23 ديسمبر، 2024 12:44 م

الأغلبية الصامتة ودورها في وحدة العراق

الأغلبية الصامتة ودورها في وحدة العراق

لسنين عديدة، والأغلبية في العراق لا تتكلم خوفا من الحاكم، وهذا الخوف إبتدأ في التاريخ الحديث، بمجيء الملك فيصل الأول الى العراق، وتنصيبه ملكا عليه من قبل الإنكليز، بعد أن طرده آل سعود من أرض نجد والحجاز، وقد يتصور البعض أن هذا الخوف يعود؛ لعدم وجود قيادة توجه هذه الأغلبية، لتحصل على مبتغاها؛ والذي يتمثل في إيصال صوتها الى الحاكم، لكن هذا التصور بالتأكيد هو خاطئ، ولا أساس له على أرض الواقع، لسبب بسيط وجوهري، وهو أن هذه الأغلبية لديها مرجعية دينية توجهها، وتأتمر بأمرها.
في نظرية لها، تقول الباحثة الألمانية (( بأن الأغلبية يلوذون بالصمت، خشية الإضطهاد وخوفا من العزلة الإجتماعية، إذا ما أفصحوا عن آرائهم المعارضة للإتجاه السائد، والذي تفرضه وسائل الإعلام)).
بعد سقوط نظام الحكم الصدامي، في نيسان 2003، وبوجود دستور دائم؛ ضمنت الأغلبية أن تكون في موقع المسؤولية، للمرة الأولى في حكم العراق، لكن الذي حدث أن البعض من الخارجين من رحم هذه الأغلبية، تمرد عليها في محاولة للإستئثار بالحكم، وكأنه يحاول معاقبتهم لأنهم أوصلوه الى ما هو عليه، ولم يكتف هذا البعض بمعاقبة الأغلبية؛ بل وصل به الحال الى معاقبة جميع الشركاء، لمجرد أنهم وقفوا بوجههم ليقولوا كلمة الحق، وهي أن الجميع شركاء في هذا البلد؛ وأن إدارته لا تكون عن طريق التفرد بإتخاذ القرار، حتى لو كان هذا البعض يمتلك الأغلبية، فالأغلبية لا تعني تهميش صوت الآخرين، فلكلٍ منا وجهة نظر يجب على الجميع سماعها، بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا لها، ذلك لأن النقاش حول مسألة معينة بين الشركاء في البلد الواحد، توصل الجميع الى نقطة تعايش لا يختلف عليها الجميع، لكن إذا كان كل من هؤلاء الشركاء لا يسمع إلا صوته، فلن يجدي النقاش شيئا، وستكون الحياة أشبه بالجحيم على الجميع، وسيبدأ كل واحد منهم بالتشكيك في الطرف الأخر، وكل واحد يدعي بأنه صاحب الحق، وأن الأخر مخطئ في تقديره للأمور.
لا أعتقد، كما يعتقد الكثيرين غيري، بأن الأغلبية تحاول أن تمارس دور الجلاد الذي مارسته عليها الأنظمة السابقة، من قبيل مصادرة الأملاك، التهجير القسري، سحب الجنسية بحجج مختلفة، معاقبة المدن لأن أهلها ينتمون الى الأغلبية.
إن ما مطلوب منا جميعا، الإحتكام الى صوت العقل داخل كل منا، ويقر بحقيقة لا تقبل الإنكار؛ ألا وهي أننا أبناء وطن واحد، صحيح أنه توجد إختلافات في التوجهات الدينية والمذهبية، لكن ذلك لا يمنع من وجود قواسم مشتركة كثيرة، أكثر من تلك التي نختلف حولها، فنحن جميعنا ندين بدين واحد، وقبلتنا واحدة، وتربطنا روابط القربى والجيرة، ثم أننا وقبل كل شيء نعيش في بلد واحد إسمه العراق وهذا يكفي لأن تتلاشى جميع الخلافات لأجله.