يبدو أنّ كلّ العلوم العلمية والمعرفية تتواءم وتتناغم في المجالين النظري والتطبيقي , إلاّ علم الإعلام الأكاديمي , حيث لم يتمكّن من فرض سلطته وهيمنته على وسائل الإعلام للإلتزام بالمعايير الدقيقة وسلامة الأنتقاء اللغوي والتعبيري , بالرغم من اصطدامه بالعديد من المطبّات السياسية المتباينة .
” حالياً على الأقل ” يتوجّب على الإعلام الرسمي العراقي تجنّب ذكر او استخدام عبارة ” قيادة اوحكومة اقليم كردستان ” , فليست هنالك اية قيادة للأقليم , وبما فيها ” الحزب الديمقراطي الكردستاني ” , فالسيد مسعود البرزاني لوحده هو القائد والقيادة , وليس بوسعِ ايٍّ من كبار اعضاء الحزب مخالفته في اوامره او حتى مناقشته فيها .
الأحزاب الكردستانية الأخرى بدءاً من ” الأتحاد الوطني الكردستاني ” الذي لم يتمكن بعد من انتخابِ رئيسٍ جديد له بعد الرئيس الراحل جلال الطالباني , وثم حدوث انشقاقات محدودة فيه كما الحزب الجديد للسيد برهم صالح , ومرورا بكتلة التغيير ” كوران ” وانتهاءً بالأحزاب الأسلامية واليسارية الأخرى .
هنالك الآن في شمال العراق حالة من التشظي والتشرذم السياسي ولأكثر من سبب , وبات الجميع يرفضون بقاء السيد البرزاني في موقعه , بل أنّ بعض الأحزاب والشخصيات الكردية طالبت بألغاء منصب رئاسة الأقليم .
منَ المفارقات المثيرة للسخرية أنّ بعض المسؤولين الأكراد وسواهم يتحدثون عن حدودٍ مختلفة للأقليم , فالبعض منهم صار يتحدث مؤخرا لأنسحاب قواتهم الى حدود سنة 2016 , واطرافٌ اخرى تتحدث الى حدود عام , واطرافٌ اخرى تتحدث الى حدود عام 2014 , بينما حذّرَ قادة عسكريون في الحزب الديمقراطي الكردستاني من احتمال قيام القوات العراقية بالتقدم الى حدود سنة 2003.! وكأنها حدود دولة اخرى وهي ليست بدولة .!
وفي واقع الأمر وكما معروف , فأنّ ما يصطلح عليه بِ < اقليم > كان قد انفرض على العراق ” امريكياً ” إثر حرب عام 1991 التي قادتها الولايات المتحدة إبّان العدوان الثلاثيني , لكنّ ما عزّز هذا المصطلح وغرزّ شرعيته غير الشرعية هو التنسيق والأتفاق بين معظم الأحزاب الحاكمة الحالية مع الرئيسين البرزاني والطالباني اثناء سنوات المعارضة وفي اجتماعتهم المشتركة في عدة دول , حتى وقع الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003 وتمّ شرعنة ” الأقليم ” في الدستور العراقي وبمباركة مشددة من ” بول بريمر “.
وفي حقيقة الأمر , فلولا الأعمال المسلحة التي قامت بها بعض فصائل البيشمركة ضد الجيش العراقي في حرب ثمانينيات القرن الماضي , وما اعقبها في الأنتفاضة المسلحة للأحزاب الكردية في حرب 1991 , فلم تكن هنالك بمعضلة بين القوميتين العربية والكردية , وقد أكّد على ذلك ايضاً السيد مسعود البرزاني بعد الأحتلال بتصريحه الشهير < أنّ افضل ما حصلوا عليه الأكراد هو قانون الحكم الذاتي لسنة 1970 , وقد شاءت اقدار السياسة أن يتحوّل ذلك المكتسب الى % 17 من ميزانية العراق الى الأقليم الجديد ويضاف لها رواتب البيشمركة الحاليين والمتقاعدين ! وتضاف كذلك اراضٍ عراقية جديدة نازعوهم العراقيون عليها من قبل استيلائهم عليها .!