيس أحزاب ومنظمات مسلحة تؤدي وظائف تعجز الجيوش الفتاكة المتقدمة أن تحققها، ذلك ما بادرت اليه الولايات المتحدة الامريكية في مواجهة الاتحاد السوفيتي من خلال دعم الجهاد الإسلامي الأفغاني وتأسيس منظمة القاعدة التي تم اطلاق هذا الاسم عليها استنادا لقاعدة بيانات تجنيد المقاتلين من الدول الاسلامية، بلا شك ان هذا التوظيف لم يكن احتكار لصالح السياسة الامريكية بعد أن ثبتت فاعليته وقوة تأثيره في مواجهة الجيوش النظامية أو توظيفه في عمليات الإرهاب والتخريب أو التفكيك الاجتماعي وإشاعة الفوضى، لقد باتت أهمية هذا العامل محط اهتمام غالبية اجهزة مخابرات الدول الاستعمارية أو مشاريع التمدد السياسي الأيديولوجية، بذلك يمكننا أن نعتبر النظام الإيراني قد حقق تفوقا في هذا الاستثمار وشيّد قاعدة مركزية ومتقدمة في الشرق الأوسط التي يمثلها حزب الله اللبناني بترسانته العسكرية والمليشيات التي يديرها بالنيابة عن نظام ايران التوسعي . بالتركيز على قراءة واقع أحداث المنطقة سنجد الدور الإيراني هو الرئيسي على الأرض، بل أنه المهيمن الحقيقي على قرار عدة عواصم عربية باعترافه رسميّا ليدلل على حنكة ومهارة السياسة الايرانية في استثمارها لأخطاء أمريكا وحتى استدراجها وتسخيرها لخدمة مشروعها الطائفي التوسعي.

لعلّ أهم ملاحظة لا تخفى على كل متابع للأحداث هي التعاون الاستراتيجي بين النظام الإيراني وأمريكا في جميع المجالات باستثناء حالة واحدة تعتبر ديدن أبواق المعممين وسيمفونية الإعلام الإيراني التي تُعبر عنها معزوفة الشيطان الأكبر بعنوان كلا كلا أمريكا وكلا كلا اسرائي؟

بالمقابل لا توجد أكذوبة تناغم هذا العزف سوى تصدير الديمقراطية الأمريكية التي يمكن اعتبارها توأم تصدير الثورة الخمينية، هذا التناغم ليس مستغربا لمن يستطيع فك شفرة استراتيجية الولايات المتحدة السريّة. لقد كان سقوط نظام الشاه الإيراني سنة 1979 مثارا لتساؤلات كبيرة بوجود أكثر من 50 ألف جندي امريكي في إيران بصفة مستشارين ونحو 400 ألف عسكري ايراني موالي للشاه لتنزل طائرة خاصة قادمة من فرنسا الى إيران بدون أن يتم اسقاطها من قبل الدفاعات الجوية الايرانية؟ والقصة لم تتوقف على ذلك حسب تصريح اللذين كانوا برفقة الخميني حيث لم ينقطع الاتصال الهاتفي بين الرئيس جيمي كارتر والخميني طيلة وقت الرحلة؟ وما خفي تترجمه مجريات الأحداث المشبوهة على الساحة الايرانية وحملات الإعدام التي لم يتوقف عن تنفيذها الملالي بحق كل من ساهم من القوى اليسارية في الثورة إبتداءا من منظمة مجاهدي خلق الى الحزب الشيوعي الايراني وكل معارض لولاية الفقيه الخمينية.

