يجمع خبراء القانون الدستوري أن الاتحاد الفيدرالي يكون بين الدول ولا يكون بين الأفراد والكيانات لذا فإن الاتحاد الفدرالي بين الأكراد والحكومة المركزية في العراق هو بالأساس باطل حيث كلنا نعلم أن نظام صدام حسين بعد تمكنه من القضاء على انتفاضة المحافظات فإن أمريكا وحلفاءها منحوا للأكراد (جيبا آمنا) ومنعوا طيران صدام من قصف الأكراد في المحافظات الكردية الثلاث وسُحبت الإدارة التي كانت تابعة لبغداد من منطقة الأكراد. إذاً الأكراد لم يكونوا دولة، كانوا ضمن الحكم الذاتي لنظام صدام وقد تحرروا من ذلك النظام إبان ثورة المحافظات إذاً كيف يحق لهم الاتحاد باسم (دولة) مع المركز وسميت (بالفدرالية)؟!، ولإعطاء هذا العمل الباطل دستوريا غطاءً شرعيا وقانونيا جرى تضمين الدستور في فقرة الأقاليم (المادة 117) الإقرار بإقليم كردستان (اقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليميا اتحاديا). والفقرة الثانية من المادة (117) بإعطاء الإقليم الصفة القانونية (يقر الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقا لأحكامه).
ولتثبيت الصفة القانونية جاء في المادة (142) الفقرة الرابعة (يكون الاستفتاء ناجحا على المواد المعدلة بموافقة أغلبية المصوتين وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر (المقصود بها المحافظات الكردية الثلاث دون ذكرها أسمها)).
كما أن المادة (53) من قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت (يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 مارس/أذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك، أربيل، السليمانية، كركوك، ديالى، نينوى). في مصطلح حكومة إقليم كردستان الوارد في هذا القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني ومجلس الوزراء لكردستان والسلطة القضائية الإقليمية في إقليم كردستان، وكذلك الفقرة (ج) من المادة نفسها حيث أن هذه الفقرة عززت شرعية إقليم كردستان بإعطاء الحق للمحافظات خارج الإقليم لا تتجاوز ثلاث محافظات أن تشكل إقليما أسوة بإقليم كردستان.
إضافة الى هذه المخالفات الدستورية هناك مادة تتعلق بصلاحية الطرفين وهي المادة (121) أولا والتي أعطت الحق لسلطات الإقليم تعديل القانون الاتحادي اذا كان يتعارض مع قانون الإقليم وهذا غير جائز قانونا لأن القانون الاتحادي هو القانون الأعلى مرتبة من قانون الإقليم والعكس هو الصحيح.
والآن نرجع الى الدعوة لتشكيل إقليم (البصرة) والمتصدر في الدعوة إليه هو مجلس محافظة البصرة الذي اتهمته جماهير البصرة أنه موغل في الفساد وهو السبب الرئيس لك لما يحدث في بالبصرة لكونه مجلسا فاسدا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن هذا المجلس منذ تشكيله ولحد الآن لم يقدم شيئا من الخدمات لمحافظة البصرة وإني لأعجب كيف بين يوم وليلة أصبح هذا المجلس نزيها ويدعو إلى تشكيل إقليم البصرة والمحافظة وراءه (سبحان مغير الأحوال وإن الله في خلقه شؤون).
ومن جانب آخر أثناء مشاهدتي للمتزعمين لدعوة الإقليم لديهم قصور قانوني عند طرحهم مسألة الإقليم حيث أنهم يخلطون بين الفيدرالية واللامركزية وحجتهم انعدام الخدمات والمظلومية في حقوق المحافظة والتهميش إلى آخر ذلك، وأرى أن تلك الحجج لا تستدعي إقامة الإقليم وتجزئة العراق وانما تحتاج الى إدارة نزيهة تدير المحافظة بعد الغاء مجلس المحافظة (وكان الله يحب المحسنين).
