ذهب صديقٌ لي مع أبنه لطبيب الجلدية بعد أن سأل كثيراً فوصفوا له طبيب فاهم وماهر ولديه خبرة طويلة في مجال عمله ، وصل إليه بمشاق الأنفس بعد رحلة متعبة من الازحامات في الشوارع للعيادة التي وصفت بأنها في مكان بائس ووضعها مزري تكاد تكون مكب للنفايات ، التقى بالطبيب وكشف له عن طفح جلدي مصاب به هو وأبنه ، أراد أن يتكلم لم يُسمح له و حتى منع أن يشرح وجهة نظره في الكلام غير مسموح له وكأنه في مؤسسة أمنية مذنبٌ لايحق له أبداء رأيه ، قيمة الكشفية (40) الف دينار وأبنه كذلك القيمة الاجمالية (80) الف دينار ، لم يستغرق معاينتهما من الوقت سوى خمسة دقائق لكليهما ، ثم أعطاه الوصفة التي هي عبارة عن كتابة اشبه بالخط المسماري او الهيروغروفي تحتاج لمتخصصين لفك لرموزها وطلاسمها وشفراتها ، وأضاف لي صديقي : أن سكرتير الطبيب أبلغه : عندما تذهب الى الصيدلية الموجودة بجوارنا أخبره بكلمة السر : ( بيش الكشفية ) فقال له لماذا ، فأجابه : بتعبيرنا وبلغة هابطة ( حتى لايقطوك ) أي بمعنى لا يستغلوك في الدفع .
عندما دخل الى الصيدلية التي لها ارتباط مع الطبيب قدم لهم كشفيته مع كلمة السر المتفق عليها وسألهم كم سعرها فكانت النتيجة صادمة بالنسبة اليه ، فقد كتب له الطبيب علاح بقيمته ( 350) الف دينار ولأبنه (80) الف . فقال لهم : لا أريد العلاج .
يُحدثني صديقي أن عيادة الطبيب ممتلئة بلوحات الآيات القرانية والحكم والمواعظ للامام علي (ع) ويسألني كيف يُفسر هذا الطبيب فكر ونهج ومنهج الامام علي (ع) من وجهة نظره مقارنةً بما يقوم به من استغلال وسلوك غير أنساني ؟أو ليس عليٌ هو مدعاة للصدق والاستقامة والنزاهة !
أجبته ياصديقي : أن الامام علي (ع) لايُحدد فكره الوضاء بلوحة أو صورة تعلق على رواق الحائط بل هو سلوك أنساني يعيش به المرء مع ذاته ليحررها من شرورها عن طريق تراثه العملاق المليء بأروع صور الانسانية وبما جاءت في هويتها الغراء التي تفتخر بها الأمم ، وذكرت له جزءٌ بسيط بما جاء في وصيته لمالك الاشتر : (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ) أنها مشكلة المشكلات الحقيقية التي تواجهنا بين مايريده علي ٌ كعلي وهو القائل 🙁 والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة مافعلت وإن دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ما لعلي ولنعيم يفنى ) وبين ماتريده منا أنفسنا المحملة بحب الدنيا وملذاتها والركون الى اليها بالجشع والطمع وحب الاستحواذ على مافي أيدي غيرنا ، وقسوتنا في معاملاتنا مع الضعفاء دون الشعور بجراحاتهم والالامهم ، نحن نعيش اليوم ياصديقي بظاهرة الشعارات التي ملئت الأركان وأزمة التطبيق الفعلي لها وهذا يحتاج منا الى تهذيبٌ للنفس وأتخاذ اسلوب القناعة في الاستغناء عن الآخرين .