يرتبط مسيحيو العراق عرقياً بالأمم والشعوب الذين بنو الحضارات الأولى في وادي الرافدين كالآشوريين والكلدان وغيرهم، فهم مؤسسون أصلاء للهوية العراقية في عمقها التاريخي والحضاري.
إن الإرث الثقافي الذي حافظ عليه مسيحيو العراق خاصة، بدءاً باللغة السريانية، والحرف الآرامي اللذين يمتد عمرهما الى أكثر من ألفي سنة، ومروراً بطقوس الزواج، والميلاد، والأعياد، والعادات، والأزياء وغيرها, تتميز بخصوصيتها، وارتباطها بطقوس، وعادات الآشوريين والكلدان والسريان الأوائل من جهة، ومن جهة أخرى تمثل وجها مشرقاً من وجوه الهوية الثقافية والوطنية العراقية الموسومة بالغنى والتنوع المثيرين للإعجاب.
الثالوث المقدس
منذ قرون والكنائس تفتح قداستها ومناسباتها بعبارة موحدة تقول (بسم الأب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين) أي أن الثلاثة هم تجل للواحد الأحد، وتفسر المصادر المسيحية: إن الثالوث المقدس شبيه الى حد كبير بالصفات عند المسلمين، وان كلمة الابن لا تؤول حرفياً بل تقبل المجاز، مثلها مثل يد الله في القرآن (يد الله فوق أيديهم)، ووجه الله، التي وردت في عدة آيات (فثم وجه الله) أو (ويبقى وجه ربك) و(تريدون وجه الله)، وغيرها من الكلمات التي يدل ظاهرها على التجسيم والتشبيه، على حد تعبير المصادر المسيحية.
الأديرة
تبدو الأديرة بمتنزهاتها وأجراسها وموسيقاها الدينية، واحتفالاتها بالأعياد المستمرة طوال العام، محلات مضيئة تخفف آلام الطواعين والأوبئة والمجاعات والحروب والغزوات، فالأديرة إحدى بيوت الله، التي كانت ومازالت تعزف فيها الموسيقى، وتنشد فيها الأناشيد مستوحاة من الرحمة، اللا محدودة التي تختلط مع حفيف الأشجار وخرير مساقط المياه، فيجد عابر السبيل وضال الطريق والمرضى لمسة اليد الرحيمة والابتسامة البريئة لراهبات الأديرة احد الملاذات الآمنة التي يعج بها العراق.
التقاليد والعادات والأعراف الشعبية:
يشترك المسيحيون مع غيرهم من أبناء العراق في كثير من الأعراف والتقاليد، فمثلاً المشاركة في الأفراح والتعازي، وغير ذلك من المشتركات، بالمقابل هناك تمايزات في هذه الطقوس والمراسيم.
ـ حالات الوفاة والزواج
ويبدو إن عادات وتقاليد المسيحيين في حالات الوفاة لا تختلف أيضاً من حيث الجوهر عن العراقيين عامة فهناك فترة حداد، والمشاركة في التشييع، وفي أحزان ذوي الفقيد، والاجتماع في بيت المتوفى أو أي مكان آخر يحدد لتقديم التعازي، ومرافقة الجثمان الى المقبرة، ولف الميت بكفن من الخام الأبيض.
وفي حالات الزواج هناك توزيع الحلوى على الحاضرين والغناء والزغاريد ونثر النقود وتقديم الهدايا العينية والرقص والدبكات التي لا تختلف كثيرا بين مكونات المجتمع العراقي التي اغلبها تجتمع على تشابك الأيدي مع بعضها لتأكيد التضامن والمحبة والوحدة، واعتماد اغلب العراقيين على الطبل والناي أو (الزورنا) وإقامة الولائم بالمناسبة.
ومن ابرز طقوس الزواج إدخال الخطيبين في دورة تعليمية داخل الكنيسة مدة شهر على الأقل، الغرض منها إعدادهما إعدادا، نفسيا وتعليمهما القيم الاجتماعية والأخلاقية، وتبادل الاحترام بينهما لتكون حياتهما مليئة بالمحبة والإخلاص وبذل النفس.
