لقد عاش العراقيون طيلة تسعة عقود ونيف, اخوة متحابين في بلدهم الواحد الموحد , لم تفرقهم الملكية , ولا الجمهوريات المتعاقبة, وضربوا طيلة تلك العقود أروع الأمثلة لكل دول العالم بالوحدة,وبأنهم شعب واحد رغم اختلاف طوائفهم وأديانهم وقومياتهم, فالشعب العراقي رغم كل تلك الاختلافات الدينية والمذهبية والقومية , بقي على مدار تلك العقود الطويلة الماضية, شعب واحد موحد يجمعه بيت واحد, هو العراق.
ورغم اختلافنا بالرأي حول مدى وطنية أو عدم وطنية كل الحكام الذين حكموا العراق للفترة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 ولغاية الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 , فأنني أقول وبكل أمانة بأن كافة أولئك الحكام قد حافظوا على وحدة نسيج الشعب العراقي , وأنهم طيلة فترات حكمهم , لم يسجل التاريخ بحقهم أية أعمال طائفية أو مذهبية أو دينية مقصودة اومسيسة ,القصد منها تمزيق وحدة الشعب العراقي.
فما الذي حدث اليوم ؟ ولماذا أصبحت أصوات البعض عالية جداً للمطالبة بالإقليم الفلاني والإقليم العلاني؟…فما هو الإقليم؟ وماذا يعني؟
إذا كان المقصود , وحسب فهمي للموضوع, من الإقليم هو إيجاد تنظيم ينظم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأبناء الشعب , فالشعب العراقي منظم ومنذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة العراقية عام 1921 بواسطة الوحدات الإدارية التي كانت تسمى في العهد الملكي(ألوية), وأصبحت تسمى(محافظات) فيما بعد, وهذه الوحدات الإدارية هي شكل متطور جدا من أشكال التنظيم. وإذا أرادت الحكومة المركزية تطبيق نظام اللامركزية الذي ورد ذكره في الدستور, فما عليها إلا أن تقوم بدعم هذه المحافظات وإعطائها الصلاحيات اللازمة لغرض إدارة شؤونها عن طريق تشريع القوانين اللازمة, وهذا ليس مخالفا للدستور…إذاً فوفق هذه الرؤية فان الحل بسيط جدا إذا كان المقصود من وراء الأقاليم هو التنظيم.
إما إذا كان القصد هو إعداد العدة لغرض تقسيم العراق إلى دويلات تماشيا مع مشروع بايدن الذي يرمي إلى تقسيم العراق إلى دولة شيعية ودولة سنية ودولة كردية.فأعتقد أن الشعب العراقي بكل مكوناته , شعب واعي وجدير بالاحترام .وهو شعب البطولات والأمجاد التاريخية , وهو شعب الحضارات,سيقف بكل حزم وثبات بوجه هذه الطروحات الدخيلة على مجتمعنا التي جلبها الاحتلال الأمريكي والمتعاونون معه.
إما الأصوات العراقية المطالبة بالأقاليم فهي أصوات تبحث عن تمزيق العراق من حيث تدري أو لا تدري, فاعلان أي إقليم في العراق في الوقت الراهن إنما هو وضع حجر الأساس لتقسيم وتمزيق العراق , وهو ما يصب في مصلحة أجندات ومشاريع أطراف دولية وإقليمية .. فحذار أيها العراقيون المنادون بالأقاليم, فالعراق أمانة برقابكم.