18 ديسمبر، 2024 9:06 م

الأعياد الإبراهيمية… عيد الفالنتين

الأعياد الإبراهيمية… عيد الفالنتين

شكلت الأعياد جزء من الموروث الحضاري للأمم والشعوب، استطاعت الديانات الإبراهيمية من ترويض بعضها وتجيرها لصالحها، بعد إضفاء القدسية عليها، وهذا يبدو واضحاَ، في تتبعنا للأعياد اليهودية والمسيحية التي تعد عملية تدوير للأعياد والأساطير السومرية والبابلية والرومانية القديمة، والتي استلهم اليهود بعضها في مرحلة السبي البابلي، والقسم الآخر تبنته المسيحية كإرث حضاري من العالم الروماني الوثني القديم، وعملت الديانتان على تهذيبها بما يتلائم مع أيدلوجياتها، كوسيلة ناجعة لتوظيفها لصالحها في عملية التحشيد، وفق رؤية أحادية لاتسمح لجمهورها من التغريد خارج السرب.. أما أعياد المسلمين فهي مُحدثة لم يكن لها جذر في الجاهلية، غير الاسم الذي كان يطلق على يوم الجمعة، وجاءت هذه الأعياد لتشكل مناسبة لتوحيد المسلمين، وان تكون فاصلاَ زمنياَ يدلل العرب على التمييز بين رمضان وأشهر الحج، عن باقي الأشهر القمرية الأخرى، وهناك عدة فرضيات لمفردة (عيد) ذكر اثنان منها الخليل بن احمد الفراهيدي.. الأولى نسبة إلى (العودة) لأنه يعود كل عام، والأخرى لها جذر جاهلي نسبة إلى نوق كريمة كانت ملكاَ لقبيلة عربية (بني عيد)، واسمها يدل على الشرف والمنزلة الرفيعة.
الفالنتين من الأعياد الإبراهيمية المسيحية، الذي تشكل وفق رؤية ميثولوجية ضبابية لاتستند إلى ثابت تاريخي، تعددت فيها الرؤى وطبيعة هذه الشخصية الجدلية، حيث يذكر التاريخ المسيحي إن فالنتين ليس شخصية واحدة، بل ثلاثة عاشوا في فترات زمنية متباعدة، فهناك شخصية القديس فالنتين الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، عصر الإمبراطور ليليان مضطهد المسيحية، والذي أمر بصلب هذا القديس، ودفن جثمانه في جزيرة مالطا .. وآخر عاش في القرن الرابع الميلادي عصر الإمبراطور كلودس، الذي أمر بقتله بعد أن دعاه لاعتناق المسيحية، ومن ثم أودع في السجن ليشفي بعدها ابنة السجان التي كانت عمياء منذ الولادة، ويقع في حبها، ومن ثم يصلب تاركاَ لها رسالة محملة بالحب والمشاعر الإنسانية السامية، وهناك قس ثالث يدعى فالنتين قتل وصلب في شمال أفريقيا .. لكن ول ديوراينت صاحب موسوعة قصة الحضارة في كتاب (عصر الإيمان) يذكر إن عيد الفالنتين كان بالأصل عيداَ وثنياَ رومانياَ يسمى ( عيد الإخصاب)، يحتفل فيه الرومان، كإيذان ببداية موسم الربيع هناك، حيث كان يجتمع النساء والرجال في الساحات العامة في روما القديمة، ويتم إجراء قرعة بينهم للتزاوج وممارسة الجنس بطريقة إباحية عشوائية، يومي (14،15) شباط من كل عام، وحين وصلت المسيحية إلى روما تم تهذيب هذا الطقس الجنسي واعتباره عيداَ للربيع فقط .. إلى أن جاء عهد البابا جيلاديوس في القرن السادس عشر، ليقرر تغيير مسار هذا العيد نازعاَ عنه الصبغتين الجنسية القديمة والاجتماعية الجديدة، ليعطيه زخماَ دينياَ مقدساَ، من خلال اعتباره عيداَ مسيحياَ للقديس فالنتين الثاني ( بغض النظر عن حقيقته التاريخية)، وجعل 14 شباط من كل عام ذكرى لاستحضار رمزية (الحب) الدينية والإنسانية التي صلب من اجلها هذا القس.