والحجة الأخرى هو سيطرة الأحزاب الفاسدة على مقدرات المحافظة وإني أسأل لماذا لم يحاربوا تلك الأحزاب ويتخلصوا من فسادها بتجريدها من المسؤولية؟ هل الفساد سيهرب بمجرد اقامتهم الإقليم أو بتقسيم العراق؟!
وإن العكس هو الصحيح الفساد سيكون في حالة تشكيل الأقاليم أشد وأقوى لاسيما إذا تشكلت عدة محافظات في إقليم واحد سيكون الفساد أشد وأعقد مشكلة فيه.
عند رجوعنا تاريخيا إلى مسألة الأقاليم وتقسيم العراق فإن هذا المشروع قديم منذ تأسيس الدولة العراقية حيث أن (المس بل) عند الاحتلال البريطاني للعراق اقترحت تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، إقليم للأكراد وإقليم للشيعة وإقليم للسنة لكن هذه الفكرة لم تنجح لوعي العراقيين وتمسكهم بالعراق الموحد، وبعد (2003) أخذت الفكرة تتجدد بدوافع طائفية لإبقاء العراق مقسما وضعيفا كي يسيطروا على مقدراته وثرواته، كما أن نائب الرئيس الأمريكي السابق أوباما (بايدن) طرح فكرة تقسيم العراق ولكن كل تلك الأفكار لم تتحقق وذهبت أدراج الرياح تحت صمود الوطنيين المخلصين لوحدة العراق.
ان دعوة (إقليم البصرة) ظاهرها حق وباطنها باطل (كلمة حق أريد بها باطل)، وحسب اعتقادي وراء هذه الدعوة أياد خفية لا تريد الخير للعراق، وكما قلنا إن إقليم البصرة ممكن أن تدمج معه محافظات أخرى ويصبح إقليم الجنوب ويأخذ صبغة طائفية وعلى غراره يشكل إقليم الوسط يأخذ صبغة اثنية وتتبعهم طوائف أخرى وبذلك كما يقال يصبح العراق (شذر مذر) وهذا ما يسعى إليه أعداء العراق وهو تجزئة البلد إلى طوائف تتناحر فيما بينها ويكون الشعب هو الخاسر الوحيد وآنذاك لن ينفع الندم. وعليه أدعو من يزمر ويطبل لإقليم البصرة أن يتعظ ويفكر في مصير العراق.
وفي الوقت نفسه أدعو الشباب الواعي المثقف لصيانة الوطن والمحافظة على وحدته، ومن أجل انقاذ العراق مما هو فيه الآن ينبغي التمسك بالنقاط التالية::
1- النظام البرلماني في العراق ثبت فشله لأن العراق لم يحصل منه سوى على الدمار والسرقات وتجويع الشعب لكون الحكام انتهجوا المحاصصة والطائفية وهدروا حقوق الانسان (وسبب كل ذلك الدستور الملغم) لذا ينبغي الاستعاضة عن ذلك بالنظام الرئاسي للقضاء على المحاصصة ومساوئ النظام البرلماني.
2- الغاء الدستور وتشريع دستور جديد يكون مبدأ المواطنة العراقية هو الأساس وإقامة دولة المؤسسات بدل دولة المكونات السائد حاليا.
3- تكون اللامركزية هي النظام الإداري المعتمد في كافة المحافظات.
4- تكون الديمقراطية هي الأساس في بناء الدولة واتباع مبدأ التداول السلمي للسلطة.
5- يكون تكوين الأحزاب على أساس وطني بعيدا عن الطائفية والمذهب.
إذا أريد للعراق الأمان والتمتع بخيراته وارجاعه إلى مكانته العربية والدولية عراقا قويا ذا سيادة مستقلا بقراره السياسي، علينا العمل على النقاط المذكورة وليس التمسك بتجارب ثبت فشلها وعفى عليها الزمن أمثال الأقاليم أو غيرها من الأفكار المدمرة لوحدة العراق.