18 ديسمبر، 2024 9:46 م

الألماني المعيدي شيفر بيشكه

الألماني المعيدي شيفر بيشكه

أنهى شيفر بيشكة الاثاري الالماني تنقيباته الشهرية في اوروك ، ولم يتمكن بعد من تجميع وجه جلجامش من خلال التماثيل والكؤوس النذرية والاختام التي عثر عليها هو وعمال جلبهم من مدينة السماوة ، يعطيهم قرانا عثمانيا كل يوم ، وينامون في مخيم قريب من اطلال المدينة السومرية.
ذات يوم اكتشف أن من بين العمال عاملا ليس من اهل السماوة ، وهو يغادر المخيم الى اهله البعيدين آخر ثلاثة أيام من الشهر ويعود الى عمله أول ايام الشهر الجديد. وكان العمال من اهل السماوة يطلقون على لهمود لقب :لهمود المعيدي .
في احد المرات تأخر لهمود عن اجازته الشهرية 4 أيام ، وحين عاد قال :
أن قريته احترقت من شهب ناري اتاها من تل قريب منه تسكنه ارواح لاناسٍ عاشوا في المكان منذ قديم الزمان  .وبرر ذلك انها لعنة الارواح التي تسكن ذلك التل عندما تشعر ان اهل القرى اخطأوا  بمعصية ما .
في الليل استعاد الالماني شيفر بيشكة حكاية لهمود القادم من بلدة في اهوار سوق الشيوخ يسمونها ( الحمار ) فتخيل كيف لمدينة تعيش في الماء وترتبط بالحيوان (Eesl) وتلك تسمية الحمار بالالمانية :
 لكن لهمود صحح له المعلومة عندما نطق الكلمة بوضع الفتحة على حرف الحاء ، فأعلمه المترجم ان الكلمة تغير معناها الى كلمة لايعرف لا هو ولا همود معناها ( الحَمارْ ).
قال العالم الالماني : اعرف من التوراة ان تلك المدن ترتبط بسفينة النبي نوح ولاترتبط بالحمير.
ضحك الجميع وقتها .
والآن شيفر بيشكة وحده في خيمته ليربط حكاية لهمود حول التلول التي تسكنها ارواح من بشر اقوام بعيدة ، مع حكايات بنفس المعنى سمعها من ربابنة انكليز يعملون في شركة الهند الشرقية ، ومن ضباط اتراك كانوا يخرجون بدوريات قتالية لردع عشتئر آل بو صالح وبني أسد وهي تثور ضد ولاة بني عثمان . فقرر ان يذهب الى تلك الامكنة ويزورها ، وبذات الوقت ارسل على( لهمود خمط راضي ) وقال له : هل تستطيع تلك القرى العائمة في الماء ان تتحمل ضيفا اجنبيا لاسبوع .
قال لهمود :نضعه في أجفاننا حتى لو الف عام.
ضحك شيفر بيشكة وقال : الف عام كثير جدا .أريد أسبوعا واحدا فقط.
ذهب الالماني مع المعيدي الى قريته المحترقة . ومنذ اليوم الاول تعاون كل اهل القرية لبناء جبيشة قصب لضيفهم الغربي وخلال ساعتين ، وجد الرجل صريفة من القصب وقد فرشت بأغطية مزركشة اعجبه فيها كثيرا تلك الاشكال الطومطمية حتى انه فكر ان يترك اطلال اوروك ويبحث في اسرار تلك الاساطير والطلاسم والوجوه المحاكة على تلك الأيزارات والبسط الملونة .
أنتهى الاسبوع لحياة الالماني الذي جازف ليذهب وحده لتلك التلال الغامضة ، ذهب اليها في الصباح ، فوجدها تلال مليئة بالقصب وكُسر من الفخار وحجر الصوان ، وحفر قليلا فوجد تماثيل لوجوه آلهة وامراء ومغنيات محفورة على صدورهن قيثارات صغيرة.
ذعر منها لهمود الذي غامر ورافق ضيفه اليها وقال للالماني بيشكة : اتركها ياسيدي ارجوك فقد تغضب على كل قرى الاهوار وتحرقها.
ضحك الالماني وقال : لاتخف يا بيشكة هي طيبة ولن تؤذي أحدا …
انتهى الاسبوع ، ومدده فيشر أقامته لاسبوع آخر ، فلقد سكنه سحر المكان وغموضه .
وذات يوم قرر ان يكون يذهب الى هناك في منتصف الليل . لكن احد لم يرافقه ، لأن يؤمنون ان الارواح في ذلك التل تستيقظ ليلا فقط ، حذروه ، فرد عليهم : لقد اصبحوا اصدقائي .
ذهب بزورقه صوب المكان ، ودليلة الضوء المنحدر مثل مرايا كبيرة على صفحة الماء والقادم من دورة قمر مكتمل.
آخر كلمات قالها فيشر للهمود الذي اصفر وجهه: عندما لااعود ، هذا يعني اني تحولت الى روح ، ولكن روحا معيدية وليست المانية.
قال صهيود : سيد فيشر انت ستحملنا مصيبة بغيابك .سيقولون قتله المعدان وخطفوه.
قال فيشر بيشكه الى لهمود : هذه ورقة بتوقيعي تشرح كل شيء وتعفيكم عن كل مسؤولية عندما لااعود.
دفع فيشر زورقة ، ولامس بنظرته اجفان مودعه لهمود ، وانحدر الى مكان التل ، لحظة واختفلا الزورق في ظلمة حالكة بعدما اختفت خطوط الضوء الساقطة من ضوء القمر.
لم ينم لهمود الليل كله ، لقد كان ينتظر الفجر ليعود الالماني بزورقه .
لكنه لم يعود لافي الصباح ولا في أي صباح أتى.
ذات يوم اتت بعثة من موظفي في القنصلية الالمانية في بغداد ومعهم ضابط عثماني وعدد من الجدرمة .
سألوا عن صيهود ، واخذوه مخفورا الى بغداد.
دب الخوف في قرى الاهوار ، واعتقدوا ان افواج من الزوارق البحرية تحمل الجندرمة  التي ستحرق القرى وتخرب البيوت انتقاما لأختفاء العالم الاثاري فيشر بيشكه .
لكن الزوراق الحربية لم تأتي ، الذي اتى هو لهمود وقد غمرت الابتسامة وجهه .
وعندما سألوه ؟
قال انه ارى القنصل الالماني في بغداد الورقة التي وقعها فيشر بيشكة .
وعلق القنصل عليها ضاحكا : لانستطيع ان نعيده الى بيته في برلين .لقد اراد ان يكون بمحظ ارادته واحدا من اهل المعدان  مثلكم ..!