(سعد الحريري من رجل التنازلات الى رجل التناقضات)
قدم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالة حكومته اثر الإنتفاضة التشرينية ومطالبة الشعب اللبناني بإستقالة حكومته الفاسدة، بعد ان تبين للشعب المقهور ان ذراعي سعد الحريري هما حسن نصر الله ونبيه بري، وخاطب الحريري الشعب اللبناني بخطبته العصماء” من المستحيل أن أتولى رئاسة حكومة في هذا العهد”، ولكنه قلب ظهر المجن بعد سنة من اعلانه هذا، عندما قال في حوار تلفازي” انا المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة”، كيف يكون مرشحا طبيعيا لحكومة قيصرية؟ في الحقيقة إن ظاهرة التلون الحرباوي في المواقف السياسية صارت من أبرز مزايا الحريري. وما تحت الطاولة من مفاوضات تتغاير تماما مع ما فوق الطاولة، هناك مؤشرات تدل على ان تلبية شروط الثنائي الشيعي وجبران باسيل سينفذها الحريري بالخفاء، ان تمت الموافقة على ترشيحه، سيما ان الثنائي الشيعي مازال مصرا على تسمية وزرائه حتى بعد اعلان الحريري انه المرشح الطبيعي. أي ان الشعب اللبناني الذي أسقط حكومة الحريري من الباب، ستعود اليه من الشباك، ويبقى السؤال: هل يمكن لمن تميزت حكومته بالفساد أن يصلح البلد من الفساد؟
ربما كانت الظرف عند رئاسة الحريري السابقة ليست أسوأ من الظرف الحالي، فقد دخل لبنان الهاوية بعد ان كان يقف على حافتها، بمعنى انه إذا عجز عن الإصلاح في الظرف السيء، فهل سيتمكن من الإصلاح في الظرف الأسوأ، المنطق يقول كلا لا يمكن تحقيق ذلك. لربما ينتظر الحريري معجزة سماوية، او انه وصل الى مرحلة الزهايمر المبكر، لان كلامه لا يعقله المجانين وليس العقلاء.
إذا شكل المرشح الطبيعي وزارته القادمة بأختصاصيين من خارج الثنائي الشيعي، فإن حكومته سوف لا تمرر من قبل الثنائي الشيعي المصر على تسمية وزرائه والإحتفاظ بوزارة المالية، واذا شكل الحريري وزارته متماشيا مع شروط الثنائي الشيعي فأن مصير وزارته الفشل الحتمي، ويصدق عليه المثل “كأنك يا ابو زيد ما غزيت”. المشكلة في لبنان لا تتتعلق بتشكيل الوزارة بقدر ما تتعلق بسلاح حزب الله، ان مشكلة لبنان تتلخص بكلمتين هما (حزب الله)، وهذه العبارة تعني السلاح خارج سيطرة الدولة والنفوذ الايراني في لبنان عبر الثنائي الشيعي. اما نفايات الماضي كميشيل عون وصهره جبران باسيل، والفساد المالي والسياسي، وازمة العملة والديون الخارجية والهروب الجماعي من لبنان، وفشل المبادرة الفرنسية، فهذه جميعها من مخرجات الثنائي الشيعي.
من المشاكل التي سيواجهها المرشح الطبيعي انه في حال إصرار الثنائي الشيعي بتسمية وزرائه، فهذا الإصرار سيلقي بظلاله على بقية الأحزاب اللبنانية سيما التيار الوطني الحر والتي ستطالب ايضا بتسمية وزرائها إسوة بالثناء الشيعي، وهنا سوف يغتال الحريري المبادرة الفرنسية التي وعد بتنفيذها، ويفرغ حكومته من فكرة الإختصاصيين. والمشكلة الأخرى ان الحريري وعد بأن تكون وزارة المالية من حصة الثنائي الشيعي خلال تأليف حكومة مصطفى أديب، وقد أفشل الحكومة بمبادرته هذه فإستقال أديب، كأنه وضع فخا لأديب، ليكون المرشح الطبيعي بدلا عنه، وهذا ليس ذكاءا بل إستغفالا واضحا. فهل سيتنازل الحريري عن وزارة المالية للثنائي الشيعي ام سيتنصل من وعده؟ وهل يقدر ان يتنصل من وعده ويكون رجل التنازلات الأول في لبنان؟ المشكلة الأخرى ان الحريري خذل الثوار اللبنانيين بعودته متصدرا المشهد السياسي، بمعنى ان الشعب الذي رفضه لا يمكن ان يقبله مجددا، فقاد عاد بالثورة الى المربع الأول، وربما بعض نوابه في البرلمان سيرفضون دعمه بعد ان وعد بعدم العودة الى رئاسة الحكومة.
يبدو المشكل الرئيس في موقف فرنسا والولايات المتحدة والسعودية والثنائي الشيعي من المرشح الطبيعي، فهذه الأطراف لها مواقف متعارضة في الشأن اللبناني، ومن الصعب او المستحيل ان تتوافق فيما بينها، فكيف سيكون موقفها من ترشيح الحريري؟ هذا ما سيتبين لاحقا، وهو ما أعلنته الإدارة الامريكية بأنه سيكون في لبنان تكليف ولكن لا تأليف للحكومة الا بعد الإنتخابات الامريكية، والأمر الآخر: هل هناك علاقة بين ترشيح الحريري وموافقة حزب الله عليه من جهة، وبين موافقة حزب الله على ترسيم الحدود مع (دولة اسرائيل حسب تسمية رئيس البرلمان اللبناني) لقاء نفوذه القادم في حكومة الحريري؟ في لبنان كل الإحتمالات واردة ما عدا إحتمال إنقاذ الشعب اللبناني من براثن حزب الله وأخذه الى بر الأمان.
اختم الحديث: الا تروا معي ان الثنائي الشيعي قدم خدمة كبيرة للرئيس ترامب قبل الإنتخابات القريبة واضافا نقطة مهمة الى رصيده الانتخابي بعد معاهدتي السلام الاسرائيليى مع الإمارات والبحرين؟
بتنا لا نعرف هل هناك (شيطان أكبر) واحد، أم هناك زمرة من الشياطين الكبار؟