منذُ استيطان الإنسان الأرض، باتخاذها وطناً آمناً يلم شمله ويضم جمعه، ظهر أناس يتحينون الفرص ويتربصون للثغرات والهفوات ليثبوا من خلالها الى حيث تحقيق مآربهم، وللتاريخ في هذا شواهد كثيرة لا تخفى على الجميع ولاسيما نحن العراقيين. فقد أثبتت لنا الأحداث عبر عقود عديدة، أطماع جهات ودول ما فتئت تغرس بين الفينة والأخرى أظفارها في الجسد العراقي، هذا الجسد الذي إن اشتكى منه عضو لم تتداعَ له سائر الأعضاء لا بالسهر ولا بالحمى..! وما نشهده من تكالبات يسميها البعض تحالفات، هي في حقيقتها مؤامرات تحاك من قبل طرفين أو أكثر أحياناً. ففي وقت بدت فيه بشائر النصر تلوح في الأفق بكل وضوح، ومع قرب موعد طرد عصابات داعش الإرهابية على يد الجيش العراقي والحشد الشعبي المقاوم، يتهور الجانب التركي ويشذ عن الأعراف القانونية والاجتماعية والإنسانية فضلا عن الأخلاقية، ويتمادى في غيه فيوصل ماضيه العدواني بحاضره الوضيع، من خلال خرقه الحدود، وإرسال قوات عسكرية مع آلاتها ومعداتها الحربية، متوغلة في الأراضي العراقية، متخذة مشارف الموصل معسكراً لها، آملاً بمستقبل لم تغب صورته عن مخيلة الأحرار من العراقيين، ذاك هو تقسيم العراق، ومشروع التقسيم ليس بجديد على العراق، فبسقوط نظام صدام المقبور وانقشاع غمته، هب ودب على سطح الأحداث كثيرون ممن يدعون الوطنية، تحت ذريعة كونهم من المعارضين للحكم السابق، وراحوا يتفننون بابتداع طرائق التحاليل على الشعب العراقي، بالتفافهم على حقوقه في بلده المنهوب، فصاروا هم الناهبين والسارقين الجدد، مستنيرين بالضوء الأخضر الذي أناره الحاكم برايمر لهم، بقوانينه وقراراته المسيسة والمسيرة والمقصودة، والهادفة الى تهيئة أرضية العراق لا للبناء والإعمار، بل للتقسيم والتفتيت.
وبالعودة بأذهاننا الى السنين العشر الخوالي واستطلاع مجريات أحداثها، يتبين لنا جلياً أن هدف التقسيم لم يغب عن عيون الأعداء في الخارج، كما أنه لم يغب أيضاً عن عيون المتواطئين في الداخل، وخير أنموذج على السعي في التقسيم والتهيئة له هو تظاهرات الأنبار قبل أربع سنين، كذلك تعاملات كيانات وشخصيات مع حاضن الإرهاب العالمي آل سعود، وأخيراً وليس آخرَ تواطؤ آل النجيفي في دخول شراذم داعش واحتلال الموصل وما أعقبه من تداعيات.
كل مشاريع التقسيم هذه وأخرى غيرها حذر منها وطنيون بدافع وطنيتهم، ونبهوا عليها مسمعين أصواتهم من في آذانهم وقر، ولطالما أشاروا اليها بأصابع جريئة، وتحدثوا عنها بلسان فاضح للخيانات، رافض للمساومات، ولكن يبدو أن الطوق في رقبة الناطقين بالحق من المواطنين الشرفاء يصر حكام البلد على إحكامه، وما نراه من تمييع للقرارات وتهاون بالبت فيما يأتي بالجيد والناجع من الحلول لمشاكل العراق، ماهي إلا مواقف جدية بدافع قوي ونية خالصة لكن، بالاتجاه المعاكس لمصلحة البلاد والعباد. وباستقراء مبسط ومراجعة على عجالة لأية حزمة قرارات كانت قد اتخذت من قبل رئيس الحكومة او رئاسة مجلس النواب، وكذلك رئاسة الجمهورية، يتبين جليا مدى صغر العراقيين بعيون ساستهم الحاكمين، حيث وضعوا خدمة الشعب في المرتبة الألف، وسخروا كل طاقاتهم لخدمة مآربهم الشخصية والحزبية والفئوية، وراحوا يغردون تارة على غصن التقسيم وتارة على غصن الأقلمة، وتارات على أغصان التشبث بتلابيب الفساد، بعد أن أدمنوا الباطل واعتادوا السحت سبيلا لجني الأرباح، من دون التفات الى حساب آني عاجل، أو أخروي آجل، بعد أن وضعوا صيدهم السمين موضع النهش والنهم، تحت مسميات ومناصب ووجاهات عديدة تسيدت المشهد.