سنفترض إن الفوضى والدمار الواسع الذي جرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن لم يكن مخططا له مسبقا وهذا الافتراض نعزّي أنفسنا من خلاله لكيلا نتهرب من تهمة كوننا شعوب أمة نائمة. هُنا نتساءل عن المقابل لكلفة الدماء والدمار التي دفعناها نحن العرب في سوريا والعراق على سبيل المثال ولا نزال ندفعها؟ لماذا وما هي النتائج؟ كل شيء تحطم فوقنا وتحتنا وحولنا وليس هنالك أي حساب لوجودنا أو قيمتنا البشريّة بدليل شواهد ما تلقيه طائرات التحالف الدولي أو ينطلق من قواعد الصواريخ البحرية والبريّة على المدن الكبرى وجميع الأحياء السكنية والبنية التحتية التي تخص جماعة بعينها؟

من سخريات الأقدار أن تنطلق صواريخ روسيا العابرة للقارات أو قاذفاتها الاستراتيجية لتعالج أهداف في معارك حرب العصابات داخل المدن، مع غياب شيء اسمه الاستنكار العالمي لأبشع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الطائفي. أما مجلس الأمن الدولي فقد تحوّل الى مائدة قمار لأقذر لُعب السياسة الغير أخلاقية. لن نحتاج تفاصيل أخرى لنستعرض صور الواقع الذي تشهده المنطقة، كل ما يمكن استيعابه هو أن الستار سيكشف عن مشهد الفصل الأخير لكي تبدأ عروض جديدة لكوميديا السياسة، لأن قوانين التمثيل تفرض جدلية تناوب بين المأساة والملهاة، لقد انتهى دور أبطال الوكالة ويجب عليهم مغادرة المسرح طوعا أو كرها سواء بخلع بزاتهم العسكرية أو باستخدامهم في مسارح أخرى حسب ضرورة الحاجة فهم ليسوا بأكثر من مرتزقة. بالنسبة لوحشيّة نظام الأسد الذي سُمح له بافتراس الشعب السوري يمكن حبسه في قفص دويلة علويّة على الساحل السوري ليبقى متطفلا يلهث خلف الدعم الروسي لتغذيته إذا تمت التسوية بين الروس والأمريكان، أما باقي مكونات الشعب السوري من الأغلبية السُنة والدروز والأكراد وغيرهم يمكن أن يكونوا رعايا لمشروع الديمقراطية الفدرالية حسب كثافة تواجدهم.

ويبقى العراق الذي يمثل واقعه مصدر جميع مشاكل الشرق الأوسط مع الفساد المستشري في كل عظامه ومفاصله، هذا الواقع لن يكلف السياسة الأمريكية أكثر من إعادة برمجة للعملية السياسية ومراعاة حقوق مكوناته الطائفية سواء بتقسيمه الى فدراليات منفصلة أو من خلال السماح للشعب العراقي بإعادة انتاج نظام ديمقراطي يستند على حقوق المواطنة ويحضر كل تحزب ديني أو عرقي. في جميع الأحوال لابد من مرحلة انتقالية يتكفلها الراعي الأمريكي بفرض حكومة تكنوقراط مستقلة بالكامل حتى لو تطلب الاعتماد على خبرات دولية لهذه المهمة.

ربما يسأل القارئ الكريم، كيف يمكن وضع الحلول الآنفة الذكر ولا تزال الساحة تشتبك في سوريا وكل شيء معطل على الساحة العراقية مع بروز أزمة اقليم كردستان وعدم عودة اللاجئين الى مناطقهم التي تم تهجيرهم منها في عموم محافظات العرب السُنة؟ الجواب على هذا السؤال يخضع لقراءة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، بدون شك أن هذه الاستراتيجية لن تخلو من عقد صفقات اقليمية لتفادي نشوب حرب مدمرة في المنطقة كلها، فربما تحصل ايران على مساحة نفوذ في جنوب العراق إذا تم الاتجاه لحل التقسيم الفدرالي، وبذلك تكون مساحة النفوذ الأمريكي تشتمل على محافظات العرب السُنة وكردستان العراق بالإضافة الى الجزء الأكبر من سوريا لتبدأ مرحلة سياسية جديدة لواقع المنطقة، ما عدا هذا الحل سوف تتجه المنطقة بكاملها الى حرب اقليمية لا يمكن استبعاد توسعها ولن تنتهي إلا بواقع يتجاوز حدود سايكس بيكو، بالتأكيد سوف تتبدل بموجب نتائج الحرب كل معالم منطقة الشرق الأوسط.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب