23 ديسمبر، 2024 7:49 ص

الأكراد أمة ضائعة

الأكراد أمة ضائعة

حيرة الأكراد في شأنهم الداخلي الملتبس انعكست على ولاءاتهم الغامضة وغير المريحة. فهم موالون للولايات المتحدة في العراق، غير أنهم لا يجدون منها أذنا صاغية في سوريا انسجاما مع الصمم التركي.

تحارب تركيا بالأكراد في سوريا، وهي في الوقت نفسه تحاربهم. لا أحد من الأكراد يمكنه أن يراهن على وقوع تغير إيجابي في الموقف التركي من المسألة الكردية. لا اليوم ولا غدا.

يختلف الأتراك في ما بينهم على أشياء كثيرة غير أنهم يتفقون على مبدأ عدم التعامل مع المطالب الكردية بما يسمح بالاستماع إليها على الأقل. تركيا بالنسبة إلى ما يقوله الأكراد هي جدار أصم. سواء كان الزعيم التركي علمانيا أم إسلاميا، فإنه يقف مع الحظر المفروض على المسألة الكردية، لكونها أمرا يتعارض مع المصير التركي.

وإذا عدنا إلى الأصل، فإن تركيا لا تعترف بوجود قومية كردية. أكثر من خمسة عشر مليـونا من الأكراد لا تنظـر إليهم إلا باعتبارهم أتراك الجبل، وهي التسمية الرسمية للأكراد.

ما جناه الأكراد في العراق بعد أن دمر الاحتلال الأميركي الدولة الوطنية هناك لم يكن له أي تأثير على مستوى تليين الموقف التركي المتشدد. حتى أنهم حين فكروا في تصدير نفطهم عن طريق تركيا لم يتعاملوا معها بصفتهم أكرادا. كان منطق السوق هو الحكم في المعادلة. من جهتها نظرت تركيا إلى المشروع باعتباره صفقة رابحة.

يعرف الأكراد أن تركيا التي تحارب بهم الآن في سوريا لن تمنحهم شيئا ذا قيمة ومعنى، وهي من الممكن أن تتخلى عنهم في أي لحظة. ليست هناك سلعة أرخص منهم بالنسبة إلى تركيا.

غير أنهم لا يجدون بدا من تمثيل مصالحها في الحرب الدائرة في سوريا انطلاقا من رغبتهم العبثية في الإعلان عن وجودهم. فهناك خوف مشاع بين صفوف السوريين مرده أن من لا يساهم في الحرب الراهنة لن يكون له مكان في مستقبل سوريا.

شائعة يمكن تكذيبها من خلال الموقف الدرزي الذي أبى سوى أن يرسم نوعا من المسافة تنأى به بعيدا عن التجاذبات والإسقاطات التي لا تقيم معنى للوطنية المحايدة. ولكن حيرة الأكراد في شأنهم الداخلي الملتبس قد انعكست بالضرورة على ولاءاتهم الغامضة وغير المريحة. فهم موالون للولايات المتحدة في العراق، غير أنهم لا يجدون منها أذنا صاغية في سوريا انسجاما مع الصمم التركي. وهو ما دفع بهم إلى الارتماء في الحضن التركي بحثا عن رضا أميركي لن يحصلوا عليه.

في العراق تشكل الورقة الكردية عنصر ابتزاز لحكومة بغداد، أما في سوريا فإن إسنادا أميركيا للأكراد سيشكل تهديدا لتركيا، من جهة ما يمكن أن ينطوي عليه ذلك الإسناد من تشجيع للمتمردين الأكراد، هو بمثابة نفحة أمل تبث الروح في مشروعهم الانفصالي الذي يظن الأتراك أنهم وأدوه إلى غير رجعة مع بقاء عبدالله أوجلان في السجن نادما. بالنسبة إلى تركيا ليس هناك فرق بين أكرادها وأكراد سوريا إلا في ما يتعلق بالوظيفة المؤقتة، وهي وظيفة يمكن الاستغناء عنها في أي لحظة. وهو ما يؤكد أن الأكراد رغم محاولتهم التزلف إلى تركيا، من خلال تنفيذهم لمشاريعها على الأرض، لا يشكلون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية.

ولكن إذا لم يتعاون الأكراد السوريون مع تركيا، هل كان بإمكانهم أن يهتدوا إلى المعنى الذي يعلن عن وجودهم؟ ما يسعى الأكراد إلى إخفائه لأنه يجرح مشاعرهم القومية أن تركيا نجحت في أن تشق صفوفهم. فهناك اليوم في سوريا أكراد تعتبرهم تركيا إرهابيين، وهناك مَن تعتبرهم موالين لها.

ثم إن غزل أكراد العراق بتركيا لا يمكن التغاضي عنه في مرحلة يحتاج فيها رجب طيب أردوغان إلى مَن يمتدح سياسته من أعدائه. مسعود بارزاني وهو زعيم الأقلية الكردية في العراق يفضل أن تكون علاقة إقليمه بتركيا سوية، على أن يخرق شروطها بعلاقة غير مضمونة مع أكراد سوريا.

وهكذا يتضح أن كل ما قيل عن نضوج فكرة قيام الدولة الكردية على أرض كردستان المتخيلة ما هو إلا نوع من المناورة التي يُراد منها الإبقاء على الأكراد أمة ضائعة.

نقلا عن العرب