ويبدأ الزوج بعقد القران إمام الكاهن الذي يبدأ بترتيل (مارشال الزواج) من قبل الحضور، عند دخول العروسين، ثم يعلن الكاهن صلاة البراخ وهي صلاة العرس، وتتم مراسيم العقد من قبل الكاهن، وبعد الصلاة على الخاتمين (العروسين) يبدأ الكاهن بضفر الأكاليل وترديد:(الله الذي كلل السماء بالنجوم والأرض بالازدهار يكللكما بالأكاليل الزمنية ويؤهلكما للأكاليل الأبدية، ويحفظ حياتكما ويملأها خيراً، ويجعل آمنه وسلامه بينكما، ويغنيكما بفيض نعمه ويملأ قلبيكما فرحاً وشفاهكما حمداً فتؤديان المجد لله ربنا الى الأبد، ويرسم الصليب: الأب، الابن، الروح القدس.ثم يقرأ الكاهن من رسالة يونس الرسول الى أهل افسس ثم يدعو للعروسين ويتمنى لهما: إليك أيها الرب الإله يا جامع القلوب وموحد النفوس ومقدس الزواج نرفع صلواتنا ثم يدعو لهما بالإخلاص والتفاني وبالأولاد الصالحين، ويتوسل الى الرب أن يثبت العروسين في الايمان والمحبة وتشددهما بنور الانجيل ليكونا زوجين ووالدين يمارسان الفضائل والخير، ويبلغا سعادة القديسين في ملكوت السماوي ربنا آمين. ثم تتلى صلاة الختام وصلاة تسليم الواحد للآخر، ويقدم القربان، وهو قداس يحضر فيه الخبز وشراب العنب، وبعد الصلوات على الخبز والشراب يصبح الخبز جسد المسيح والشراب دم المسيح، ويتناوله المؤمن.. وبهذا تتم مراسيم الزواج في الكنيسة لتبدأ الحفلة في المكان المحدد من قبل العروسين أو عائلتيهما..
عالم الأزياء عند المسيحيين
أما في عالم الأزياء، فأن المسيحيين يتميزون بأزياء فلكورية جميلة تختلف من منطقة أو قرية من مناطق تواجدهم عن الاخرى، وتعكس طبيعتها وروح الحياة للسكان فيها، غالبا ما تكون بدلات النساء طويلة وذات أكمام طويلة تصل الى المعصمين، وتكون غنية بالزخارف، ويتم ارتداء الشال الموشح بالشرابيب فوق البدلة.
إن التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بما يوضع على الرأس، وعدد القطع التي يتكون منها الزي فأن العراقيين اليوم على العموم يشتركون بطبيعة اللبس التقليدي الذي اعتمده الأجداد الأوائل، وهي مشتركات لا يختلف فيها العراقيون كثيراً. أما الرجل فأن الزي التاريخي لا يختلف كثيرا عما كان يلبسه العراقيون اليوم فالدشداشة المستخدمة والشال، أو (العباءة) يمكن ملاحظتها في زي السومريين والاكديين والأشوريين، فعلى سبيل المثال لا الحصر تظهر رسوم الملك سرجون الثاني (720-750ق.م) بوقفة رسمية يرتدي زياً مكوناً من بدلة طويلة ذات شرابيب من الأسفل ومزخرفة بزهرة البيبون (دشداشة مزخرفة)، وفوق البدلة يرتدي الملك شالاً يغطي الكتف ومعظم الجسم (العباءة).
هذا هو الزي الدارج بين أبناء العراق، خاصة ابناء العشائر وفي الريف. يذكر إن المسيحيين العراقيين في سهل نينوى (مركز تواجدهم الرئيس) يرتدون الزي التقليدي المستخدم في الجنوب العراقي، وهو (الصاية) والعقال والكوفية، وهو اللباس المنتشر في مناطق برطلة وكرمليس وقره قوش (بخديدا). وهذا يعني إن أبناء العراق يشتركون في كثير من العادات والتقاليد والفلكلور والموسيقى والزي وغيرها، وهي مشتركات وطنية ورثناها جيلاً بعد جيل.
الأعياد
يحتفل المسيحيون بالأعياد المريمية نسبة الى مريم العذراء، وهي غير الأعياد الرئيسة المعروفة، مثل: الميلاد، رأس السنة، والفصح أو القيامة، والشعانين (التسبيح) بعد صوم الأربعين، وهي:
ـ عيد الميلاد:
أو يوم الميلاد أو الكريسماس، هو يوم عطلة للاحتفال بميلاد المسيح، الذي هو محور الديانة المسيحية. وبعض مظاهر الاحتفال تكون على شكل إعطاء الهدايا، ووضع شجرة الميلاد ووجود شخصية بابا نويل الأسطورية وعشاء الميلاد والاجتماعات العائلية.
كما يحتفل المسيحيين بعيد رأس السنة وهي تصادف ليلة ال 31 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام احتفالًا، بانتهاء عام وبدء عام جديد، وعندما أضحت الديانة المسيحية ديانة عالمية، وأكبر دين من ناحية الأتباع، وبسبب تأثير الاستعمار الغربي، أصبح أغلب العالم يحتفل برأس السنة الميلادية.
ويحتفل المسيحيون في السادس من كانون الثاني يناير من كل عام لذكرى معمودية يسوع في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان، فحسب المعتقدات المسيحية انفتحت السموات في هذا اليوم وانطلق صوت يقول هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا.
ومن أبرز مظاهر العيد في المجتمعات الدول ذات الطابع الأرثوذكسي مثل روسيا وبلغاريا واليونان وإسطنبول أن يُلقى صليب في البحر ويقوم شاب بالغوص لاسترجاعه والغطس في بِرك المياه المتجمدة.
