عاتبني السيد العجرش على عدم إلتزامي بالكتابة وإنقطاعي والصيام عن المقالات. فشكوت له : “أستاذ ما أكدر أكتب”.
لو أن الشخاص سقط من طائرة، ويزداد تعجيل سقوطه في كل لحظة عن اللحظة الي سبقتها، في مثل هذه الأجزاء من الثانية، يقينا لن يتذكر كتاباً قراءه. أو مسلسلاً رمضانياً أعجبه، أو مباراة كرة قدم عالية الندية، بل ستمر بخاطره أنصاف الذكريات. أمه.. أباه.. مدرسته الأولى.. حبه الأول.. فرحته العارمة.. وجرحه الأعمق.. دون تفاصيل.. دون إسهاب.. صور بدون كلمات. أنا كمثل ذلك الذي القي من الطائرة مثقلاً بوطن.
في منتصف خوفك على مصير بلدك تضيع من حولك العديد من المفاهيم، مثل الحب والحياة والتفاؤل وأهمية الورد، وجدوى الأبتسامة. “صعبة واحد يرسم وهو خايف”، “صعبة واحد يغني بالمقبرة. من الباطل ان نتكلم عن حقوق الأنسان أو الخدمات. وبعضنا يضع خلف الحدود خرائطا لبلدك.
قسما بالله، حاولت مراراً ان أكون على قدر المسؤولية. لكن لم أتمكن من عبور حاجز الـ(١٠٠) كلمة. فبالنسبة لي،إنتهى عصر الجمل التامة، وأضحينا نعيش في زمان أنصاف العبارات وأشباه الجمل. ليس بسبب عدم وجود ما يقال. بل خجلاً من العزف على أوتار الوجع والخوف. ولأن الباطل واضحٌ والحق أوضح ولغة الأصابع كافية جداً الإيصال المراد.
إنه زمن إنحسار الكلمة. إنه زمن الزناد والصمود. فالزناد وحده من سيكفف دموع ذوي الشهداء والمهجرين والنازحين. ولن تنوب عنه هذه المرة الصحف والأقلام والمزوقات اللفظية واللغوية.
إنه زمن الرابضين هناك، على مشارف الموت. إنه زمن من تبقى من جند طالوت. إنه زمن من صمد بـ(حنين) ولم تغرهم كثرتهم. إنه زمن من جادت بهم الأرحام الطاهرة. إنه زمن أولاد الحلال.
عذراً علي الشرقي، لن “أحمل على الدهر في جند من الكلمِ”. حفظت قصيدتك عن ظهر قلب. لكني اليوم لا أومن بغير الزناد والبندقية والخوذة والسواتر والمواضع. اؤمن بحيدر الحلي اذ قال: “إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم .. فلا مشت بي على طرق العلى قدم”. ومن قال أن “للقلم والبندقية فوهة واحدة” ارادنا ان نتصالح مع الهزيمة. لن أنتظر حتفي بل سينتظرني. ومن اليوم الى يوم “يدحرون”، أنا والمقال “خراب”.