من مظاهر الاحتفالات تقديم الهدايا، واحتفالات، ترافقها موسيقى عيد الميلاد والزينة والأضواء والمفرقعات. ويقوم بابا نويل، بتقديم الهدايا للأطفال في ليلة 6 كانون الثاني (يناير) من كل عام.
ـ الصيام:
كجميع الأديان تمارس المسيحية عادة الصيام وذلك لان يسوع صام، والصيام في المسيحية هي فترة انقطاع عن الشهوات الجسدية (الطعام)، والشهوات الروحية (الأعمال السيئة)، وينقسم الصيام إلى عدة أقسام:
الصوم الكبير: ويتم صيامه قبل عيد القيامة.
الصوم الصغير: ويتم صيامه قبل عيد الميلاد.
أقسام صيام أخرى حسب الطقوس والطوائف.
أما أشهر وأهم صوم فهو الصوم الكبير، وهو أحد فترات الصيام حسب الديانة المسيحية في الطقوس الشرقية والغربية وتبلغ مدته 40 يومًا، ويختلف موعد هذا الصوم من عام إلى آخر بحسب تاريخ يوم عيد القيامة المجيد الذي يحدد في أي سنة من السنين بحسب قاعدة حسابية مضبوطة. ولا بد في الصوم من الانقطاع عن الطعام لفترة من الوقت، وفترة الانقطاع هذه تختلف من شخص إلى آخر بحسب درجته الروحية.
أسبوع الآلام:
يسبق عيد الفصح أسبوع الآلام، وهو يقع في آخر أسبوع للصيام الأربعيني، ويبدأ هذا الأسبوع بيوم الأحد، أحد الشعانين وينتهي بيوم السبت في ليلة سبت النور، وأهم يوم في أيام الأسبوع المقدس، هو يوم جمعة الآلام أو الجمعة العظيمة، وهو يوم الجمعة التي تسبق عيد القيامة. وهي ذكرى (صلب) يسوع المسيح. تقام صلوات خاصة في هذا اليوم، وقراءات من الإنجيل للأحداث التي تسبق الصلب، وهو يوم مقدس للمسيحيين. غالبية الكنائس المسيحية ترى أن (صلب) المسيح وموته، وثم قيامة المسيح في اليوم الثالث هي تحدي للموت وانتصار روحي عليه.
عيد القيامة:
عيد القيامة أو أحد القيامة أو يوم القيامة. يعتبر أهم الأعياد الدينية، ويكون بين أواخر مارس وأواخر أبريل (أوائل أبريل إلى أوائل مايو عند المسيحيين الشرقيين). يتم الاحتفال بقيامة المسيح من بين الأموات وهذا ما يؤمن به أتباعه بعدما مات المسيح على الصليب في سنة 27-33 بعد الميلاد.
في الكنيسة الكاثوليكية يكون الاحتفال بعيد القيامة لمدة ثمانية أيام ويسمى باليوم الثامن بعد احتفال الكنيسة ” Octave of Easter “. يشير عيد القيامة إلى فصل في التقويم الكنسي ويدوم لمدة خمسين يومًا حيث يبدأ من أحد القيامة إلى عيد حلول الروح القدس.
أعياد أخرى:
هناك أعياد أخرى شهيرة تنتشر في الشرق والغرب مثل عيد العنصرة، التجلي, وميلاد مريم العذراء, وعيد ارتفاع الصليب. كما يحتفل المسيحيين خاصة الكاثوليك، الذين يؤمنون بشفاعة القديسين، بأعياد القديسين.
هنالك أعياد أيضًا ذات صبغة مسيحية أو أصلها مسيحي مثل: عيد جميع القديسين (الهالويين)، والفالنتاين دي.
وتختص كل كنيسة بعيد منها، ولهذه الأعياد علاقة بحياة مريم العذراء، وما فيها من أفراح وأحزان، ولها علاقة أيضا بحياة الناس، فعيد حافظة الزروع يعد من أقدم الأعياد المسيحية، ويحل منتصف أيار، موسم نضج الزورع، ولهذا العيد صلة بدور الآلهة عشتار في الزراعة واخضرار الأرض، وعادة يحتفل في هذا العيد في القرى المسيحية دون المدن، ويحتفل الأرمن الكاثوليك ببغداد بعيد سيدة الورود، وفكرة سيدة الورود تتلخص بتقديم أعمال التقوى والفضيلة لمريم العذراء المرموز إليها بالورود.
ويحتفل الآباء الكرمليون في 16 تموز من كل عام بعيد سيدة الكرمل، والكرمل جبل في فلسطين، فهناك شكلّ الآباء الزهاد ما عرف برهبنة الكرمليين نحو العام 1150م، وفي كنيسة انتقال العذراء ببغداد يحتفل في 15 آب من كل عام، وفي كنيسة السريان الكاثوليك تحتفل بسيدة النجاة، وتحتفل الكنائس في 8 أيلول بولادة العذراء، وفي 14 منه يحتفل بأم الأحزان، الذي يصادف عيد الصليب، وأم الأحزان هي مريم العذراء.. وتحتفل كنيسة بارك السعدون بعيد أم المعونة (العذراء)